لم تبق أي كلمة تعبر عن الوضع الإنساني في مدينة حلب المحاصرة، ولا حتى كلمة مدينة منكوبة التي أعلنها الدفاع المدني السوري في حلب وأنها تعيش كارثة إنسانية بالكامل لتستنفر العالم لإيقاف القصف الهمجي والحملة الشعواء على حلب من قبل روسيا وقوات النظام وحلفائها، إذ نفد من المدينة مخزون الوقود الاحتياطي المخصص لسيارات الإسعاف وهو ما يزيد الوضع سوءًا من الناحية الطبية، فلا طعام وماء وكهرباء ولا وقود ولا سيارات إسعاف ولا إطفاء ولارافعات أنقاض، حتى الهدوء أصبح سلعة غالية في حلب بسبب كثافة القصف الروسي على هذا الجزء من المدينة والتي اختصر فيها أشخاص مصير الثورة برمتها.
حركة نزوح جماعية
شهدت العديد من أحياء مدينة حلب في الأيام الثلاث الماضية حركة نزوح جماعية غير مسبوقة تزامنًا مع الهجمة العسكرية الشرسة للنظام منذ منتصف الشهر الجاري، فقرار حسم حلب اتخذ كما أعلن ذلك السفير السوري في موسكو رياض حداد قبل 3 أيام، ومن وقتها بدأت القوات النظامية السورية هجومًا شرسًا هو الأعنف على الإطلاق بمساعدة حلفائها، فوقع المحصارون في الأحياء الشرقية الذين ذاقوا أصناف العذاب من شدة القصف والجوع والبرد، تحت رحمة القوات النظامية والمقاتلين الأكراد.
ومع الانهيار السريع لفصائل المعارضة في كامل القطاع الشمالي الشرقي للمدينة سيطرت قوات النظام على مساكن هنانو ذات الموقع الاستراتيجي وهرع آلاف المحاصرين المدنيين من النساء والأطفال والمرضى سيرًا على الأقدام إلى الأحياء الغربية للمدينة الخاضعة لسيطرة القوات النظامية والكردية.
إلى ذلك تكون كل الخطط التي عملت عليها أطراف كثيرة بشأن إيقاف ما يحصل في حلب وفك الحصار عنها وخطط سياسية وفتح ممرات آمنة وما إلى ذلك تم نعيها وذهبت أدراج الرياح منذ بدء ساعة حسم معركة حلب.
اعتبار معركة حلب بأنها فاصلة وحاسمة وستقرر مصير سوريا يعد “أكبر كذبة”
وابتداءً من خطة ديمستورا التي نصت على وقف الغارات الجوية على شرق حلب مقابل خروج النصرة وإيصال مساعدات إنسانية وبقاء المجلس المحلي المعارض، وخطة موسكو التي ناقشها كل من الزعيمين الروسي والتركي تتضمن عناصر مشابهة لخطة ديمستورا إضافة لبند يتضمن تشكيل مجلس سياسي باسم الأحياء الشرقية بمثابة “منصة سياسية” تضاف للمنصات السياسية الأخرى المشاركة في العملية السياسية.
ومحاولات أخرى لربط مصير شرق حلب المحاصر بمصير مدينة الباب التي تتجهز قوات درع الفرات المدعومة من أنقرة لاقتحامها، حيث يعتقد أن المسيطر على مدينة الباب سيملك مفاتيح استراتيجية لمستقبل حلب، والسيطرة على الباب يعني أن شرق حلب بات تحصيل حاصل، لذا فإن الغارة التي شهدتها الفصائل السورية المدعومة من أنقرة جاءت بغرض وقف تقدمها.
وحتى السيطرة على مدينة الباب فإن الفصائل السورية المعارضة تتعرض لاستنزاف حقيقي يوسع من سيطرة القوات النظامية عليها ويقلب الأوراق ويغير الموازين على الأرض، فبسط سيطرة قوات النظام على شرق حلب يعني استعادتها المبادرة على الأرض بعد التدخل الروسي منذ أكثر من سنة، ومن جهة أخرى سيعزز تقدم القوات النظامية موقف بوتين التفاوضي مع الفريق الأمريكي الجديد برئاسة ترامب الذي بدأ فعليًا في التنسيق مع الجانب الروسي بشأن مستقبل الأزمة السورية.
فسيطرة النظام على حلب بالكامل سينقله لبسط سيطرته الكاملة على باقي المناطق وسيمكنه من إخراج المناطق المتبقية من دائرة الصراع، فبعد حلب سـتأتي دمشق وحمص وحماة واللاذقية وهي أكبر المدن السورية وأعتاها مقاومة للنظام.
نزوح جماعي من أحياء حلب الشرقية بعد تقدم النظام في هنانو
نُعيت أيضًا مطالبات الخارجيات العالمية بوقف فوري لإطلاق النار وآخرها وزير الخارجية البريطاني بوريس جونسون الذي طالب روسيا وإيران باستخدام نفوذهما على دمشق لتجنب “كارثة إنسانية”، والأمم المتحدة تحذر أن شرق حلب بات بلا طعام وإزاء هذا الوضع تشعر بالقلق الشديد ليس إلا!
ووزير الخارجية الفرنسي طلب اليوم الثلاثاء عقد اجتماع عاجل لمجلس الأمن لبحث الوضع في مدينة حلب السورية التي دمرها القتال ووصف الوزير أن ثمة حاجة ملحة ودعت لتطبيق وقف الأعمال العدائية والسماح بوصول المساعدات الإنسانية بدون قيود.
إلى ذلك فقد اختلف الناشطون السوريون بشأن مركزية الثورة ومصيرها في أحياء حلب الشرقية فيما إذا كانت الثورة ستطوى وتنتهي مع سيطرة النظام على تلك الأحياء أم أنها مستمرة ولكن بظروف مختلفة.
من ينظرون أن الثورة مستمرة ينظرون إلى حلب والصورة التي تحصل هناك كجزء من الصورة الكاملة الحاصلة في سوريا إذ إن أماكن المقاومة التابعة التابعة للمعارضة لا زالت موجودة لذا فإن خروج حلب من دائرة الصراع سينقل المقاومة إلى مستوى آخر.
يشير جورج صبرا أن حلب مدينة مهمة للثورة إلا أنها ليست آخر مكان فلا يزال هناك العديد من المناطق تحت سيطرة الجيش السوري الحر، وخسارة الجزء الشرقي من مدينة حلب تعني التوصل لاتفاق سلام مع نظام الأسد بات أكثر صعوبة إذا لم يصبح معدومًا.
أكبر كذبة: معركة #حلب فاصلة حاسمة ستقرر مصير سورية
لن ينتهي الصراع، ولن تتوقف المعركة إلا بتحرر الشعب السوري من الإستبداد وعودته حراً لبلده pic.twitter.com/jYihFQISqq
— Ahmad Kamel (@ahmadsaleem5) November 23, 2016
واعتبر أحمد كامل على حسابه الرسمي في تويتر أن اعتبار معركة حلب فاصلة وحاسمة وستقرر مصير سوريا يعد “أكبر كذبة”، فالصراع لن ينتهي والمعركة على حد زعمه لن تتوقف إلا بتحرر الشعب السوري من الاستبداد وعودته حرًا لبلده.
الثورة السورية حرب وجودية ليس أمامها خيار سوى الانتصار. والانتقال من حرب المدن إلى حرب الأرياف قد يكون هو الطور الذي تتجه إليه الآن#حلب
— محمد مختار الشنقيطي (@mshinqiti) November 28, 2016
ورأى الشنقيطي ما يحصل في حلب أن الثورة السورية هي حرب وجودية ليس أمامها خيار سوى الانتصار ويرى أن الطور الآخر لها في المرحلة المقبلة هو الانتقال من حرب المدن إلى حرب الأرياف.