يستعد حزب العدالة والتنمية التركي لتقديم مسودة قانون لتعديل الدستور إلى البرلمان من شانها توسيع صلاحيات وسلطات الرئيس، حيث يرى الحزب أنه لابد من تغيير الدستور والنظام البرلماني في تركيا من أجل تقدم البلاد.
ويقول برلمانيون أتراك أن مشروع الدستور سيُقدم إلى الشعب ليصوت عليه باستفتاء في أشهر الربيع من العام القادم، حيث يسعى حزب العدالة والتنمية إلى الحصول على تأييد حزب الحركة القومية اليميني المعارض من أجل الحصول على الموافقة البرلمانية اللازمة للتعديل قبل طرحه في استفتاء.
حيث يقول المؤيدون للمشروع إن تركيا تحتاج إلى القيادة القوية لرئاسة تنفيذية على غرار النظام المطبق في الولايات المتحدة أو فرنسا لتفادي الحكومات الائتلافية الهشة التي عرقلت التنمية في الماضي.
يرى مراقبون أن حزب العدالة والتنمية كان سيقوم بالتحضير وبتهيئة الرأي العام للنظام الرئاسي خلال 3 سنوات من فترة حكومته الحالية، لكن يبدو أن مدخل الانقلاب الفاشل قد يؤدي إلى تعجيل التوجه نحو النظام الرئاسي من جديد، وقد استطاعت ما تسمى بروح “يني كابي” أو الروح الوطنية التركية التي ولدت من جديد في ليلة الانقلاب إقناع حزب الحركة القومية بدعم فكرة النظام الرئاسي في خطوة تحبط جهود حزب المعارضة الرئيسي حزب الشعب الجمهوري من تكسير مجاديف دعاية حزب العدالة أو حتى استخدام الدعاية الغربية المختبئة خلف شعارات الديمقراطية والتي كانت تصور النظام الرئاسي في تركيا بأنه نظام ديكتاتوري، حيث إنها لن تجد أذانًا صاغية في تركيا بعد أن ظهر موقفها المخيب في التخلي عن الديمقراطية التركية صبيحة 15 تموز 2016.
ترى الحكومة التركية أن مجموعة عوامل تضافرت لطرح النظام الرئاسي ضمن تعديل أو تغير دستوري شامل حيث سبق وصرح رئيس الوزراء السابق أحمد داود أوغلو أواخر العام الماضي بأن النظام الرئاسي هو شكل الحكم “المناسب” لبلاده، معتبرا أن نجاح حزب العدالة والتنمية في استعادة أغلبيته المطلقة بالانتخابات البرلمانية آنذاك كان رسالة من المواطنين تطالب بوضع دستور جديد من خلال التوافق.
كذلك سبق وأعلن الناطق باسم الرئاسة التركية إبراهيم كالين أن الحكومة ستعيد طرح موضوع النظام الرئاسي على الرأي العام مجددا. وأضاف في مؤتمر صحفي أن ”الرئيس أردوغان طرح هذه الفكرة عندما كان يشغل منصب رئاسة الوزراء” مشددا على أن هذا الأمر ليس شخصيا لكن ”أردوغان شخصية استثنائية قوية، استطاع أن يحفر اسمه على صفحات التاريخ، ولذلك كان لزاما طرح قضية النظام الرئاسي مرة أخرى”.
كذلك فإن رئيس الوزراء التركي وزعيم حزب العدالة والتنمية بن علي يلدرم قال في خطاباته الأخيرة إن انتخاب رئيس الجمهورية رجب طيب أردوغان مباشرة من قبل الشعب قد خلق وضعا فعليا جديدا في العلاقة بين رئاسة الجمهورية والشعب. واصفا الدستور الحالي بأنه من صناعة الانقلابات العسكرية التي شهدتها تركيا في فترتي الستينيات والثمانينيات.
ودعا يلدرم الأحزاب الأخرى إلى التعاون والمشاركة في مسيرة صياغة الدستور الجديد الذي تتطلع إليه تركيا وشعبها، مشيرا إلى أن دستورا جديدا للبلاد ليس مسألة شخصية لرئيس الجمهورية بل مسألة تتعلق بمستقبل البلاد.
وكان دولت بهتشلي زعيم حزب الحركة القومية قد صرح مؤخرًا بأن النظام الرئاسي موجود كأمر واقع، ودعا لإيجاد حل قانوني لتثبيته وفيما بدا بعض الغبش حول تصريحاته التي قال حزبه إنها فهمت خطأ وإنه لم يقل سنجمع 330 صوت للنظام الرئاسي بل قال إذا كنتم قادرين على جمع 330 صوت فلتجمعوا”.
وفي هذا السياق قدم رئيس الوزراء الشكر لحزب الحركة القومية وزعيمه على هذا الموقف وقال إن حزب العدالة والتنمية سيقدم الدستور الجديد بما فيه النظام الرئاسي للبرلمان وإذا لم يقره البرلمان سوف يقوم بعرضه على الشعب للاستفتاء.
يوجد لدى حزب العدالة والتنمية 317 نائبًا في البرلمان، وبما أن رئيس البرلمان هو خارج عملية التصويت فإن العدد يصبح 316، ولهذا فإن الحزب بحاجة إلى 14 صوتًا للوصول إلى رقم 330، وهو الرقم الذي لا يمكن معه رد الدستور الجديد، ولكن يتوجب عرضه على استفتاء شعبي، وإذا علمنا أن حزب الحركة القومية لديه 40 مقعدًا فإن توافق حزب العدالة والتنمية معه يؤهل الدستور للمضي نحو استفتاء شعبي، أما عدد 367 صوتًا وهو العدد اللازم لإقرار الدستور دون استفتاء شعبي فهو أمر مستبعد في ظل رفض حزبي الشعب الجمهوري والشعوب الديمقراطية.
هذا وتتفق جميع الأحزاب التركية على ضرورة تغيير الدستور الحالي باعتباره دستوراً أعده نظام انقلابي في الثمانينيات من القرن الماضي، وعلى الرغم من التعديلات العديدة التي أجريت عليه إلا أنه دستور لا يملك الشرعية لأنه تم الاستفتاء عليه في ظروف لا تؤهله لأن يكون الدستور الشرعي.
أخيراً ، فقد نشرت صحيفة “أوترا” الروسية تقريرا قبل ثلاثة أيام تحدثت فيه عن التوقعات ببقاء الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان رئيسا لجمهورية تركيا لعدة ولايات أخرى، أي إلى حدود سنة 2029، وذكر التقرير أن بقاء أردوغان في الحكم إلى ولايات أخرى سيتطلب القيام ببعض التعديلات الدستورية.
وأشارت الصحيفة إلى أن الدستور التركي ينص على أن الرئيس لا يمكنه أن يبقى في منصبه أكثر من ولايتين متتاليتين، ولا تتجاوز مدة كل ولاية خمس سنوات. ونظرا إلى أن الانتخابات القادمة في تركيا ستكون سنة 2019، فإن الرئيس التركي لن تمتد ولايته إلي سنة 2029 بل قد تنتهي سنة 2024.
وتضيف الصحيفة الروسية: “مما دفع الرئيس التركي إلى إجراء تعديلات على القانون الأساسي، بهدف تحويل تركيا إلى النظام الرئاسي، ووفقا للدستور الجديد فإن منصب رئيس الوزراء لم يكون بنفس درجة الأهمية، وبالتالي يصبح القرار بيد الرئيس ونائبيه”.