مرر البرلمان العراقي قانون “هيئة الحشد الشعبي” المثير للجدل، وسط مقاطعة نواب تحالف القوى العراقية السني، الذي عدّ إقرار القانون “نسفًا للشراكة الوطنية”، وسط خلافات بين الكتل السياسية على فقرات في القانون، تتعلق بالتوازن وتوزيع النسب بين مكونات الشعب العراقي ومشاركة جميع المحافظات في الدفاع عن مدنهم وألا يقتصر على محافظة دون أخرى.
ووافق البرلمان العراقي على تشريع سيحول مليشيا الحشد الشعبي إلى فيلق مشروع منفصل في الجيش، وهذه القوات في أغلبها تحالف يضم مسلحين شيعة ارتكبوا جرائم حرب في المدن السنية.
وصوتت كل الكتل الشيعية في البرلمان لصالح القانون في جلسة قاطعها النواب السنة الذين يعارضون وجود قوات مسلحة خارج إطار الجيش والشرطة.
أعداد الحشد
لا يحدد القانون عدد المقاتلين الذين سيجندون رسميًا ضمن صفوف فيلق الحشد الشعبي ولا يحدد تقسيم أفراده من بين الطوائف المختلفة، وتقول قوات الحشد الشعبي إنها تضم حاليًا 110 آلاف مقاتل، وتقول الحكومة إن ما يتراوح بين 25 و30 ألفًا من الحشد الشعبي مقاتلون من عشائر سنية بينما أغلبية القوات من الشيعة.
ويكفل القانون للحشد الشعبي أن يكون تحت السلطة المباشرة لرئيس الوزراء وهو شيعي بموجب نظام الحكم العراقي القائم منذ الإطاحة بصدام حسين في 2003 وقسم المناصب العليا في الدولة بين الطوائف المختلفة في البلاد.
تأييد شيعي
رئيس الوزراء حيدر العبادي قال “نبارك للشعب العراقي ولأبطال الحشد الشعبي إقرار قانون الحشد، ونجدد التأكيد مرة أخرى على أهمية هذا القانون الذي أكدنا في أكثر من مناسبة أهمية إقراره، فهؤلاء المقاتلون الأبطال من شباب وكبار سن يجب الوفاء لتضحياتهم التي قدموها وهو أقل ما نقدمه لهم”.
أما وزير الخارجية ابراهيم الجعفري فرأى أن إقرار قانون الحشد انتصار للشعب وللقيم العسكرية.
المتحدث باسم الحشد الشعبي أحمد الأسدي قال: “قانون الحشد يشمل كل من التحق بالتشكيل في حزيران 2014، والعدد الفعلي للحشد هو 141 ألفًا و600 مقاتل، ونحن نشكر المرجعية الدينية العليا وكل من صوت على إقرار قانون الحشد الشعبي”.
انتقادات سنية
أما نائب رئيس الجمهورية ورئيس كتلة متحدون أسامة النجيفي فقال: “التلاعب بالقوانين من قبل كتلة نيابية تمتلك الأغلبية غير مقبول ولا يحق لها ذلك وأي قرار أحادي الجانب مرفوض”، مشيرًا إلى أن السياسية الجديدة للكتل مرفوضة ويجب إعادة النظر فيها.
وأضاف النجيفي: “نرفض أي مفاوضات بعد اليوم لما يسمى بـ”التسوية السياسية” ولن نناقشها على الإطلاق وليس من حق أحد تقرير مصير البلد بتشريع قانون دون الرجوع إلى مبدأ الشراكة”.
وعدّ ائتلاف “متحدون للإصلاح” بزعامة النجيفي، أن تصويت البرلمان العراقي على مشروع قانون الحشد الشعبي سيضر العملية السياسية، وقال إن بناء أي مؤسسات عسكرية جديدة خارج الجيش، ستكون لها تبعات، منها تشتت الإدارة السليمة، ما يضعف في النتيجة دور الجيش كمؤسسة تحظى باحترام وتقدير العراقيين جميعًا.
أما رئيس اتحاد القوى أحمد المساري فقال: “تشريع قانون هيئة الحشد الشعبي تجسيدًا لديكتاتورية الأغلبية”، في حين رأى رئيس ائتلاف العربية صالح المطلك أن تمرير قانون الحشد الشعبي أنهى حلم الدولة المدنية بالعراق.
النائب عن اتحاد القوى العراقية رعد الدهلكي اعترض قائلاً: “أنا لا افهم ما الحاجة لبديل عن الجيش أو القوات الأمنية، بصيغته الحالية (القانون) سيكون ما يشبه الحرس الثوري الإيراني”.
فيما أبدى الحزب الإسلامي العراقي (والذي يشارك الكثير من عناصره في الحشد العشائري)، استغرابه للحالة التي سادت جلسة البرلمان، وإقرار قانون الحشد الشعبي بالشكل الذي تم فيه، عادًا إياه مساهمًا بتصدع الوحدة الوطنية التي وجدت بحربنا ضد إرهاب داعش.
وقال الحزب في تصريح صحفي: إن حالة التفرد بإقرار القوانين، وتجاوز رؤية الشركاء فيها، أعاد العراق إلى المربع الأول الذي ظل التأزم طابعه والمؤثر في مسيرة أحداثه، مبينًا أن هناك جملة ملاحظات سجلتها الكتل السياسية بخصوص مسودة القانون تم إغفالها، مثلما أن الصورة الإقصائية في مضامينه كانت واضحة.
جرائم الحشد
اتهمت منظمة العفو الدولية الحشد الشعبي بقتل مئات المدنيين السنة “بإعدامات عشوائية”، وأضافت أن ممارساتهم تصل لمستوى جرائم الحرب، وأشارت المنظمة الدولية إلى أن حكومة حيدر العبادي التي تدعم وتسلح هذه المجموعات، تغذي دوامة جديدة وخطرة من انعدام القانون والفوضى الطائفية في البلاد.
وأشارت المنظمة كذلك إلى أن المليشيات الشيعة أقدمت خلال الأشهر الأخيرة على اختطاف وقتل مدنيين سنّة في بغداد ومناطق أخرى من البلاد، وما انفكت هذه المليشيات – التي غالبًا ما تقوم الحكومة العراقية بدعمها وتسليحها – تنشط وتعمل بمستويات متفاوتة من التعاون مع القوات الحكومية، عبر موافقة ضمنية من هذه الأخيرة، وتنفيذ عمليات منسقة، بل حتى مشتركة فيما بينها.
وبسبب الممارسات المذكورة، حملت منظمة العفو الدولية الحكومة العراقية المسؤولية إلى حد كبير، عما ترتكبه هذه المليشيات من انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، بما في ذلك جرائم الحرب.
الحشد العشائري السني
أما الحشد العشائري السني في العراق، فهو قوات عشائرية مكونة من بعض أبناء العشائر السنية في العراق، مسموح لها العمل ضمن قيود قاسية في بعض المناطق السنية، أما المناطق المختلطة بين العرب السنة والشيعة فغير مسموح للعشائر السنية أن تؤسس فيها أي قوات قتالية، والحشد العشائري يعاني من ضعف في التمويل والتسليح ومن مضايقات كبيرة لعناصره من قبل حكومة بغداد ومن المليشيات الشيعية، وقد أعلن رئيس الوزراء العراقي مرارًا وتكرارًا أن الحشد العشائري سيتم حله فيما بعد، وهناك بعض المؤشرات التي أثبتت بما لا يدع مجالاً للشك أن هناك خطط حكومية لإضعاف قوة الحشد العشائري، كما حدث في معارك الفلوجة وتكريت والرمادي والعلم، حيث تم الزج بهم في معارك خاسرة مع داعش وكانوا يعانون من ضعف الإمدادات ومن غياب الغطاء الجوي من القوات الحكومية، كما تم منع الرواتب عنهم في فترات مختلفة، وعندما حاول الحشد العشائري منع جرائم مليشيا الحشد الشيعي في المدن السنية لم يستطع ذلك إلا في بعض المناطق.
وأشار عضو لجنة الأمن والدفاع محمد الكربولي في بيان إلى أن لجنته تسلمت شكاوى من الاستقطاعات الشهرية لرواتب الحشد العشائري المتصدي لداعش في محافظات الأنبار وصلاح الدين وكركوك ونينوى، وأضاف أن رواتب الحشد العشائري في عامرية الفلوجة، الذي يصل تعداده 1850 مقاتلاً تناقصت إلى 1500 مقاتل ثم إلى 1300 مقاتل لهذا الشهر، وهو ما يضع علامات الاستفهام للمزاجية التي تتعامل بها هيئة الحشد الشعبي مع حشود المتطوعين من أبناء العشائر السنية المتصدية والمشاركة في عمليات التحرير ومسك الأرض.
موقف المرجعيات السنية
وقد أكّدت هيئة علماء المسلمين في العراق وهي أعلى مرجعية سنية أن ما يسمى قانون الحشد الشعبي الذي أقرّه مجلس النواب الحالي، قانون خطير من حيث المضمون والشكل وطريقة الإقرار، ويفتح بابًا جديدًا من أبواب الشر الكثيرة المشرعة على العراق وأهله والمنطقة.
وأوضحت الهيئة في بيانها أن هذا القانون لم يأت بجديد من حيث واقع ما يقوم به الحشد من استهداف للعراق والعراقيين بذريعة محاربة الإرهاب، وإيغاله في اتباع السياسات الطائفية الحاقدة وانتهاج الطرق الاستئصالية، وانتهاكاته لحقوق الإنسان الموثقة محليًا ودوليًا، مشيرة إلى أنه استنساخ فجّ لتجربة إيرانية سيئة الصيت، وامتداد لمنظومة الحرس الثوري وأداة حكومية مكملة لمهامها الطائفية العابرة للحدود.
سجّلت الهيئة في هذا الصدد نقاطًا ومخاطر سياسية وقانونية وعسكرية وإنسانية، جاء في مقدمتها أن الأسباب الموجبة لهذا القانون نصت على أنه شُرع “تكريمًا لكل من تطوّع من مختلف أبناء الشعب العراقي دفاعًا عن العراق وكل من يعادي العراق ونظامه الجديد والذين كان لهم الفضل في رد المؤامرات المختلفة…” مبينة أن هذا النص يدل على أن القانون قد سُنّ ليتعامل مع واقع الحشد كما هو الآن، وليس واقع الحاجة الوطنية كما زعم مقروه، لا سيما وأنه مجرد تكريم لميليشيات الحشد.
الحشد العشائري مجرد غطاء لتمرير القانون
واعتبرت الهيئة أن هذا القانون هو إنشاء تكوين رديف تطغى عليه الطائفية بشكل مطلق، ولا يسعفه أنه جعل من أسباب تشريعه ما وصفه بأنه “تكريم كل من ساهم في بذل دمه في الدفاع عن العراق من المتطوعين والحشد الشعبي والحشد العشائري”، مشيرة إلى أن واقع التجارب السابقة يثبت بلا شك أن كل المسميات الأخرى من خارج الحشد هي لمجرد إضفاء الصفة الوطنية عليه مثل: (الحشد العشائري) أو (الحشد الوطني)، ولن تكون لها علاقة بالمؤسسة الجديدة ولن تستطيع دخولها، وإن دخلتها ستكون مجرد غطاء لتمرير صفة غير حقيقية عن طبيعة الحشد الطائفية.
كما سلّط بيان الهيئة الضوء على ما جاء في نص القانون بشأن فك ارتباط منتسبي الحشد الشعبي من أطرهم السياسية والحزبية والاجتماعية، مؤكدًا أن هذا أمر لن يتحقق بسبب هيمنة الميليشيات الطائفية التابعة لأحزاب السلطة عليه، وليس متصورًا تحلل هذه القيادات فضلًا عن الأفراد من التزاماتها السياسية والحزبية، لا سيما أنه لم يتحقق سابقًا في المؤسسة العسكرية الرئيسة نفسها (الجيش)، التي ما زالت تعاني من أصل تأسيسها الميليشياوي.
وفي هذا السياق قالت هيئة علماء المسلمين إن التصويت على القانون أطاح بمبدأ التوافق السياسي الذي تعارفوا عليه في تشريع القوانين واتخاذ القرارات بين مكونات العملية السياسية، الذي طالما كان مدخلًا لتمرير قوانين مضرة وفقًا لمصالح سياسية خاصة ومكاسب حزبية ضيقة، واستشهد بيانها بما أكده من يسمون بـ “ممثلي المكون السني” بهذا الشأن، مبينًا أنهم مجرد لوازم تكميلية لتأطير الصورة ومنحها الشرعية، علاوة على إمكانية الاستغناء عنهم إذا ما اقتضت الحاجة.
وما خلص إليه بيان الهيئة أن الحشد أصبح بفضل هذا القانون تكوينًا عسكريًا عقائديًا يتمتع باستقلال تام عن القوات المسلحة، ويستفيد من كل إمكانات الدولة التسليحية وبقية أنواع الدعم المادي ليتحوّل إلى أداة ضاربة باسم القانون وبذريعة محاربة الإرهاب، وتسخير أغلب موارد البلد لهذا التكوين، وترك غالبية الشعب العراقي يعاني من الفقر والمرض وسوء الخدمات.
هذا، وتضمن البيان عشر نقاط تفصيلية توضح ما يحتويه هذا القانون من مثالب ومضار، وتأثيرات سلبية على الواقع العراقي من شأنها أن تمتد إلى مستقبل البلاد لتهدد أمنها واستقرارها، وتنطلق لتشمل المنطقة كلها.
إن دمج مليشيات الحشد الشيعية التابعة لإيران والتي يشرف عليها الجنرال سليماني في القوات العراقية يعني أن العراق أصبح كما أعلن عدد من قادة إيران تابعًا لإيران، وقد أكد من قبل علي يونسي مستشار الرئيس الإيراني حسن روحاني أن إيران اليوم أصبحت إمبراطورية كما كانت عبر التاريخ وعاصمتها بغداد حاليًا، وهي مركز حضارتنا وثقافتنا وهويتنا اليوم كما في الماضي، وذلك في إشارة إلى إعادة الإمبراطورية الفارسية الساسانية قبل الإسلام التي احتلت العراق وجعلت المدائن عاصمة لها.
ويعلم الساسة السنة في العراق جيدًا كارثية قانون دمج مليشيات الحشد في القوات المسلحة العراقية، ويعلمون أن الحشد العشائري السني لا يستطيع الدفاع عن سنة العراق دون دعم قوي من البلدان العربية والإسلامية المحيطة بالعراق، ويعلمون كذلك أن مليشيات الحشد الشيعي بقيادة قاسم سليماني في العراق أقوى بكثير تسليحًا وعتادًا وكمًا وكيفًا ونفوذًا وتغلغلاً في المناصب القيادية للدولة العراقية، وباستثناء قوات “حرس نينوي السنية” التي دربت بأيدي الجيش التركي والبيشمركة، فإن الحشد العشائري بحاجة إلى زيادة أعداده حتى يتمكن من الحفاظ على الأمن في المحافظات السنية، ومن السهل بخبرة القيادات العسكرية في الجيش العراقي السابق وخصوصًا خبرة ضباط ومنتسبي الحرس الجمهوري زمن النظام السابق، أن يتحول هذا الحشد العشائري إلى جيش نظامي يستطيع أن يقف حينها أمام نفوذ المليشيات الشيعية التي تحاول التمدد للمناطق السنية في “مرحلة ما بعد داعش” كما يجري اليوم في سامراء التي أصبحت نموذج للاحتلال الإيراني الاستيطاني للعراق.