تتجه الأوضاع في موريتانيا إلى مزيد من التأزم بين النظام الحاكم والمعارضة، بعد تجديد الأخيرة، أمس الثلاثاء، رفضها لتعديل الدستور الذي ينوي النظام إجراءه مطلع العام المقبل، وقالت المعارضة إن تعديل الدستور لا يمكن أن يتم إلا في ظرف سياسي طبيعي.
أجواء “الاحتقان السياسي” ليست مناسبة لإجراء أي استفتاء دستوري
أعلنت الأحزاب المنضوية في المنتدى الوطني للديمقراطية والوحدة وحزب تكتل القوى الديمقراطية المعارض مقاطعة الاستفتاء الدستوري الذي صادق مجلس الوزراء مؤخرًا على تنظيمه، وذلك عقب حوار سياسي نظم في البلاد وقاطعته قوى المعارضة الرئيسية، ويضم المنتدى الوطني للديمقراطية والوحدة نحو عشرة أحزاب معارضة قاطعت جلسات الحوار التي دعا إليها النظام خلال أكتوبر الماضي.
وطالبت هذه الاحزاب، بالتصدي لمحاولة فرض النظام الموريتاني الاستفتاء على دستور البلاد، واعتبرت أحزاب المعارضة في مؤتمر صحفي مشترك عقد أمس بالعاصمة نواكشوط، أن أجواء “الاحتقان السياسي” الراهنة بالبلاد، ليست مناسبة لإجراء أي استفتاء دستوري، وقال رئيس المنتدى الدوري الشيخ سيد أحمد ولد باب أمين إن الاستفتاء على تعديل الدستور في ظل اختلاف الطيف السياسي في البلد، غير وارد وله انعكاسات سلبية على البلد.
حمّل رئيس حزب التكتل المعارض أحمد ولد داداه، نظام الرئيس الحالي محمد ولد عبد العزيز المسؤولية عن الوضع السياسي المتوتر في البلاد
ودعا المجتمعون، جميع القوى الوطنية الموريتانية من أحزاب سياسية ومنظمات مدنية وتجمعات ومبادرات شبابية لتنسيق الجهود وتصعيد النضال من أجل الوقوف في وجه ما سمّته الأحزاب “مناورات الجنرال محمد ولد عبد العزيز وإفشال مخططاته، الرامية إلى إثارة الفتنة، والعبث بالدستور”، وحمّل رئيس حزب التكتل المعارض أحمد ولد داداه، نظام الرئيس الحالي محمد ولد عبد العزيز المسؤولية عن الوضع السياسي المتوتر في البلاد.
ووضع منتدى المعارضة خطة عمل لإفشال الاستفتاء سربها لوسائل الإعلام المحلية، حيث تضمنت حراكًا سياسيًا وإعلاميًا وحتى دبلوماسيًا وتنظيم مسيرات ومظاهرات لإسقاط الاستفتاء قبل انطلاقه، على غرار الحشد الذي جمعته في العاصمة نواكشوط في 29 من أكتوبر الماضي.
أهم التعديلات التي أقرها الحوار
تقول المعارضة الموريتانية إن التعديلات التي تم إقرارها لم تكن ضرورية وليست محل إجماع من قبل مكونات الطيف السياسي لذا فهي مرفوضة، وقاطعت جلسات الحوار بعد أن رفض النظام الرد بشكل مكتوب على وثيقة تضمنت شروطها للمشاركة في الحوار.
وشهدت موريتانيا الشهر المنقضي تنظيم حوار وطني شارك فيه حوالي 600 شخص، ممثلين عن عدد من الأحزاب السياسية والمنظمات النقابية وبعض هيئات المجتمع المدني، فيما قاطعه منتدى المعارضة الذي يضم 14 حزبًا سياسيًا وهيئات نقابية ومنظمات مجتمع مدني، بالإضافة إلى حزب تكتل القوى الديمقراطية الذي يقوده زعيم المعارضة السابق أحمد ولد داداه، وانسحب منه في منتصف الطريق، التحالف الشعبي بقيادة مسعود ولد بلخير.
التعديلات الدستورية المقترحة ليست مخرجات حوار وطني حقيقي لأنها تقتصر على الاقتراحات التي أعلن عنها الرئيس محمد ولد عبد العزيز
وأفرز الحوار عدة مقترحات لتعديل الدستور منها إلغاء مجلس الشيوخ واستبداله بمجالس محلية (مجالس جهوية منتخبة)، بالإضافة إلى الاتفاق على تنظيم انتخابات برلمانية وبلدية مبكرة وتغيير علم البلاد ونشيده وإجراء استفتاء دستوري بشأن تعديلات دستورية قبل نهاية العام الجاري.
ويصف قادة المعارضة الموريتانية مخرجات الحوار بأنها هزيلة، وتتجاهل مطالب الشعب الذي يعاني من الغلاء وسوء الأوضاع الاقتصادية، وأكد قادة المنتدى والتكتل في بيان مشترك أن التعديلات الدستورية المقترحة ليست مخرجات حوار وطني حقيقي لأنها تقتصر على الاقتراحات التي أعلن عنها الرئيس محمد ولد عبد العزيز في مدينة النعمة شرق البلاد، وتلك التي أضافها حزبه في أثناء حوار أحادي، أصر النظام على إجرائه “بمن حضر” في أجواء كرنفالية لا تمتُّ بأي صلة للنقاش السياسي البنّاء.
إصرار الرئيس على تمرير التعديلات
في مقابل ذلك، يصر نظام عبد العزيز على تنظيم الاستفتاء مطلع السنة المقبلة، لإقرار التعديلات الدستورية التي تمخض عنها الحوار الأخير.
واختار الرئيس محمد ولد عبد العزيز القيام بجولات داخلية تعبوية لإسناد أجندته السياسية للمرحلة المقبلة، فيما وافقت لجنة متابعة نتائج الحوار على مسودة الدستور المعدل التي أحيلت للمجلس الدستوري لإقرارها، وبدأت وزارة الداخلية الموريتانية استعداداتها للتنظيم الإداري والمادي للاستفتاء، إلا أن القيام بأي استفتاء شعبي يتطلب موافقة البرلمان أولاً، وتنص المادة 99 (جديدة) من الدستور الموريتاني “على امتلاك كل من رئيس الجمهورية وأعضاء البرلمان مبادرة مراجعة الدستور”، وتؤكد المادة نفسها أنه “لا يصادق على مشروع مراجعة إلا إذا صوت عليه ثلثا أعضاء الجمعية الوطنية وثلثا أعضاء مجلس الشيوخ ليتسنى تقديمه للاستفتاء”.
نظمت انتخابات بموجب اتفاق داكار في تموز/ يوليو 2009 أسفرت عن نجاح محمد ولد عبد العزيز لكن المعارضة شككت في نتائجها
وكان الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز قد وصل إلى الحكم عبر انقلاب عسكري نفذه عام 2008 وأطاح فيه بالرئيس المدني المنتخب سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله ودخلت موريتانيا إثر ذلك أزمة سياسية بين المجلس العسكري الأعلى والجبهة الوطنية للدفاع عن الديموقراطية استمرت إلى أن تمكنت وساطات دولية من التوصل لاتفاق وقع في داكار في حزيران/ يونيو 2009.
ونظمت انتخابات بموجب اتفاق داكار في تموز/ يوليو 2009 أسفرت عن نجاح محمد ولد عبد العزيز لكن المعارضة شككت في نتائجها، وأعيد انتخابه رئيسًا للبلاد عام 2014 في انتخابات رئاسية قاطعتها المعارضة وجرت في أجواء غير مسبوقة من الاحتقان السياسي بين النظام والمعارضة.