يعمل العلماء على الاستفادة من التقدم التكنولوجي في ابتكار بدائل غذائية تنقذ البشر على المدى البعيد من الموت جوعًا، في ظل ما يشهده المناخ تحولات المناخ، بالإضافة إلى تراجع نسبة الأراضي الصالحة للزراعة ونقص الموائد المائية التي تهدد بحصول جفاف، وتحتاج إلى إيجاد أغذية دائمة لا تنفد ولا تعول على الوسائل التقليدية بل على مواد تقنية.
وتفيد التقارير والأبحاث العلمية أن هناك نقص واضح في الأراضي القابلة للزراعة والمياه العذبة، وهذا يرجع بشكل أساسي إلى المنهجية غير العلمية في نظم الإنتاج الغذائي، فيكفي أن نعلم أنه لإنتاج رطل واحد من لحم البقر نحتاج لإهدار ما يقارب 1799 غالون من المياه.
ولكن بفضل التقدم التقني أصبح هنالك تطور واضح لإنتاج المنتجات الغذائية التي قد تكون بدائل لذيذة ومغذية عن الأطعمة التقليدية، وهي صديقة للبيئة بشكل تام.
وعلى الرغم من المخاوف من أن الأغذية المعدلة وراثيًا Genetically modified food خطيرة على الصحة العامة، فإن آخر الأبحاث والدراسات التي تم إجراؤها وجدت أن 88% من هذه الأغذية صحية وقابلة للاستخدام بشكل آمن.
وهنالك تطور مثير أيضًا في إنتاج الأغذية الزراعية في الأماكن المغلقة، بسبب التقدم في مجال الطاقة الشمسية وأجهزة الاستشعار والإضاءة والروبوتات والذكاء الاصطناعي، وأصبحت المزارع المغلقة بدائل قابلة للتطبيق بديلًا عن المزارع التقليدية في الهواء الطلق.
وبالمقارنة مع المزارع التقليدية، أصبحت المزارع الآلية المغلقة تستخدم مياه وأراضي أقل بعشرة مرات من المزارع التقليدية، ويتم حصاد المحاصيل الزراعية عدة مرات في السنة دون الاعتماد على الطقس ودون الحاجة لاستخدام المبيدات الضارة.
بحر المعكرونة
وليم سوديرلاند مع طبق من معكرونة أعشاب البحر
لتلافي انتشار المجاعة بالعالم يحاول الخبراء مستعينين بالتكنولوجيا، خلق أنواع جديدة من المأكولات، ووفقًا لما ورد بصحيفة “فاينانشال تايمز“، فإن استبدال المعكرونة بالأعشاب البحرية يمثل جزءًا من الحل.
وأشارت الصحيفة إلى أن الأعشاب البحرية صحية للغاية ومُغذّية وهي الغذاء الأكثر استدامة على هذا الكوكب، فالمرء لا يحتاج إلى أرض لزراعتها، فقط أشعة الشمس ومياه البحر.
وأوضحت أن مشروع “أنا بحر المعكرونة” هو عبارة عن أعشاب بحرية اسمها “هيمانثاليا إلونجاتا” أي الفطريات البنيّة، يتمّ حصدها قبالة سواحل أيرلندا على المحيط الأطلسي وتُباع في محال الأغذية الصحية ومحال السوبر ماركت في أوروبا وأستراليا، ويُمكن تحضيرها بطريقة مماثلة للمعكرونة، أو نقعها واستخدامها في السَّلطات.
وتعدّ الشركة صاحبة هذا المشروع واحدة من عشرات الشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا الزراعية التي تحاول الحصول على تمويل في قمة “رابوبانك فارم تو فورك” في سيدني خلال شهر نوفمبر الجاري.
وتسعى الشركة جاهدة للحصول على الدعم من أجل تنفيذ مجموعة من الأفكار التي يتنافس على إنجازها عدد من الشركات الأخرى ومن بينها الأعلاف الحيوانية المُستدامة التي يتم إنتاجها من يرقات الذباب التي تتغذى على فضلات الطعام، والمنصات الخاصة بالحصول على عمال مزارع ماهرين، والطائرات دون طيار التي تساعد في حصاد العنب.
ويمكن اعتبار أن قطاع الزراعة في الوقت الراهن يستجيب لتحدّ فريد من نوعه، فمنظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة “فاو” تتوقع أن تكون هناك حاجة إلى زيادة الإمدادات الغذائية بنسبة 60% لتلبية الطلب العالمي بحلول عام 2050.
الطعام والتكنولوجيا
وتعود توقعات المنظمة إلى ما تشهده الطبقة المتوسطة سريعة النمو في آسيا من تزايد الطلب على الأغذية الغنية بالبروتين في الوقت الذي يُهدد فيه تغير المناخ بالحد من المحاصيل الزراعية، وهذا ما يؤدي إلى طفرة في قطاع التكنولوجيا الزراعية التي تمتد إلى قطاعات الزراعة والطعام والتكنولوجيا.
وقال أحد مسؤولي قسم الابتكارات الخاصة بالشركات الناشئة في “رابوبانك نورث أميركا”: “على مدى الأعوام الخمس الماضية، الكثير من الأشياء اجتمعت لجعل التكنولوجيا الزراعية أكثر إثارة للاهتمام بالنسبة للمستثمرين”، وتابع “يريد المستهلكون غذاءً أكثر استدامة يكون جيدًا لهم، ولدينا أشخاص أكثر لإطعامهم في الوقت الذي يحدث فيه تغير بالمناخ، هذا يجعل التكنولوجيات الغذائية أكثر أهمية، فالقضاء على فضلات الطعام هو واحد من المجالات ذات الأولوية بالنسبة إلى رابوبانك”.
وتهدف جوتيرا، وهي شركة أسترالية ناشئة، إلى الاستفادة من نموّ جبل فضلات الطعام من خلال نشر جيش من يرقات الذباب، التي يُمكن إعادة تدويرها باعتبارها مصدر من البروتين لتغذية الحيوانات.
وأوضحت مسؤولة بشركة جوتيرا “نحن نُربّي الذباب الأسود في أقفاص، ونجمع بيضه ونزرعه في وعاء مع ما يكفي من فضلات الطعام للاستهلاك، يتطلب الأمر 12 يومًا لتغذية اليرقات التي يُمكن بعد ذلك إطعامها للدجاج وغيره من الحيوانات”.
وأضافت “نموذج الأعمال في جوتيرا مُستدام لأنه يوفّر نوعية جيدة في طريقة التخلّص من الفضلات وخدمة إعادة التدوير للمجتمعات وعلف الماشية المُستدام المُغذّي”.
وقال صاحب مشروع “أنا بحر المعكرونة”: “كثير من الحلول للأمن الغذائي العالمي معروفة بالفعل، لكن التحدّي يكمن في تسويقها بشكل صحيح لتغيير تفضيلات المستهلكين”، وأضاف: “الأعشاب البحرية تشكل منذ فترة صناعة كبيرة في آسيا وعرف الناس منذ فترة طويلة أنها مصدر غذاء رائع، ففي أيرلندا، يأكلون الدلسي الذي طعمه يشبه لحم البقر القاسي عند تجفيفه، طموحي هو تقديم ما يصل إلى مليار حصة من الأعشاب البحرية للمستهلكين بحلول عام 2030”.
وأمام بدء نفاد الأراضي القابلة للزراعة والمياه العذبة، بسبب نظم الإنتاج الغذائي غير الفعال، يحتاج إنتاج رطل واحد من لحم البقر إلى 1799 جالون ماء، يتم تطوير عدد من التقنيات الجديدة الآن لتحسين النظام الغذائي.
وانطلق خبراء التكنولوجيا في ابتكار أطعمة جديدة لذيذة ومغذّية وصديقة للبيئة كبديل للأغذية التقليدية، وقامت إحدى الشركات الناشئة بتصنيع منتجات لحوم تشبه في مذاقها طعم اللحم الحقيقي لكنّها مصنوعة من النباتات.
كما حدث تطور آخر في مجال الزراعة يتمثل في إنتاج الأغذية الزراعية في الأماكن المغلقة بفضل التقدم في مجال الطاقة الشمسية وأجهزة الاستشعار والإضاءة والروبوتات والذكاء الاصطناعي.
ويجري تطبيق التكنولوجيات الزراعية بصورة متصاعدة في مجالات المحاصيل والثروة الحيوانية والغابات ومصايد الأسماك وتربية الأحياء المائية والصناعات الزراعية، وذلك بغية الحدّ من آثار الجوع والفقر والمساعدة في التكيف مع تغير المناخ والحفاظ على قاعدة الموارد الطبيعية.
“أم فارمز”
الزراعة في إفريقيا
اقتحمت التكنولوجيا الحديثة عالم الزراعة في إفريقيا عام 2014، من خلال منصة خاصة تدعى “أم فارمز” عبر هواتف المزارعين المحمولة تعمل على زيادة أرباح محاصيلهم الزراعية.
وتعمل المنصة في 17 بلدًا إفريقيًا وهدفها ربط المزارعين مع شبكة من التجار والمستهلكين المحتملين، وقد حققت انتشارًا كبيرًا بينهم.
ويقول أحد المزارعين: “لقد ارتفع مستوى الدخل بفضل هذه المنصة وبإمكاننا من خلال الأموال الإضافية دفع الرسوم المدرسية لأطفالنا والاهتمام بصحتنا واحتياجات الأسرة على اختلافها”.
كما تسهم منصة أم فارمز في إعلام المزارعين بأحدث التقنيات لزيادة محاصيلهم فضلاً عن إطلاعهم على المستودعات الجاهزة لاستقبال المحاصيل وتصريفها في الأسواق.
وأصبح المزارعون قادرون على التخطيط بشكل أفضل ومعرفة احتياجاتهم والتكلفة التي تنطوي عليها، وقدمت هذه المنصة لهم أفضل التقنيات الزراعية من حيث البذور والأسمدة وغيرها.
ومن خلال فيلم لا يخلو من المرح ويبدو كلعبة فيديو يتعلم المزارعون كيفية استخدام التقنيات الزراعية الحديثة وطرق الري ومواجهة التغيرات المناخية.
وقد حققت منصة الواقع الافتراضي نجاحًا كبيرًا بحيث جرى توسيعها لتشمل أكثر من 400 من مزارعي قصب السكر في كوينزلاند.
الشوكة الذكية
صورة للشوكة الذكية
ولم يتوقف العلماء في البحث عن بدائل الطعام فقط فقد امتد بحثهم وتطورهم من أجل خدمة الإنسان إلى وجود بديل لملح الطعام، فقال علماء في جامعة طوكيو اليابانية إنهم تمكنوا من تطوير شوكة ذكية تقوم بتحفيز حاسة تذوق الملح عن طريق صعقات كهربائية خفيفة لـ”براعم” التذوق في اللسان.
وقال باحثون من مختبر “ريكيموتو” في جامعة طوكيو في أبريل 2016، إن المرضى الذين يعانون من أمراض الضغط يمكنهم الاستفادة من هذا التصميم الجديد دون اللجوء إلى إضافة ملح الطعام إلى مائدتهم وتجنب المخاطر الصحية للملح.
وأكد كبير الباحثين في الفريق العلمي، أن عملية تحفيز المادة الملحية يمكن أن يستفيد منها مرضى السرطان خلال خضوعهم للعلاج الكيماوي.
وأضاف أن الأشخاص الذين يعانون من مرض السكري قد يكونوا قادرين على استخدام الشوكة كمحاكاة لحاسة الذوق بتذوق الطعم الحلو دون رفع مستوى السكر في الدم، ويتم التحكم بالتيارات الكهربائية الصادرة من الشوكة من خلال زر يقع إلى جانب الشوكة.
وسيبلغ ثمن الشوكة الذكية التي يمكن شحنها لتعمل 6 ساعات نحو 15 دولارًا أمريكيًا خلال طرحها في الأسواق.
ما هو “سويلنت”؟
بدائل الغذاء لم تقتصر فقط على حل مشكلة العالم لتفادي أزمة المجاعة، فالباحثون عن الرشاقة وخفض الوزن يسعون وراء أسرع الحيل والوسائل للوصول إلى حلمهم ويساعدهم على ذلك ابتكارات العلماء التي تعمل الآن على تطوير بديل غذائي يحل مكان وجبات الطعام، ويؤدي إلى إنقاص الوزن وبسعر 10 دولارات يوميًا.
فقد انتشر الحديث مؤخرًا عن “بديل غذائي” مبتكر حديثًا، وهو عبارة عن مزيج مسحوق مجفف باسم “سويلنت،” ويعتبر من بين أفضل الحلول للحصول على وزن صحي.
وكانت دراسة حديثة تابعة لجامعة “سكرانتون” الأمريكية ونشرت في مجلة علم النفس السريري خلال عام 2014، كشفت عن اتخاذ أكثر من ثلث الأمريكيين، قرارات حازمة عن تغيير نمط حياتهم، ولكن لم يتمكن هؤلاء من الاستمرار في برامج التغيير، ما اضطرهم إلى التوقف بعد مرور أقل من شهر واحد.
ويعتبر خفض الوزن بمثابة أهم القرارات التي يسعى إليها الكثير من الأشخاص، وفي الولايات المتحدة الأمريكية، تعاني نسبة 69% من الأمريكيين من مشكلة الوزن الزائد، فيما تعاني نسبة 35% من السمنة المفرطة.
ويعتبر مركّب مسحوق “سويلنت” المجفف بمثابة بديل لوجبات الغذاء اليومية، ويمكن تحضيره بسرعة، فضلًا عن توفير نسبة 100%، من العناصر الغذائية التي يحتاج إليها الشخص يوميًا.
وطورّ المهندس روب رينهارت، في ولاية أتلانتا الأمريكية، مسحوق “سويلنت” بمثابة بديل للغذاء، وقال رينهارت إنّ “إعداد الطعام يعتبر أمرًا مزعجًا في غالبية الأوقات،” موضحًا أن “تحضير وجبة طعام من مسحوق السويلنت لا يتطلب أكثر من ثوان قليلة.”
ويتميز “سويلنت” بانخفاض سعره، إذ تبلغ كلفته 10 دولارات فقط يوميًا، ويوفر الجهد في الإعداد والتنظيف، ما يساهم في حماية البيئة.
وأوَضح رينهارت، أنّ الهدف من ابتكار “سويلنت” يتمثل بايجاد غذاء بديل، وليس بهدف مساعدة الأشخاص في أتباع حمية غذائية، والمحافظة على وزن صحي.
ورأى بعض الأشخاص أنّ مسحوق “سويلنت” يمثل مصدرًا غذائيًا للبقاء على قيد الحياة خلال الأزمات والكوارث، وفترات المجاعة.