بعد طول ترقب وانتظار، قرر مجلس شورى حركة أحرار الشام إحدى أكبر فصائل المعارضة السورية اختيار مرشح الفريق الإصلاحي المهندس علي العمر “أبو عمار التفتنازي” كقائد عام للحركة خلفًا للمهندس مهند المصري “أبو يحي الحموي” المنتهية ولايته.
علي العمر “أبو عمار التفتنازي”
دراما اختيار القائد الجديد لأحرار الشام لم تتوقف خلال الأيام الماضية، حيث كشفت تقارير إعلامية عن 3 أسماء بارزة مرشحة لخلافة أبي يحي الحموي، اسمان منها عرفا بعقيدتهما السلفية الجهادية هما على التوالي القائد السابق للحركة أبو جابر الشيخ، والمسؤول العسكري فيها أبو صالح الطحان، أما الاسم الثالث فكان مرشح الفريق الإصلاحي المهندس علي العمر “أبو عمار التفتنازي” المحسوب على “تيار الشباب” أو “التيار الثوري” المتهم من قبل أنصار التيار المحافظ بإقصاء القادة كبار السن، والسعي لتغيير الحركة بما يخالف أيديولوجيتها.
ووفق مراقبين فإن أبو عمار التفتنازي القائد الجديد لأحرار الشام، يعتبر من الشخصيات الإخوانية المحسوبة على تركيا، وهو ما يعني أن الدول الداعمة للحركة والمتحكمة في مسارها القتالي على الأرض، كانت وراء هذا الاختيار الذي تسبب في انشقاقات كبيرة في صفوف التيار المحافظ داخل مجلس الشورى.
ورغم أن المعلومات المتوفرة عن أبي عمر التفتنازي تبدو شحيحة مقارنة بسلفه الأسبق هاشم الشيخ “أبو جابر”، فمن المؤكد أن المسار العام الذي ارتأته “أحرار الشام” في التعامل مع الأزمة السورية لن يتغير كثيرًا بعد أن وضع القائد السابق “أبو يحيى الحموي” أسس تحول الحركة من “الجهادية الصلبة” إلى “الجهادية الناعمة”.
مهند المصري “أبو يحيى الحموي” القائد السابق لحركة أحرار الشام
وتصنف حركة أحرار الشام كواحدة من أكبر الفصائل الثورية المسلحة في سوريا، حيث تم إعلان ظهورها يوم 11 من نوفمبر 2011، ثم أعلنت في 31 من يناير 2014، اندماجها مع تشكيلات إسلامية ضمن الجبهة الإسلامية السورية وهي لواء التوحيد وحركات الفجر الإسلامية وكتائب الإيمان المقاتلة وجيش الإسلام وصقور الشام وغيرها.
ويعتبر اتجاه الحركة العام سلفيًا، ويميزها أن الكثير من قادتها شاركوا في القتال في العراق بعد الاحتلال الأمريكي عام 2003، قبل أن يعتقلهم النظام ويجمعهم في سجن صيدنايا، وبعد ذلك قام بإطلاق سراحهم مع انطلاق شرارة الثورة السورية عام 2011.
ويؤكد مراقبون أن الانفجار الذي وقع في أحد مقرات الحركة، وهو المقر السري والأهم للحركة ويسمى بالمقر “صفر”، يوم 9 من سبتمبر 2014، وأدى إلى مقتل قائد الحركة حسان عبود “أبو عبد الله الحموي” وشقيقيه مع أكثر من 45 قياديًا آخرين كانوا في اجتماع لمجلس شورى الحركة في بلدة رام حمدان بريف إدلب شمالي سوريا، كان الضربة التي قصمت ظهر “الأحرار” وأظهرت داخلهم عددًا كبيرًا من “الأشرار” المندسين في صفوفهم.
وبتصفية قيادات الرعيل الأول لأحرار الشام، والذين عرفوا بقربهم من “جبهة النصرة” (فتح الشام حاليًا) فكريًا وعمليًا، إضافة لمعاداتهم لتنظيم الدولة الإسلامية، سرعان ما تغيّر الأمر مع القيادة الجديدة التي لم تستطع سد النقص الذي خلفه مقتل نحو 50 قياديًا، وهو ما ساهم بشكل أو بآخر في تطويع الحركة ودخولها بيت الطاعة الخارجي.
ورغم أن حركة أحرار الشام الإسلامية، أبلت بلاءً حسنًا في حربها ضد النظام السوري خلال السنوات القليلة الماضية، فسرعان ما فقدت زخمها الثوري واختارت ترك قرارها السيادي في أيدي داعميها الأجانب، وهو ما ساهم في غضب كبير في صفوف أنصارها وبعض قيادييها المحسوبين على “التيار القاعدي” على غرار أبو جابر هاشم الشيخ القائد العام السابق وأبو محمد الصادق الشرعي العام السابق وأبو صالح طحان نائب قائد الحركة للشؤون العسكرية وقائد الجناح العسكري سابقًا وأبو خزيمة السبيني أمير قطاع الحدود والمسؤول عن معبر باب الهوى، وغيرهم من أعضاء مجلس الشورى الحالي الذين عرفوا بتبنيهم لـ”مشروع أمة” بدل “ثورة شعب” في تعاطيهم مع الحرب السورية.
مقاتلو أحرار الشام قبل المعركة
إن الخلاف داخل أحرار الشام لا تحركه المناصب بقدر “العقيدة”، فرغم أن البعض يريد إظهاره بمظهر الخلاف على المناصب، لكنه في الحقيقة أعمق من ذلك، وهو خلاف على النهج والسياسة، حيث إن الحركة منقسمة إلى تيارين يقود أحدهما الأخوان نحاس (كنان ولبيب)، وهذا التيار متّهم بالتمييع والإرجاء والسعي لإرضاء الدول الداعمة ودول الغرب بغض النظر عن المبادئ، ويقود التيار الثاني الأعضاء الذين أصدروا بيان تعليق عملهم في مجلس الشورى، وهو متهم بأنه يحمل فكر “القاعدة” وينتهج نهجًا متشددًا في السياسة والعسكرة، وفق تقرير لصحيفة “السفير” اللبنانية.
وفي السياق ذاته، تعتبر قضية مشاركة أحرار الشام ضمن عملية “درع الفرات” التي تقودها تركيا ضد تنظيم الدولة وحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي شمالي حلب، القضية التي شكلت ذروة الانقسام داخل الحركة، وأدت إلى استقالة بعض المسؤولين الشرعيين فيها، إضافة إلى ملف بلدتي كفريا والفوعة الشيعيتين، الذي زاد في إشعال نار الفتنة داخل الحركة، حيث تباينت الرؤى داخليًا بشأن احترام الهدنة مع النظام السوري أو اقتحام البلدتين.
من المؤكد أن القيادة الحالية لحركة أحرار الشام ستواصل خيارها في عدم التوحد مع الفصائل الأخرى وعلى رأسها “جبهة فتح الشام” بسبب الضغوط الإقليمية، وهو ما سيؤثر سلبًا على سير المعارك مستقبلاً في عدد من الجبهات المشتعلة في سوريا وعلى رأسها حلب التي يقترب النظام من إحكام قبضته على المناطق الخارجة عن سيطرته منذ سنوات، إلا أن ذلك لن يغير رأي الإدارة الأمريكية التي تنتظر الفرصة السانحة لإدراج الحركة على قائمة المنظمات الإرهابية.
في الأخير يمكننا القول إن مستقبل حركة أحرار الشام الإسلامية يبدو غامضًا بسبب المشاكل الداخلية التي تعيشها الحركة بالإضافة إلى عدم استقلالية قرارها وارتباطه مباشرة بالخارج، وهو ما يمكن أن يؤدي في نهاية المطاف إلى انشقاقات القيادات التي عرفت بتعاطفها مع “القاعدة” وتشكيلهم لفصيل مسلح جديد أو التحاقهم بجبهة “فتح الشام” للمّ شمل الجهاديين وإعادة رص الصفوف لمقاتلة النظام الذي سيبطش بالجميع ولن يرحم أحدًا إذا ما تواصل نزيف سقوط المناطق المحررة في قبضته.