تتميز مسيرة العلاقات الأردنية الإيرانية بالتعثر والتوتر والقطيعة منذ العام 1979 وهو تاريخ سقوط نظام الشاه محمد رضا بهلوي ووصول الثورة إلى الحكم، في حين توترت العلاقات أكثر بعد مساندة الأردن للعراق في حربه مع إيران ما بين عامي 1980و1988.
عادت العلاقات الدبلوماسية إلى طبيعتها بين عمان وطهران في العام 1991، بعد وفاة زعيم الثورة الإيرانية آية الله الخميني، حيث بادر الأردن بإغلاق مكاتب حركة مجاهدي خلق المعارضة لإيران في عمان.
لكن العلاقات عادت وتعثرت بسبب تأييد عمّان لأبو ظبي في أزمة الجزر الإماراتية الثلاث المتنازع عليها بين الإمارات وإيران، ثم تعقدت أكثر إثر غزو العراق 2003 واندلاع ثورات الربيع العربي 2011 واستغلال إيران لتداعياتها للتمدد في المنطقة.
كان الملك عبدالله الثاني أعرب في مقابلة صحفية له مع محطة “CNN” الأمريكية، عن عدم الارتياح الأردني تجاه التدخلات الإيرانية في اليمن وأفريقيا والعراق وسوريا ولبنان وأفغانستان.
لتسليط الضوء على مسيرة العلاقات بين البلدين وتطوراتها، أشار أستاذ علم السياسة الدكتور أحمد سعيد نوفل إلى أن أفق العلاقة بين الأردن وإيران غير واضح المعالم، حتى في ظل تكوين حالة من التوازن في السياسة الخارجية بين الطرفين، فإنه يصعب قراءة الكيفية التي تدار بها العلاقة بين البلدين”.
علاقة رمادية بين عمان وطهران
وقال نوفل المدرس في جامعة اليرموك لـ”أردن الإخبارية” إن المراوحة في المنطقة الرمادية من خلال مزاولة السياسة أمر غير مقبول، إذ لا بد من وجود استراتيجية واضحة تحقق المصالح العليا للأردن”.
ورأى نوفل أن “العلاقة الأردنية الإيرانية متأثرة بالوضع الإقليمي، خاصة بما يتصل بالملف السوري، في حين أنه من المعلوم أن عمان تبني علاقاتها الخارجية بناء على الأوضاع الاقتصادية التي تعبر عن المصالح الوطنية، إذ لا تملك عمان خيارات متعددة في ذلك، في الوقت الذي يرفض فيه الأردن أن يكون جزء من أي صراع طائفي في المنطقة”.
واعتبر نوفل أن “كل محاولات إنجاح العلاقة الأردنية الإيرانية باءت بالفشل، إذ بقيت العلاقات بين البلدين إما مقطوعة أو متوترة أو باردة أو شبه مجمدة”.
إن المراقب لتطورات العلاقة بين عمان وطهران، يجد أن أبرز المحطات السياسية بين الطرفين كانت في العام 2000، حيث توترت العلاقات بين البلدين عقب انتفاضة الأقصى ومحاولات إيران إيجاد موطئ قدم لها في فلسطين على حساب المصالح الفلسطينية وكذلك الأردنية، حسب قول الحكومة الأردنية.
وفي 5 شباط/فبراير من العام 2002، أعلنت الإذاعة الإيرانية أن وزارة الخارجية الإيرانية استدعت السفير الأردني في طهران لتبلغه احتجاج الحكومة الإيرانية على التأييد المطلق الذي أعلنه الملك الأردني للاتهامات التي وجهها الرئيس الأميركي آنذاك جورج بوش الابن في خطاب حالة الاتحاد لما أسماها دول محور الشر، ويعني بها إيران والعراق وكوريا الشمالية.
وفي 2 آذار/مارس من العام 2002، اتهم السفير الأردني لدى طهران بسام العموش إيران باختراق أراضي بلاده أمنيا، وذلك في أول انتقاد أردني علني وقوي ضد الجمهورية الإسلامية منذ اعتلاء الملك الأردني الملك عبد الله الثاني العرش في شباط/فبراير 1999.
في 2 أيلول/سبتمبر 2003 أجرى الملك عبد الله الثاني محادثات في طهران مع الرئيس الإيراني آنذاك محمد خاتمي ركزت على الوضع في العراق وفلسطين وعلى تعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين، وهي المرة الأولى التي يزور فيها ملك أردني إيران منذ قيام نظام الثورة الإسلامية عام 1979.
في العام 2004 اتهم الملك عبد الله الثاني في حوار مع صحيفة واشنطن بوست الأميركية، إيران بالعمل لإقامة جمهورية إسلامية في العراق تكون مقربة جدا منها، ويحذر من سعي إيران لإقامة هلال شيعي في المنطقة يضم إلى جوارها سوريا ولبنان والعراق.
وفي 6 كانون الثاني/يناير من العام 2005، أعلنت إيران أن وزير خارجيتها سوف يقاطع مؤتمر جيران العراق المقرر عقده في الأردن لكونه يهدف إلى التأثير على الانتخابات في العراق، وأن عمّان “توفر مأوى للبعثيين وضالعة في مؤامرة من أجل عودة الحكم الملكي الهاشمي هناك”.
أما في 8 كانون الثاني/يناير من العام 2007، طالب 28 نائبا في البرلمان الأردني عبرمذكرة رسمية حكومتهم بقطع علاقاتها الدبلوماسية مع إيران وحل لجنة الصداقة البرلمانية الأردنية الإيرانية، وذلك بسبب موقف طهران الصفوي الفارسي من إعدام الرئيس العراقي السابق صدام حسين.
بينما في 7 تموز/يوليو من العام 2015 بدأت محكمة أمن الدولة الأردنية بمحاكمة المواطن العراقي خالد كاظم الربيعي الذي يحمل الجنسية النرويجية، بتهمة “العمل لحساب تنظيم يتبع الحرس الثوري الإيراني ويشتبه في أنه خطط لتنفيذ أعمال إرهابية في الأردن”.
فيما في 18 نيسان/إبريل من العام 2016، استدعى الأردن سفيره في طهران للتشاور في وقفة تقييمية للمعطيات الدالة على التدخل الإيراني في الشؤون الداخلية لدول عربية.
عروض للسياحة الدينية الشيعية في الأردن
من ناحيته، رأى أستاذ علم السياسة الدكتور فارس الفايز أن الشكوك بين البلدين مرتفعة رغم المساعي الإيرانية لإنعاش العلاقة بعروض اقتصادية وسياحية دينية.
وقال الفايز لـ”أردن الإخبارية” إن “تعامل الأردن مع إيران اتسم بالحذر الشديد نظرا للعلاقات مع دول خليجية من جهة والعلاقات مع واشنطن من جهة أخرى، فضلا عن الهاجس والخوف من التمدد وفرض النفوذ الإيراني”.
واعتبر الفايز أن “أربعين عاما من الشكوك والمخاوف بين البلدين، لن تزول ببساطة”، منوها إلى أن “إيران هي من تضغط على الحكومة العراقية من أجل إغلاق حدودها المشتركة مع الأردن”.
في مقال شيق له، كشف السفير الأردني الأسبق في طهران الدكتور بسام العموش طبيعة العلاقة بين الأردن وإيران قائلا “ارتبط الأردن بعلاقة متميزة مع إيران خلال حكم الراحل الملك الحسين ملك الأردن وإمبراطور إيران محمد رضا بهلوي شاه إيران، لكن العلاقة تدهورت لما استلم خميني السلطة عام ١٩٧٩ ثم لم تلبث العلاقة أن عادت عبر تبادل السفراء وذلك من باب الواقعية السياسية التي كان ينتهجها الحسين، بينما كان هدف إيران عبر وجود السفارة في عمان أن تكون نقطة ارتكاز لتصدير الثورة”.
وأضاف العموش في مقاله قائلا “لقد أفهمني الإيرانيون أنهم يأخذون على الأردن ثلاثة مآخذ، علاقة الملك الحسين بالشاه ووقوف الأردن مع صدام والسلام مع إسرائيل، فقلت أما علاقتنا بالشاه فلأنه كان المسؤول عندكم وها نحن نقيم العلاقة معكم ، ثم إن الذي تأخذون عليه ذلك قد مات ومات صاحبه فلم الاستمرار في هكذا حديث، وبخصوص صدام فقد كان العراق يجر جيشه للدفاع عن الأردن وفلسطين، وما تزال مقابر شهداء الجيش العراقي موجودة على أرض الأردن، كما أن العراق يزودنا بالنفط مجاناً وبعضه بنصف السعر فمن فعل ذلك معنا، كما إن صدام ليس بحاجة إلى جيشنا فلديه ثلاثة ملايين عسكري بينما جيشنا بضع عشرات الألوف من العسكريين”.
وتابع العموش في رده على الإيرانيين بقوله “أما السلام فما كان عقائدياً بل هو ضرورة أملتها موازين القوى بعد توقيع مصر ومنظمة التحرير الفلسطينية ، وإذا كنتم تأخذون علينا ذلك مع الشيطان الأصغر فلم تسالمون الشيطان الأكبر أمريكا، وهي أمامكم تحتل الخليج بينما تتقاتلون معنا على تسميته بالفارسي أو العربي، فلنسمه الإسلامي بينما الحقيقة هو أمريكي”.
في معرض العلاقات بين البلدين نستحضر هنا ما كشفه وزير الأوقاف الأسبق هايل داود، عن رفض الأردن لطلبات من عدة جهات إيرانية قدمت عبر مسؤولين بفتح باب السياحة الدينية للإيرانيين بشكل منظم في البلاد.
وقال داود في تصريحات سابقة لـ CNN بالعربية إن “ثلاثة طلبات على الأقل تقدم بها مسؤولون إيرانيون رسميا خلال عام أو أكثر، لتدشين هذه السياحة، إلا أنها قوبلت بالرفض”.
لكن داوود أكد على أن “رفض الأردن لتلك الطلبات هو رفض مرحلي ربما سيعاد النظر فيه مستقبلا”، مشددا على أن “فتح المزار والأماكن السياحية الدينية أمام الإيرانيين والشيعة، لن يصل بأي حال من الأحوال إلى السماح بممارسة طقوس وشعائر شيعية على غرار الحوزة.”
ترحيب إيراني بقديم الدعم للأردن
أما من وجهة نظر السفير الإيراني الأسبق في عمان مصطفى زادة، فقد أكد على أن الأردن وإيران يسعيان لتطوير علاقاتهما في شتى المجالات، وأن بلاده ترحب بتقديم كافة أشكال الدعم الاقتصادي للأردن خاصة في مجالي الكهرباء والغاز.
وقال السفير إن الأردن وإيران يمتلكان مشتركات كثيرة مع بعضهما خاصة تجاه القضية الفلسطينية، حيث يؤكدان على أن إحلال السلام يأتي من خلال حل الدولتين وإرجاع الحقوق إلى الشعب الفلسطيني وأن تكون القدس الشريف عاصمة الدولة الفلسطينية”.
إلى ذلك، فإن ما يمكن معرفته بشكل واضح أن أربعين عاما من الشكوك والمخاوف بين البلدين لن تزول ببساطة، فالأردن يرفض السياسة الإيرانية التوسعية الطائفية، كما أن الأردن ركن أساسي في محور الاعتدال العربي الأمر الذي يجعل تقاربه من إيران أمر غاية في الصعوبة إن لم يكن مستحيلا.