سيزيف أو سيسيفوس (Sisyphus)كان ملكًا عُوقب في تارتاروس بأن لُعـِن بأن يدفع حجرًا لأعلى الجبل، فقط ليراه يتدحرج إلى الوادي، فيعود لدفعه أعلى الجبل تارة أخرى، ويظل يفعل ذلك إلى الأبد.
وكان سيسيفوس أحد أكثر الشخصيات مكرًا بحسب الميثولوجيا الإغريقية، حيث استطاع أن يخدع إله الموت (ثانتوس) وتكبيله، مما أغضب كبير الآلهة (زيوس)، فعاقبه بأن يحمل صخرة من أسفل الجبل إلى أعلاه، فإذا وصل القمة تدحرجت إلى الوادي، فيعود إلى رفعها إلى القمة، ويظل هكذا أبد الدهر.
والسيزيفية تعتبر كل مثال للنشاط غير الهادف والسعي المتخبط والفاشل والذي لا يصل إلى أي نتيجة.
وإذا تأملت أهداف ومبادئ ومشاريع انقلاب 23 من يوليو 1952 وانقلاب 3 من يوليو 2013، وما تبعهما من حكم عسكري فاشي، فلن تجد إلا السيزيفية المتجسدة في أعلى صورها!
مبادئ انقلاب العسكر في 23 من يوليو 1952 هو
- 1- إقامة حياة ديمقراطية سليمة
وحين نتأمل الحياة الديمقراطية السليمة بعد 23/7/1952، لم نجد إلا حل الأحزاب وحتى الهيئات الاجتماعية وكل أشكال المجتمع المدني، وبعد أزمة مارس 1954، كشرت الفاشية العسكرية القبيحة عن أنيابها الحادة، واعتقل محمد نجيب، وخبت كل الأصوات إلا الأصوات التي تسبح بحمد الحاكم وتقدس له، والمعارضون مكانهم المعتقلات أو القتل أو على الأقل الإقامة الجبرية حتى الموت مثل ما فعلوه مع الزعيم مصطفى النحاس.
وفترة الرئيس أنور السادات عبارة عن ديكور معارضة، وانتهت بتأسيس (الديمقراطية ذات الأنياب) والتي بمقتضاها اعتقل المعارضون في سجون السادات في الخميس 4 من سبتمبر 1981!
وفترة حسني مبارك عبارة عن تفتيت الأحزاب من الداخل وإخصائها وتحويلها إلى “مِلْك يمين” في يد الحاكم، ومنْ أراد أن يظهر في الصورة وينافس الرئيس في الانتخابات الرئاسية مثل أيمن نور، سُجن بتلفيق قضايا كيدية!
أما بعد انقلاب 3/7/2013، فمصير المعارضين هو قتلهم على أسرتهم أو من أعلى بيوتهم أو في أقسام الشرطة والسجون وسجنهم وتلفيق القضايا الوهمية لهم، وحتى وصلت الخسة إلى اغتصابهم، وأحيانًا القتل يكون لغير المعارضين على أتفه الأسباب بسبب تعريفة ركوب سيارة أجرة أو الاختلاف على ثمن كوب شاي!
فمبدأ “الحياة الديمقراطية السليمة”، لا يزيد عن حبر على ورق.
- 2- القضاء على الإقطاع
فعلاً تم القضاء على الإقطاع السابق لانقلاب 23 يولية 1952، ولكننا فوجئنا بإقطاع جديد يتمثل في طبقة كبار الضباط الذين استولوا على الغطاء الذهبي للجنيه وخزنوه في كروشهم وفي حسابات البنوك بالخارج، وبعد اتفاقية كامب ديفيد، طفق هؤلاء الضباط وغيرهم يعملون بالبزنس، واستولوا بليلٍ على مناجم الذهب والمعادن الثمينة، وامتلأت حساباتهم وحسابات أبنائهم بثروات البلد في بنوك سويسرا وأخواتها.
وظهرت طبقة أخرى من الإقطاعيين الجدد والذين توزع عليهم أراضي الدولة بتراب الفلوس ثم يقيمون “بتسقيعها”، وبعد سنوات، يبيعونها بأعلى الأسعار وتمتلئ جيوبهم وكروشهم بثروات باهظة، والتي لم يقوموا بأي جهد لجنيها.
- 3- إقامة عدالة اجتماعية
هذا المبدأ من مبادئ انقلاب 23 يوليو 1952، لا يزيد “سيزيفية” أو الفشل التام، فما وُزع على الشعب المصري من كل ثروات البلد هو لا شيء سوى الفقر المدقع، حتى وصلت نسبة الفقراء في شعبنا إلى أكثر من 90%، والبطالة في أعلى صورها.
- 4- القضاء على الاستعمار
وهذه لا تزيد عن كذبة، فكل الانقلابين يحكمون البلاد التي انقلبوا فيها طبقًا لما تمليه عليهم الدول الكبرى التي كانت وراء الانقلاب، وهذه الدول الكبرى لا تريد بنا إلا كل سوء وشر وتبعية وتخلف في كل المجالات.
- 5- إقامة جيش وطني قوي
في حرب 1956، لم يضرب جيشنا طلقة واحدة على الدول المعتدية الثلاثة، واحتل العدو الصهيوني سيناء كلها في سويعات معدودة، وظن هذا العدو أن فراغ سيناء من الجيش هو فخ، واتضح بعد قليل أنه انسحاب للجيش المصري للضفة الغربية من القناة.
وظهر جيشنا الوطني القوي في حرب يونية 1967، وهو ينسحب بظهره بطريقة غير مسبوقة في كل دول العالم كله قديمًا وحديثًا.
وحتى حرب أكتوبر 1973 لم ينتصر جيشنا إلا في بداية المعركة، وكاد النصر يتحول إلى هزيمة بسبب الثغرة وتوغل العدو إلى مشارف القاهرة عند الكيلو 103.
والآن الجيش الوطني القوي يحصل الرسوم “الكارتة” بين المدن، ويشيد مصانع المكرونة، ويتاجر بكل شيء من السلع والأدوية ومحاليل المستشفيات وحتى لبن الأطفال!
شعارات انقلابي يوليو 1952 و2013
- 1- شعار “رمي إسرائيل في البحر”
هو شعار رنان، ولقد هُزمنا 5/ صفر في حرب 5/6/1967!
- 2- شعار “ارفع رأسك يا أخي فقد مضى عهد الاستعباد”
المقصود منه “قطع هذا الرأس” الذي يريد أن يرتفع إلى الأعلى، فقد انتهت عبودية الاستعمار ليحل محلها عبودية الطبقة العسكرية الجديدة (السادة الجدد).
- 3- شعار “القضاء على الإرهاب”
زاد الإرهاب في سيناء واستفحل بالرغم من هدم بيوت أهلنا في سيناء وتهجيرهم، والانقلابات تتغذى على وجود عدو مثل الإرهاب وغيره!
- 4- شعار “الشعب المصري لم يجد منْ يحنو عليه”
العكس تمامًا هو ما طبقه (الحاكم بأمره)، حيث قام بذبح الشعب وسحله واغتصبه واعتقله حتى وصل عدد المعتقلين إلى أكثر من سبعين ألف من خيرة شباب ونساء ورجال مصر، وزاد من تشييد السجون والمعتقلات، ولم يكتفْ بذلك، بل جعل الشعب (يدور حول نفسه) من البحث عن لبن الأطفال والسكر والزيت والخبز وبطاقة التموين ولقمة العيش و…، وداخ الشعب من ارتفاع الأسعار، وحتى وصلت الحالة البائسة إلى أن بعض الفقراء يأكلون من القمامة!
ولم يكتف الحاكم بأمره بذلك، بل سحق الديمقراطية الوليدة بعد ثورة يناير 2011 المجيدة، واعتقل أول رئيس منتخب ودمر العملة الوطنية ورهن قناة السويس،وفرط في الجزر والأراضي وحقول الغاز الطبيعي والثروات للدول الأخرى ويقوم بطرد الموظفين من وظائفهم بقانون الخدمة المدنية الجديد الذي أقره مجلس “الأراجوزات” أو الشعب سابقًا، ويحاكم المدنيين أمام المحاكم العسكرية، وكأنه قد أتى لتدمير مصرنا المكلومة بحكمه وحكم العسكر الفاشلين!
ففعلاً، الشعب المصري وجد أخيرًا منْ يحنو عليه!
مشاريع الحكم الانقلابي العسكري
ومشاريع انقلاب يوليو في صورتيه 1952 و2013، لا تزيد عن “سيزيفية” ناتجة عن سيزيفية أخرى، أو فشل ناتج عن فشل آخر.
وهذه بعض الأمثلة
- تشييد صواريخ القاهر والظافر
عبارة عن وهم أو فنكوش كبير.
- تشييد المصانع الحربية:
تحولت مع الوقت إلى مصانع سلع ترفيهية ومواد غذائية.
- بناء السد العالي
هذا البناء يحتاج لجيش قوي يحميه، ويحمي بحيرة الماء التي أمامه، ويحمي حصة الماء التي تأتي مع نهر النيل، والجيش الوطني القوي يجعل دول المنبع تفكر ألف مرة قبل أن تعتدي على حصة الدول الأخرى، وعكس هذا هو حاصل الآن من إثيوبيا وغيرها.
- مشروع توشكى
“فنكوش” كبير!
- جهاز عبد العاطي المحارب للفيروسات
ظهر مع وقت قصير أنه لا يزيد عن جهاز “كفتة”، وجعلنا أضحوكة للعالم كله!
- إقامة المؤتمرات الاقتصادية المتعددة
لا تزيد عن صخب عارم، والعملة الوطنية مع الوقت تدهورت تدهورًا مروعًا بالرغم من تلك المؤتمرات الاقتصادية، فهذه المؤتمرات عبارة عن “فناكيش” أو أوهام كبيرة.
- توسعة قناة السويس
جرفت الاحتياطي النقدي الأجنبي، وأفقرت البلد والشعب، ولم يزد عدد السفن المارة بالقناة، ووصلت السيزيفية الفاشلة إلى رهن إيراد القناة لسنوات قادمة، ودُفنت المليارات التي أُنفقت في التوسعة في الرمال!
- قرض صندوق النقد الدولي:
هذا القرض الهدف منه دفع المستحقات المالية لشركات البترول والغاز الأجنبية وبعض الديون المستحقة، ولن يستطيع علاج الأزمات الاقتصادية المستفحلة، وسيجعل مصر محتلة اقتصاديًا للخارج (هي ناقصة).
- العاصمة الجديدة
عبارة عن صخب عارم، ولا داعٍ لها أصلاً مع الأزمة الاقتصادية المستفحلة.
- زراعة مليون ونصف فدان
من أين الماء لزراعتها وقد أوشكت بحيرة أسوان على الجفاف بعد بناء سد النهضة، وأراضي الدلتا لا تصل إليها الماء في كثير من الأجزاء، حتى المحاصيل التي تحتاج للماء الغزير مثل الأرز، قلت زراعتها!
إن سيسيفوس تحولت حياته إلى جهد فاشل، ويخرج من فشل إلى فشل وهو يحاول أن يرفع الحجر الكبير إلى أعلى الجبل ويفشل في كل مرة، وهذا الفشل هو ما رأيناه تمامًا في كل دول العالم المبتلية بالانقلابات العسكرية مثل تركيا (في حقبة العسكر) وتشيلي والأرجنتين والمكسيك وسوريا ومصرنا المكلومة وأغلب دول إفريقيا.
إن وظيفة كل “سيسيفوس عسكري”، هي تحويل الدول إلى شبه دول “فاشلة بجدارة”.
إن الحرية ثمنها غالٍ ونفيس.