تحتفي العاصمة التونسية اليوم بمؤتمر اقتصادي دولي أقيم بمبادرة ودعم كبير من دولة قطر، حيث يعد أضخم حدث اقتصادي تعيشه البلاد في السنوات الخمس الأخيرة، فأكثر من 70 دولة تشارك بمستويات مختلفة في المؤتمر الذي تعول عليه تونس لنقل البلاد من المستوى الذي وقعت فيه خلال الخمس سنوات الماضية إلى مستوى آخر يحقق لمواطنيها الرفاهية والازدهار المنشود، وقد أجمع مراقبون أن هذا المؤتمر سيكون الفرصة الأخيرة لتحقيق أهداف الثورة التونسية.
مخطط التنمية 2017 – 2020
يحاط بالمؤتمر هالة كبيرة من الأهمية نسبة لنوعية الحضور والعدد، إذ سيشهد المؤتمر أكثر من ألفي شركة أجنبية فضلاً عن شخصيات سياسية أجنبية بارزة من رؤساء دول ورؤساء حكومات ووزراء سيحضرون المؤتمر، على غرار أمير دولة قطر تميم بن حمد آل ثاني ورئيس الوزراء الفرنسي مانويل فالس ورئيس الحكومة الإيطالية ماتيو رينزي ونور الدين جانيكلي نائب رئيس الوزراء التركي.
ستعرض تونس اليوم على مستثمرين من 70 دولة نحو 145 مشروعًا في مجالات متنوعة تتعلق أساسًا بتطوير البنية التحتية والصناعات الميكانيكية والخدمات والاتصالات بقيمة 30 مليار دولار فيما تتطلع حكومة الشاهد إلى جني استثمارات في حدود 50 مليار دولار قبل نهاية مخطط التنمية الجديد2017 – 2020.
ومن بين المشاريع الـ145 سيكون هناك 60 مشروعًا حكوميًا ستقدم بغرض التمويل فيما سيعرض 40 مشروعًا شراكة بين القطاعين العام والخاص إلى جانب 40 مشروعًا ستفرد للقطاع الخاص.
علمًا أن تونس حصلت على تعهدات سابقة من عدة دول للقيام باستثمارات ومساعدات إلا أن الجهات المانحة تنصلت من تعهداتها لذا يُشدد مسؤولون حكوميون على أن تونس تحتاج هذه المرة إلى استثمارات لا مساعدات وتعهدات.
المؤتمر الدولي للاستثمار سيكون الفرصة الأخيرة لتحقيق أهداف الثورة التونسية
حكومة يوسف الشاهد سعت لإزالة المشاكل والعقبات التي تعترض المستثمرين المحليين والأجانب والتي تسهم في تقليص جاذبية البلاد كوجهة استثمارية مربحة، فعملت الحكومة على استمالة المستثمرين المحليين خلال المؤتمر الذين وعدوا بإنجاز مشاريع بقيمة 650 مليون دولار في 14 منطقة داخلية فضلًا عن الحصول على وعود باستثمارات مهمة من دولة قطر وفرنسا والبنك الدولي للاستثمار سيكشف عنها تباعًا خلال المؤتمر الذي سيستمر ليومين.
وعقب لقاء بين رئيس البنك الأوروبي للاستثمار فرنار هوير ويوسف الشاهد أكد فيها هوير أن تونس دولة مشجعة على الاستثمار لما تعيشه من تجرية ديمقراطية واعدة ومتميزة في منطقة جنوب المتوسط مما يجعلها قادرة على التغلب على التحديات التي تواجهها.
مانويل فالس رئيس الوزراء الفرنسي في تونس لحضور المؤتمر الدولي للاستثمار
وذكر أيضًا أن البنك وقّع أمس الإثنين 28 من نوفمبر الجاري اتفاقيات لتمويل مشاريع متعددة مع الحكومة بقيمة 400 مليون يورو في مجلات لها علاقة بمشاريع تستهدف الشباب والطفولة والمدارس وجسر مدينة بنزرت شمال شرق البلاد، وأضاف أن البنك ملتزم بتمويل استثمارات مع تونس بما قيمته 2.5 مليار يورو.
ومن المتوقع أن توقع تونس حسب مصارد إعلامية ثلاث اتفاقيات مهمة مع دولة قطر فضلًا عن الإعلان عن مد أجل سداد الديون القطرية المستحقة على تونس والتي تقدر بنحو 500 مليون دولار إلى عام 2019، بالإضافة لحزمة جديدة من المساعدات للاقتصاد التونسي تتمثل في منح وقروض واستثمارات تنموية.
يُذكر أن قطر مولت من خلال صندوق الصداقة القطري التونسي عشرة آلاف مشروع صغير ومتوسط بكلفة استثمارية تقترب من 97 مليون دولار، كما تم ضم مشروعات صندوق الصداقة القطري التونسي إلى صندوق قطر للتنمية، والذي تقع تحته جميع الاستثمارات الحكومية التنموية في الخارج، ومنها المشروعات الموجودة في تونس.
ثلاثة تقارير عكرت صفو المؤتمر
عشية انعقاد المنتدى الاستثماري في تونس صدرت ثلاثة تقارير عن مؤسسات اقتصادية دولية أظهرت تراجعًا في مؤشرات الاقتصاد التونسي.
ففي تقرير التنافسية الدولية فيما يخص مناخ الأعمال احتلت تونس المركز الـ62 عالميًا منذ العام 2011 وفي تقرير ممارسة أنشطة الأعمال 2017 أظهر تراجع تونس مرتبتين مقارنة بالعام الماضي وهو تقرير يقيس عددًا من الإجراءات الإدارية وهو ما يعد عاملًا سيئًا في هذا التوقيت بالذات.
أما التقرير الثالث فهو لوكالة الترقيم السيادي لوكالة “موديز” التي أعادت تصنيف تونس من مستقرة إلى سلبية وهذه التقارير يمكن أن تكون عنصرًا من العناصر التي يعتمد عليها المستثمر الأجنبي للاستثمار في بلد ما.
وحسب خبراء تونسيين فإن توقيت انعقاد المؤتمر غير مناسب بسبب تلك التقارير الثلاثة بالإضافة إلى الإحصاءات الأخيرة المنشورة والتي تشير إلى أن الاستثمارات الأجنبية تراجعت بنسبة 19.4%.
الأمير القطري تميم بن حمد آل ثاني يمنح مساعدات مالية لتونس بقيمة 1.25 مليار دولار
فهذه الإحصائيات قد تثير الشكوك لدى المستثمر الأجنبي، كما أن حالة الطوارئ التي عمدت رئاسة الجمهورية لتمديدها ما أدى بالعديد من الدول لتحذير رعاياها من القدوم إلى تونس، قد تكون سببًا آخر في تنفير المستثمرين من البلاد.
يُذكر أن تونس تعاني من مجموعة من المشاكل والأزمات تصاعدت حدتها خلال الأعوام الماضية بسبب سوء المناخ الاستثماري وعدم الاستقرار في الوضع العام، حيث سجلت نسب البطالة أكثر من 15% ونسبة الدين العام 63% من الناتج المحلي، كما تعطل الإنتاج في أهم الوحدات الإنتاجية للفوسفات.
وهبطت السياحة نتيجة تفجيرات استهدفت معالم سياحية العام الماضي تراجعت فيها عائدات القطاع السياحي في تونس بنسبة 8.4% في الأشهر التسع الأولى من العام الحالي، إلى 1.808 مليار دينار (نحو 900 مليون دولار) مقابل 1.975 مليار دينار (987 مليون دولار) في الفترة ذاتها من العام الماضي، وسجلت الاستثمارات الأجنبية المباشرة تراجعًا بـ2.1% في الأشهر التسع الأولى من العام الحالي، لتبلغ 1.379 مليار دينار أي نحو 700 مليون دولار.
وتتوقع الحكومة التونسية أن يصل العجز في ميزانية الدولة 5.4% في 2017 وفق مشروع الموازنة المقترح الذي يناقشه البرلمان حاليًا، مقابل 5.7% متوقعة للعام الحالي 2016.
تقرير ممارسة أنشطة الأعمال 2017 أظهر تراجع تونس مرتبتين مقارنة بالعام الماضي
وفق هذه الأرقام الواردة والتقارير الصادرة عن المؤسسات الدولية فإن الاقتصاد التونسي سيوضع أمام الواقع السلبي الذي فرضته عليه تلك البيانات ويحتاج للخروج منها تطبيق مجموعة من الإصلاحات تتعلق بالنظام الضريبي والقانوني والمصرفي والنهوض أكثر بالتجرية الديموقراطية السياسية وتقديم حوافز للمستثمر الأجنبي تجذبه للبدء باستثمارات متنوعة في البلاد، وعدم الاكتفاء بالتصريح بشأن تعزيز الاستثمارات الأجنبية.
ويعد هذا المؤتمر خطوة لتعريف المستثمرين العرب والأجانب بالإصلاحات التي أجرتها الحكومة خلال الفترة الماضية من جهة واختبارًا لقياس مدى جدية الدول المانحة والمستثمرين برغبتهم بالاستثمار في تونس من جهة أخرى.