تذكرني الانطلاقة القوية للمنتدى الدولي للاستثمار في تونس بمؤتمر مصر الاقتصادي في مارس 2015، فقد شهد نفس الزخم الإعلامي، كما انهالت أيضًا على مصر مليارات من الخليج وغيرها من أوروبا في أولى ساعات المؤتمر الدولي الذي عقد المصريون آمالهم عليه، ولكن للأسف اكتشف المصريون أن المؤتمر لم يكون سوى “فنكوش”، ولم تجن منه مصر سوى لقطة إعلامية تداولاتها القنوات، بالإضافة إلى صورة زينت الصفحات الأولى من صحف مصر.
في الواقع لم يجلب المؤتمر الاقتصادي المصري سوى مزيد من الديون وخرج دون استثمارات تذكر بالرغم من عدد مذكرات التفاهم الضخم، ومع متابعتي لعرس تونس الاستثماري تذكرت خيبات الأمل التي أصابت المصريين بعد فشل المؤتمر الاقتصادي الذي كان من الممكن أن ينقل مصر نقلة نوعية على المستوى الاقتصادي، ولكن للأسف فشلت مصر في الاستفادة من هذا المؤتمر، لذلك وجب أن أرسل إلى تونس الشقيقة رسالة تحذيرية قبل أن يقعوا في “الفنكوش”.
لم يكن نجاح اليوم الأول من المنتدى التونسي اقتصاديًا فقط، بل إن دعم الديمقراطية التي تعد التجربة الأبرز بين بلدان الربيع العربي نقطة هامة في دعم دول كقطر وتركيا للاقتصاد التونسي الذي يمر بمرحلة حرجة، ولكن على تونس أن تستغل هذا الدعم بشكل يخدم الشعب التونسي ويحقق نقلة اقتصادية قد تخدم المنطقة العربية بشكل عام.
لا شك أن وجود ومشاركة رؤساء دول وحكومات ووزراء وممثلون عن مؤسسات مالية وصناديق عربية ودولية ووفود من 70 دولة ونحو ألفي شركة، فرصة قد لا تتكرر لذلك يجب أن تكون الحكومة التونسية جاهزة بفرص استثمار حقيقية، وبالفعل عرضت الحكومة على المشاركين نحو 145 مشروعًا بتكلفة استثمارية تتجاوز 50 مليار دولار بحلول عام 2020.
ولكن عرض المشاريع وتوقيع مذكرات التفاهم ليس كل شيء، وهذا أهم درس قد نكون نحن كمصريين قد تعلمناه جيدًا بعد فشل المؤتمر الاقتصادي، وهذا هو الأمر الذي يجب أن تدركه الحكومة التونسية جيدًا حتى تكون تجربتها أفضل من التجربة المصرية.
حديث الرئيس التونسي الباجي السبسي في افتتاح المؤتمر دار بشأن “تأمين الحياة اللائقة وتنمية الجهات المحرومة، وإعادة الأمل لشباب تونس”، مؤكدًا أن تلك الأهداف تمثل صمام الأمان الذي سيرسخ السلم الاجتماعي ويثبت دعائم البناء الديمقراطي.
ورغم حيوية تصريحات السبسي إلا أن المؤتمر ما هو إلا بداية لاستقطاب الاستثمارات لدفع معدلات النمو الاقتصادي وعلاج الخلل في الاقتصاد التونسي من خلال إطار تشريعي وإدارة اقتصادية واعية.
كما أن قانون الاستثمار الذي تمت الموافقة عليه في سبتمبر يجب أن يساهم في إنعاش تدفقات الاستثمارات الأجنبية، في ظل الضغوط الدولية من المقرضين الدوليين وعلى رأسهم النقد الدولي، لتطبيق حكومة الشاهد حزمة من الإجراءات في مشروع موازنتها لعام 2017 بهدف خفض الإنفاق الحكومي وزيادة الإيرادات الجديدة لتقليص العجز.
ويبقى التحدي الأكبر هو كيف تقوم تونس بحزمة الإجراءات دون أن تثير موجة جديدة من الاضطرابات الاجتماعية، بعد أن نظم عدد من القطاعات إضرابات، احتجاجًا على ضرائب جديدة وتجميد الزيادة في رواتب القطاع العام.
وعن التحديات الأساسية التي يجب أن تتعامل معها الحكومة بشكل عاجل، تبرز معاناة القطاعات الاقتصادية الرئيسة، التي سجلت تدهورًا كبيرًا، بعدما بلغت نسبة الدين العام نحو 63% من الناتج المحلي، فيما يواصل قطاعي السياحة والفوسفات التراجع في السنوات الأخيرة، حيث سجلت عائدات القطاع السياحي في تونس، تراجعًا بنسبة 8.4% في الشهور التسع الأولى من العام الجاري، إلى 1.808 مليار دينار (نحو 900 مليون دولار) مقابل 1.975 مليار دينار (987 مليون دولار) في الفترة المناظرة من العام الماضي، بحسب إحصائيات وزارة السياحة التونسية.
ويواصل إنتاج الفوسفات التراجع في الآونة الأخيرة متراجعًا بنحو 60% في الخمس سنوات الماضية، إلى 3 مليون طن سنويًا، مقابل 8.2 مليون طن في عام 2010، بسبب الاضطرابات الاجتماعية التي عرفتها منطقة الحوض المنجمي.
فيما يعاني الشباب التونسي من تفشي البطالة حيث بلغت نسبة البطالة في الربع الثالث من العام الجاري 15.5% بعدد عاطلين عن العمل يقترب من 630 ألف فرد، من بينهم 267.7 ألف عاطل عن العمل من حاملي الشهادات العليا، أي ما يعادل 31.9%، ويبقى السؤال، هل تستفيد تونس من تجربة “فنكوش” مصر وتحقق الاستفادة الكاملة من المؤتمر؟ هذا ما ستجيب عنه الأيام القادمة.