وصل عبده ربه منصور هادي الرئيس اليمني المدعوم دوليًا يوم السبت 26 من نوفمبر 2016 إلى محافظة عدن التي أعلنها عاصمة مؤقتة لحكمه بعد فراره من العاصمة الرئيسية للبلاد (صنعاء)، عقب اجتياحها من قِبل الحوثيين وعطلوا العمل بالدستور، وحلوا المؤسسات الشرعية في البلاد وأخضعوا حينها الرئيس هادي ورئيس حكومته خالد بحاح تحت الإقامة الجبرية.
وهذه هي المرة الثالثة التي يعود فيها الرئيس اليمني إلى مدينة عدن بعد مغادرته البلاد نهاية مارس/ آذار 2015، عقب إفلاته من قبضة الجماعة المسلحة في صنعاء.
ومع هذه العودة أثير السؤال الكبير عن مغزى قرار هادي بالوجود في عدن على الرغم من أن الظروف الأمنية فيها لا تزال ضبابية، لا سيما مع انتشار الجهاديين بشكل كثيف في معظم أحيائها وأهم مراكزها، وجزء منها تحت قبضة عناصر انفصالية موالية لإيران، وهي أيضًا محرمة على كل يمني ينتمي إلى المحافظات الشمالية.
وصول هادي إلى عدن قادمًا من الرياض التي يقيم فيها منذ اندلاع الحرب على اليمن في 26 من مارس 2015 التي تزامنت مع عودة المبعوث الأممي إسماعيل ولد الشيخ أحمد إلى المنطقة لمحاولة تقريب وجهات النظر بين الأطراف، وإقناع الحكومة المعترف بها دوليًا للقبول بالخارطة الأممية الجديدة التي تدعمها الولايات المتحدة الأمريكية، له تفسيرات عدة سنحاول قراءتها في التالي.
حلول عسكرية
قبل أسبوع واحد فقط من وصول هادي إلى عدن كان مليئًا بالأحداث السياسية والعسكرية والميدانية للمقاومة الشعبية وجهود المجتمع الدولي للضغط على الحكومة المدعومة دوليًا من أجل القبول بالمبادرة الأممية الجديدة بعد قبولها من قبل طرفي صنعاء وأعلنوا استعدادهم لمناقشته وأنها أرضية مناسبة للنقاش من أجل الوصول إلى تسوية سياسية، وأيضًا أعلن التحالف العربي الذي تقوده المملكة العربية السعودية عن هدنة لمدة 48 ساعة (لم يلتزم بها أي طرف)، وكذلك كان هناك تقدمًا ملحوظًا للمقاومة الشعبية في أحياء مدينة تعز اليمنية، إضافة إلى أعداد ضخمة من التعزيزات العسكرية وصلت عدن (وشملت هذه التعزيزات مدرعات ودبابات وناقلات جند ومدافع)، وقبلها استبق الرئيس هادي باجتماع مع كبار مستشاريه، وأجرى تغييرات عسكرية شملت قيادة المنطقة العسكرية الرابعة التي تشرف على أربع محافظات (عدن ولحج وأبين وتعز).
ساد انطباع كبير لدى المسؤولين العسكريين والحكوميين المواليين للرئيس اليمني عبده ربه ومستشاريه، عن أن النصر بات حليفهم نتيجة للتقارير الإعلامية التي تحدثت عن تقدم كبير ومتسارع للمقاومة الشعبية في محافظة تعز (وسط اليمن)، وغضوا الطرف عن اختراق الهدنة لعله يتم تسجيل نصر قريب وخاطف، وهو ما جعلهم يحثون هادي على العودة إلى عدن ليمنح المقاومة قوة معنوية في القتال.
وهذا ما يفسر أن الحكومة لديها نية الحسم العسكري في الجبهات وبخاصة في تعز (150 كيلومترًا شمالي عدن )، إضافة إلى السيطرة على مضيق باب المندب الاستراتيجي، لكن غض البصر عن الخروقات جاء لصالح الحوثيين الذين عززوا جبهات القتال بالمؤن والجند، ليستعيدوا ما خسروه في أثناء الهدنة، والاستعداد للقادم.
وما يؤكد ذلك هو الحديث الإعلامي الهائل في القنوات الإخبارية التي تدعمها دول التحالف العربي عن فشل عملية السلام برمتها، وأن القيادات في “التحالف” توصلوا إلى قناعة أن الحل السياسي قد يطيل الأزمة اليمنية، وأن الحل العسكري بأي ثمن هو الحل الأمثل والأسرع لإنهاء معاناة اليمنيين، كما تحدثت عديد من تلك المحطات.
إذا كانت هناك خطط عسكرية للسيطرة على تعز، فقد يواجه هادي والتحالف مشكلة مع الإمارات العربية المتحدة التي لا تريد أن تنتهي مسألة تعز على شكلها الحالي، والتي تنتشر فيها جماعات جهادية مختلفة فضلاً عن أنها المعقل الرئيسي لجماعة الإخوان المسلمين في اليمن التي تعتبرهم أبو ظبي “العدو الرئيسي”.
وإن أقدم هادي مع المملكة منفردين بتعزيز جبهات القتال في تعز، قد يتعرض لخيانات كبيرة ستكون الإمارات هي العامل الرئيسي وراء تلك الخيانات، وإن لم يتعرض لتلك الخيانة فمن المؤكد أن يتحقق النصر لأنصار هادي والمقاومة الشعبية، لكن ستكون تبيعة ذلك كارثية.
فبعد عام ونيف من سيطرة الحكومة على عدن، لا تزال الجماعات الجهادية والانفصالية مسيطرة على أغلب المراكز وأهم المناطق الحيوية في العاصمة الاقتصادية والتجارية لليمن (عدن)، ووصل الأمر إلى أن الحكومة لا تستطيع ممارسة عملها وصلاحيتها من داخلها، وبالتالي فإن تعز ستكون أشد من عدن، وقد تكون نسخة أخرى من الرقة السورية إذا تم السيطرة عليها بعد دعم تلك “المقاومة الشعبية”، ولهذا تخشى الإمارات من ذلك، وكذلك المجتمع الدولي.
فالمقاومة الشعبية في تعز تتكون من “أنصار الشريعة” و “كتائب حماة العقيدة” وتنظيم الدولة الإسلامية “داعش” و”كتائب الحسم” و”كتائب الموت” و”كتائب الصعاليك”، وهي جماعات جهادية لها انتماءات دينية مختلفة، ومن الصعب إخراجها من المحافظة بعد نشوة الانتصار المنتظر!
خدمة المواطنين
مع وصول هادي إلى عدن، انتهى الحديث عن الاستعداد العسكري، واختفت التقارير الإخبارية التي كانت تتحدث عن تقدم كبير ومتسارع للمقاومة في تعز، واستبدل ذلك بأن الهدف من وجود هادي في عدن هو دعم وتعزيز عمليات الإعمار في المناطق المحررة وتعزيز الجبهات القتالية في البيضاء ونهم وبالأخص في محافظة تعز.
بمعنى أن التقارير تغيرت، ولم تعد تورد أخبار التقدم أرضًا وإنما عاد الحديث إلى نقطة البداية هو الاستعداد العسكري لتحرير المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين، وهو تراجع وتناقض غير مفهوم، وفشل إعلامي للحكومة.
الغريب في الأمر أن الحكومة بدأت تتحدث عن إعمار المناطق “المحررة”، وتوفير الخدمات لكنها لا تستطيع البقاء أكثر من أسبوع في محافظة عدن، لأنها مستهدفة من كل الفصائل الجهادية والانفصالية الموالية لإيران، وكل ما في الأمر أنها محصورة في منطقة معينة لا تستطيع أن تبرح مكانها.
خطط تكتيكية
في 15 من نوفمبر 2016 أعلن وزير الخارجية الأمريكي جون كيري، عن توصل أطراف الصراع في اليمن، إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، اعتبارًا من يوم الخميس 17 من نوفمبر، وهو ما لم يتم الالتزام به داخليًا، وأضاف كيري الذي كان يتحدث في ختام زيارة إلى الإمارات، أن الحركة الحوثية في اليمن وحلفاءها من جهة والتحالف الذي تقوده السعودية من جهة أخرى وافقوا على الالتزام بوقف الأعمال القتالية، موضحًا أن نية الجانبين تتجه لتشكيل حكومة وحدة وطنية بنهاية العام الحاليّ.
ومبادرة كيري همشت الحكومة المعترف بها دوليًا وكذلك الرئيس هادي، وحصرت الحرب بين الحوثيين والسعودية، وعملت على استبعاد تدريجي للرئيس هادي ونائبه الجنرال علي محسن الأحمر من المشهد السياسي، لكنها لم تأت على ذكر مستقبل الرئيس السابق علي عبد الله صالح وقائد الحركة الحوثية عبد الملك الحوثي الواقعين تحت طائلة العقوبات الدولية.
من خلال ذلك لا يبدو أن الرياض ستقبل بأي خطة سلام في اليمن تضمن لها على المدى البعيد دورًا واضحًا في المستقبل السياسي لليمن، وتتكفل بتحييد ترسانة الصواريخ البالستية لدى الحوثيين، وتطمئنها بتحصينها من المسؤولية القانونية والأخلاقية عن جرائم الحرب وانتهاكات حقوق الإنسان التي ارتكبت خلال هذا الصراع.
ولهذا تابعنا محاولات متكررة من قبل الرياض للتهرب من ذلك، وعدم الرضوخ لأي هدنة معلنة، وأحيانًا تعلن أن الحكومة ترفض أي هدنة أو لم تتلق رسالة من هادي يطالبها بوقف إطلاق النار، ولهذا تريد أن تلعب بورقة هادي والمبعوث الأممي.
ويبدو أنها أمرت هادي بالعودة لعدن، وهو تخطيط تكتيكي وسياسي أولاً لتتجاوز عقدة “حكومة المنفى” وتظهر إلى أي مدى باتت هذه الحكومة تتمتع بعمق جغرافي وبشري كبيرين في اليمن، وثانيًا لإخراجها من التهمة حيث بات المجتمع الدولي ينظر إليها في الوقت الحالي على أنها طرف أساسي في الصراع اليمني، خصوصًا بعد مبادرة جون كيري التي غيبت تمامًا طرف الحكومة المعترف بها دوليًا وحصرت الخلاف بين تحالف الحوثي/ صالح، والتحالف العربي الذي تقوده السعودية، وهو محاولة لتوريط السعودية فيما بعد وتصنيفها كدولة معتدية، وأرادت أن تنأى بنفسها كطرف معتد والاستمرار على تسويق أن الأزمة يمنية يمنية خالصة، وأرادت أن يذهب هادي إلى عدن ويلتقي المبعوث الأممي إسماعيل ولد الشيخ أحمد من هناك، ومن أرض يمنية لا أرض سعودية.
نستطيع القول إن عودة هادي محاولة منه لتجاوز مبادرة كيري واستعادة زمام المبادرة على الصعيدين السياسي والعسكري، لكن ذلك مرهون بالتغيرات على الأرض وتغيرات موقف المجتمع الدولي.
هذه النقطة تتعلق بموقف الأمم المتحدة، وما إن كانت ستستمر بتجاهل الرئيس اليمني عبر مبعوثها الأممي إلى اليمن، وموقفها أيضًا من الحكومة الجديدة التي أعلن عنها تحالف الحوثي وصالح، والتي سنخصص لها قراءة تحليلية على هذا المنبر.
خطة سياسية
ربما يريد الرئيس اليمني من وصوله إلى عدن أن يعلن للمجتمع الدولي أنه ما زال قادرًا على التأثير على أتباعه وقواته، وكذلك فرض سيطرته على الأرض، كرد على تجاهل المبادرة الأخيرة لحل الأزمة اليمنية، محاولة منه لإعادة الأنظار حوله، وهذا ما يظهر من إعلانه عن استعداده مقابلة المبعوث الأممي في عدن.
في حال وإن قبل المبعوث الأممي لقاء هادي في عدن، للنظر إلى رده النهائي بشأن الخطة الأممية، فإن هادي قد يضع شروطًا تعجيزية أخرى، وهو شرط البقاء في المبادرة على مرجعية القرار الأممي 2216 وعدم إلزام الرئيس بفترة رئاسية مؤقتة أي البحث عن البقاء في السلطة أكثر من وقته الذي حددته المبادرة الخليجية في 2011 وكذلك المبادرة الأممية أو مبادرة جون كيري الأخيرة.
وضع النقاط كهذه هي نسف لعملية السلام وانتكاسة حقيقة له في اليمن، وهذا يعني أن هناك جولات قادمة من الاقتتال، وأنهار من الدماء لن تجف خلال الفترة القليلة القادمة.
الخلاصة
عودة هادي إلى عدن تبين أن ليس لديه أي نية للقبول بأي حلول سياسية، إضافة إلى محاولة إزاحة السعودية من الخط التي بات ينظر إليها المجتمع الدولي كطرف محارب في اليمن، وهو اختبار حقيقي له في مسألة البقاء في عدن وممارسة الحكم منها، أم أن للجماعات الأخرى رأي آخر وهي من تفرض السيطرة.
وذهاب هادي إلى الرياض بعد عودته إلى عدن انتكاسة أخرى للتحالف وليس لحكومته فقط، ويدل على فشلهم عسكريًا في إحكام السيطرة التامة على المحافظة وإعادة الهدوء إليها وإخراج المتشددين منها، وهو ما يؤشر إلى خطر يداهم المنطقة في تكوين دولة أخرى غير الحكومة التي تدعمها الرياض أو الحوثيين، وإنما ستكون دولة أخرى على غرار الدولة الإسلامية في العراق والشام، وأكثر قوةً وتخطيطًا وتكتيكًا، نتيجة لدروس سلفيها (القاعدة وداعش).