قبل أن تقرأ المقال وجب التنويه أنه يحمل بين طياته حرق الكثير من أحداث الفيلم.
تذكرة مذهبة، مكتوب عليها بحروف واضحة “الرصيف رقم 9 وثلاثة أرباع” هي كل ما يحتاجه عشاق هاري بوتر في كل مكان للعودة للعالم السحري، ولم تبخل جي. كي. رولينج في تحقيق ذلك، فها هي تمنح عشاقها تذكرة أخرى إضافية للعودة إلى عالم هاري بوتر، وفي تعاون هو الخامس مع المخرج ديفيد ياتس الذي أخرج أجزاء هاري بوتر الأربعة الأخيرة، وسيناريو كتب بواسطة رولينج للسينما مباشرة، يستقل جميع العشاق قطار هوجوورتس السحرى مع بطل جديد وشخصية سحرية مشهورة، نيوت سكامندر في الوحوش المذهلة وأين تجدها؟
تدور أحداث الفيلم قبل مولد الفتى الذي نجا “هاري بوتر” وصراعه مع سيد الظلام لورد فولدمورت بـ54 عامًا، ويسافر بنا الفيلم من لندن ومدرسة هوجوورتس إلى نيويورك أمريكا، في أواخر عشرينيات القرن الماضي في رحلة نيوت سكامندر “إيدي ريدمان” إلى نيويورك، وفور وصوله يقع في متاعب والمغامرات بسبب حقيبته التي تحوي أعدادًا كبيرة من الوحوش المتنوعة، يحدث ذلك في نفس الوقت الذي كان يراقب خلاله أحد تجمعات مجتمع نيو سايلمرز يحذرون خلاله العامة من السحر والسحرة وزعمهم بأنه حقيقي! ولم تكن المتحدثة غير ماري لو “سامامنثا مورتون” قائدة نيو سايلمرز والتي هدفها فضح وجود السحرة وقتلهم ربما! وفي نفس الوقت هي مديرة ملجأ للأيتام وهو ما يجعلها تضخ أفكارها المسمومة تلك إلى عقول الأطفال الصغار داخل ملجأها.
يعد ذلك المشهد الافتتاحي واحد من أهم المشاهد، إذ تتجمع داخله غالبية الخيوط والشخصيات التي لن تتقابل إلا عند النهاية.
تقسم أحداث الفيلم إلى خطين من الأحداث المتوازية، فنيوت بسبب فقدانه لكائن النيفللر واصطدامه مع العامي جاكوب كوالسكي “دان فوجلر” الذي يطمح لأن يحصل على قرض ليفتح محل مخبوزات، يرتبط مصيره مع جايكوب بطريقة ما، وفي نفس الوقت تينا غولدشتين “عضوة سابقة بإدارة أورو” تتبع نيوت بدورها في أثناء بحثه عن كائن النيفللر المحب للذهب إلى داخل أحد البنوك وهو الأمر الذي يتحول إلى كارثة تنتهي بممارسة نيوت لتعويذة الانتقال الآني ويصطحب معه جاكوب النو ماج.
ولأن الاثنين يمتلكان حقيبتان متشابهتان يحدث تبادل كلاشيهي بينهما، لتنتهي كارثة البنك بكارثة أكبر وهي حقيبة ممتلئة بالوحوش في حوذة يد غير ساحر، ذلك الحدث على نمطتيه وكونه مبتذلًا بعض الشيء إلا أن أهميته تكمن في أنه يعد بمثابة الشرارة التي يحتاجها الفيلم لكي تطلق الوحوش في نيويورك وتبدأ رحلة نيوت في إعادتهم برفقة كلًا من كوالسكي وتينا، وبالرغم من بعض الأحداث المتوقعة فالجزء مرح بحق، وممتلئ بالكثير من الدعابات والمفارقات، ونجح دان فوجلر في تأدية دور العامي المنبهر بكل شيء والذي يثير الضحك بكل سطر يقوله، ناهيك عن الرومانسية الجانبية التي تجمع بينه وبين كويني “أليسون سودول”، ويتميز هذا الجزء بأنه يقدم عالم هاري بوتر المبهج والمبهر الذي نعرفه من الكتب الثلاث الأولى قبل أن تأخذ السلسلة منحى أكثر سوداويًا لاحقًا.
في الخط الثاني والموازي مع أحداث نيوت، يركز كلًا من رولينج ومعها ديفد ياتس على المجتمع السحري الأمريكي والكونجرس السحري، في محاولة لإيضاح الفروق ما بين السحرة البريطانيين والأمريكان، فالعامة يتم وصفهم بـ “النو ماج” بدلًا من الماجلز، كما أنه على عكس المجتمع السحري البريطاني، فالأمريكان حريصون على إزالة كل ذكرى عن السحر من كل النو ماج، ويمنعوا اختلاط الأنساب مع العامة لأن هذا كما يقولون يعرض المجتمع السحري لخطر الكشف.
وهذا هو محور الجزء الثاني بالضبط، وهو وسط اضطرابات سحرية لمخلوق أو شيء كريه لا يعرف أصله بعد (الأوبسكوروس) يسبب الفوضى في مدينة نيويورك، بالإضافة لجماعة نيو سايلمرز التي تبدو مهمتهم هي فضح وجودهم، تتضح مهمة الكونجرس السحري في إيقاف تلك الفوضى.
في نفس الوقت يتكشف لنا أن جريفز “كولين فاريل” أحد أقوى أعضاء جماعة أورور ومدير إدارة الأمن السحري داخل الماكوزا، أنه في خلال محاولته لحماية المجتمع السحري وكذلك محاكمته لنيوت وأن وحوشه الطليقة هي السبب في إحداث الفوضى وقتل أحد الشخصيات العامية الهامة، إلا أن نيوت ينكر ذلك ويقول بأن علامات القتل تلك لا تعود لأحد مخلوقاته بل تعود إلى ساحر مستضيف لأوبسكوروس، وهي قوة مظلمة ومدمرة تنشأ بسبب قمع السحرة من الأطفال لقواهم السحرية، وتطلق عنانها عندما يتعرض الطفل للغضب والتوتر.
لا يصدق أحد من الكونجرس السحري كلام نيوت إلا أن جريفز في قرارة نفسه يصدقه، ومع ذلك يحكم عليه بالإعدام، وهنا يطرأ تغيير على مهمة نيوت خلال الأحداث فيصبح بدوره مشاركًا في ساحة نيويورك للبحث عن الأوبسكوروس وإنقاذ مستضيفه، أيضَا ندرك أن جريفز على صلة بكريدنس “إيزرا ميلر” الذي يعد بمثابة الابن المتبنى ماري لو الذي يرغب في حماية أخوته منها، وكذلك التحرر من قبضة والدته النيو ماج القاسية والانضمام للعالم السحري، ويطلب جريفز منه بأن يساعده في التعرف على الطفل المستضيف لكائن أبوبسكورس لأنه يوشك على الموت.
وفي محاولة أخيرة من كريدنس الفتى الغريب الأطوار يحاول تفتيش حجرات أخواته المتبنيين فيعثر على عصى سحرية أسفل فراش أخته المتبنية موديستي وفي أثناء محاولته مواجهتها بتلك الحقيقة تظهر مارى لو والشر يتقافز من على وجهها ورغبة جديدة في تعذيب كريدنس تتباين على قسمات وجهها إلا أن كائن الأبوسكوروس يظهر وينتهي بقتلها.
يخبر كريدنس جريفز بتلك الواقعة ثم يقوده للعثور على موديستي، وحينما يطالبه كريدنس بجزءه من الاتفاقية، يخبره جريفز بقسوة بالغة بأنه من اللحظة الأولى التي رأها به أدرك أنه سكويب! – أي أسلافه سحرة إلا أنه لا يحوز على قوة سحرية – يتركه جريفز ويصعد إلى حجرة موديستي، وهنا يدرك الحقيقة، أن مضيف الأوبسكوروس ليس غير كريدنس نفسه.
يطلق كريدنس العنان لقواه ويتحول إلى أوبسكوروس ليحل بالخراب على مدينة نيويورك في حادثة تعرض العالم السحري للكشف بالكامل أمام العامة.
يحاول كل من تينا ونيوت بتتبع كريدنس وإنقاذه إلا أن جريفز يعترض طريقهم، وفي مشهد خاطف للأنفاس تدور معركة في أنفاق مترو الأنفاق بين نيوت وجريفز تبدو الغلبة فيها لجريفز إلا أن كريدنس ينضم للمعركة محاولًا النيل من جريفز الذي خان مشاعره، وربما يبدو المشهد مشابه جدًا لمشهد ظهور لورد فولدمورت في وزارة السحر بنهاية الجزء الخامس، يظهر سحرة أورور داخل الأنفاق بقيادة رئيسة المجلس ويقتلون كريدنس، وهو الأمر الذي يفقد جريفز صوابه ويهجم على دستة من أعضاء الأورور بشكل مفاجئ لتتطاير التعاويذ، ويستغل نيوت إدارة جريفز ظهره له، ليطلق عليه أحد وحوشه السحرية ليقيده، ثم يؤدي تعويذة للكشف، لتظهر الشخصية الأكثر رعبًا في التاريخ السحري آنذاك، ساحر الظلام غريندالود “جوني ديب”، ومعها ينكشف سر اهتمامه بمضيف الأوبسكوروس ليس لإنقاذه كما أدعى في البداية بل لكشف المجتمع السحري أمام العامة.
حاول ديفيد ياتس خلال 133 دقيقة وهي طول مدة الفيلم أن يزوده بكل العناصر التي كفلت النجاح للأجزاء الثمانية السابقة، فالأجواء السحرية الحميمة والدعابات التي تحمل بصمة الأجزاء الأولى متوافرة في النصف الأول، كذلك الأجواء المظلمة والمقبضة التي امتازت بها الأجزاء الأخيرة وصعود لورد فولدمورت، حاول إظهارها من خلال أفكار نيو سايلمرز واضطهاد السحرة والأوبسكورس وظهور جريندالود إلا أن موزانة كل العنصريين لم تأت بقدر متساوٍ وهو ما يشعرني بأن هناك حلقة مفقودة في المنتصف، لم تكن وجبة مكتملة.
كذلك فإن رولينج اهتمت من خلال السيناريو إلى عرض التفاصيل الدقيقة والفروقات بين المجتمعيين السحريين البريطاني والأمريكي في سعيها لتوسعة عالمها السحرى ليصل لأكبر قدر ممكن من المتابعين، كما الإشارة إلى مدرسة إليفرمورني للسحرة في إمريكا الشمالية، والماكوزا “الكونجرس السحري للولايات المتحدة الأمريكية” أكثر بكثير من حبكة القصة نفسها، فاعتمدت على تيمة تبادل الحقائب المشهورة، بالإضافة إلى أن بعض الحوارات التي تخللت الفيلم كانت بمثابة صدى وتكرار للأفلام السابقة، بل حتى إن شخصية مثل جريفز وبرغم أداء كولين فاريل العظيم فبمنتصف الفيلم كان بوسع المشاهد إدراك أن هناك شيء خاطئ به، وتخمين أنه أحد أتباع الساحر جريندالود بل حتى التخمين تم تأكيده حينما منح كريدنس قلادة تحمل رمز مقدسات الموت الشهير لنعرف أنه لم يكن سوى جريندالود بشحمه ولحمه، وإذا ما قورن هذا الكشف بشخصية بارتي كراوتش جونيور وكونه انتحل شخصية ماد آي في جماعة العنقاء لأدركنا أن البناء العام هنا أضعف.
يضاف إلي ذلك شيء آخر لا بد من الإشارة إليه، في السلسلة السابقة نحن نعرف أن هوجوورتس ترسل خطابات لتلاميذ من العامة، مثلما حدث مع هاري، بل مثلما حدث مع فولدمورت نفسه حينما كان صغيرًا في أثناء وجوده في ملجأ للإيتام، فلماذا لم تفعل مدرسة إليفرمورني ذلك مع كل من كريدنس ومودستي – إن كانت هي الأخرى تملك قوى سحرية بالفعل – وحتى إن لم يكن كريدنس يملك القوى السحرية الكافية للدرجة التي خدع معها جريندالود العظيم وظنه سكويب، فكيف لا يحتوى المجتمع السحري الأمريكي السحرة السكويب بدورهم! وإن كان قادرًا على خلق الأوبسكوروس فهذا يعني إنه ليس بسكويب، فكيف فشلت الماكوزا في رصده؟
حتى نهاية الفيلم ذاتها جاءت مخيبة للآمال بعض الشيء، فهزيمة جريندالود بدت سهلة لساحر من المفترض أن يكون ساحر الظلام الأقوى في التاريخ قبل ظهور فولدمورت، كما أن تعرض المجتمع السحري للكشف أمام العامة بطريقة يصعب معها إزالة ذاكرة غالبية سكان نيويورك للحدث غير العادي والمألوف، يأتي نيوت بحل بوسعه التغلب على تلك المعضلة – كما الإله من الآله – فيطلق سراح أحد الكائنات السحرية ليسبب أمطار تحوي على قطرات وصفة سحرية تزيل ذكريات العامة، وربما الموقف نفسه يحمل رسالة خفية تريد رولينج إيصالها بأن ساحر بريطاني تمكن من إنقاذ المجتمع السحرى من خطر الكشف كما لو أن كل أعضاء ماكوزا الأمريكان ليس بوسعهم التفوق على السحرة البريطانيين.
هناك العديد من التساؤلات، والإشارات تركت لأجزاء لاحقة، ولا يسعنا معها إلا الانتظار لمعرفة هل يعود كل هذا لاختلاف النظامين بين المجتمع الأمريكي السحري ونظيره البريطاني؟ أم هي سقطة لم تحسب حسابها رولينج وديفيد ياتس.
وفي الأخير، وكمتابع وعاشق لعالم رولينج السحرى، ليس بوسعي غير التعبير عن فضول جم إزاء الأجزاء اللاحقة، والتي ستمثل تحد كبير لرولينج لأن جميع قراءها يعرفون نهاية تلك الأحداث، وليس بوسعنا غير الانتظار حتى عام 2018 وصدور الجزء الثاني من الوحوش المذهلة وأين تجدها!