دشن الرئيس المصري المنقلب عبد الفتاح السيسي مرحلة جديدة للسياسة الخارجية المصرية بإعلانه دعم الجيش الوطني السوري (الداعم لبشار الأسد) في مقابلة له مع التليفزيون البرتغالي.
يرى البعض أن هذا التقارب المصري السوري نكاية في المملكة العربية السعودية ولكنني أعتقد أن هذا التقارب ليس وليد اللحظة ولكن تم الإعداد له مسبقًا منذ فترة طويلة وتأصلت في أذهان صانعي الانقلاب منذ أن أعلن الرئيس المصري محمد مرسي موقفه وموقف مصر من الثورة السورية ودعمه لاختيارات الشعب السوري الشقيق وفتح أبواب الدولة المصرية أمام أبناء الشعب السوري وما مقولته الخالدة (لبيك يا سوريا) عنا ببعيد.
وقوف تركيا وقطر والإخوان المسلمين في صف الثورة المصرية والسورية جعل النظام الانقلابي المصري يتعامل مع هذه الأطراف بعدائية شديدة وسخر مكوناته الإعلامية في تشويه هذه الأطراف والثورة معًا، حتى إنه بات يشعر أن في انتصار هذه الثورة السورية هزيمة له وبدء العد التنازلي لسقوطه وهذا ما يجعله يتخذ الطرف الثاني حليفًا له بديهيًا طبقًا للمثل المتعارف عليه (عدو عدوي صديقي)، ولكن مع وفاة الملك السعودي السابق عبد الله بن عبد العزيز وتولي الملك سلمان الحكم بدأت السعودية تشعر بالمخاطر التي ستجنيها من فشل الثورة السورية وأهمها زيادة النفوذ الإيراني حول المملكة السعودية، فانضمت السعودية إلى الطرف الذي يؤيد ويدعم الثورة السورية.
المساعدات السعودية لمصر بعد الانقلاب لا يوجد حتى الآن إحصاء رسمي لها سواء من قبل المملكة السعودية أو الحكومة المصرية، ولكن العديد من المراقبين قالوا إنها كثيرة ومتنوعة بين مساعدات بترولية ودعم الاقتصاد المصري بالمنح والقروض الميسرة التي تتخطى حاجز الـ20 مليار دولار، كل هذه المساعدات السعودية كانت لإنجاح الانقلاب على حكم جماعة الإخوان المسلمين في مصر لمواجهة خطر دولة الخلافة التي يريدها الإخوان كما كان يتصور النظام السعودي وكما روج له إعلام الانقلاب المصري حينها.
أطماع إيران في المنطقة كانت تتعامل معها حكومة الرئيس محمد مرسي بشيء من السياسة والحزم مع الأخذ في الاعتبار البُعد الإقليمي وسياسة عدم الانحياز التي تبنتها السياسة المصرية حينذاك، فدعم الثورة السورية واليمنية والليبية كانت من أهم أولويات السياسة المصرية حينذاك وسياسة الانفتاح على تركيا والخليج والدول العربية والإسلامية كانت من محاور سياسة الرئيس محمد مرسي، ولكن الخليج نظروا لهذا الانفتاح على أنه تهديد لهم ولعرشهم ونجد أن الدور الإيراني في هذا الوقت كان في أضعف فتراته منذ انطلاق ثورات الربيع العربي.
في المقابل نجد انفتاحًا من النظام المصري على إيران وروسيا اللاتي تدعمان وبشدة الجيش السوري وباتت السعودية تتوجس من الخطر الكامن علي حدودها العراق وسوريا في الشمال واليمن في الجنوب وإيران في الشرق ثم الآن ينضم النظام المصري إلى هذا المعسكر بعد كل هذه المساعدات التي قدمتها المملكة لمصر (هكذا عبر أحد القادة السعوديين)، وتتحدث أيضًا بعض المصادر عن دعم مصري للحوثيين في اليمن.
التقارب المصري السوري ينسف علاقة مصر بمحيطها العربي، إذ إن إيران لها مطامع واضحة للجميع في الدول العربية، وقتالها في سوريا والعراق واليمن إنما هو دفاع بكل الطرق عن مصالحها في تلك المنطقة التي تتوسط العالم، والجميع يعلم أيضًا أن الرغبة الإيرانية الطائفية تتعدى العراق وسوريا واليمن مما يتطلب أن يتكاتف الجميع للوقوف ضد هذا الخطر، ولكن على عكس هذا تمامًا نجد أن النظام المصري يأخذ جناح إيران وروسيا ضد الشعب السوري والأمة العربية علي حد سواء، مع العلم يقينُا أنه يعلم بتلك الأطماع.
لا أحد يعلم يقينًا ما ثمن دعم النظام المصري لجيش النظام السوري؟ وهل هذا التقارب وليد اللحظة أم مخطط له منذ زمن؟ وهل هذا الدعم ثمرة من ثمرات التعاون المصري الروسي؟ وهل ما زال هناك في الجعبة المزيد من المفاجآت أم أن القيادة المصرية تضغط على المملكة السعودية وتكشر لها عن أنيابها حتى لا تظن السعودية أنها وصية على النظام المصري الانقلابي بحزمة المساعدات التي قدمتها لمصر؟
بل والأهم من ذلك إلى أين تسير السياسة الخارجية المصرية وما معالمها ومشروعها ورسالتها التى تريد إيصالها للجميع؟ وهل هناك مشروع أساسًا للسياسة الخارجية المصرية أم أنها تعتمد على سياسة رد الفعل من التغيرات الإقليمية والدولية؟
أسئلة كثيرة تحتاج للإيضاح ولا يستطيع الرد عليها سوى القابعين في قصر الاتحادية.