لن يستسلم جون كيري طالما هو في وزارة الخارجية ولن يتخلى عن جهوده لتخفيف المعاناة الإنسانية في حلب، كما يقول في خطابه الوداعي للسياسة الخارجية الأمريكية، إلا أنه لم يذكر أي تفاصيل عن الكيفية التي سيخفف فيها المعاناة الإنسانية هناك، ربما لأنه لا توجد تفاصيل أصلًا! أو لأن دور الولايات المتحدة في حلب خاصة وسوريا عامة تم تسليمه لروسيا وبانتظار الإعلان عن ذلك بشكل رسمي من قبل الإدارة الجديدة مع مطلع العام المقبل.
بقي على رحيل إدارة الرئيس باراك أوباما 50 يومًا، ومن غير المتوقع أن يجري الرئيس أوباما أي تغيير على سياسته الرجعية التي اتبعها تجاه سوريا وحلب، فالسياسة الأمريكية تخلت عن حلب وملف الأزمة السورية لتتولى موسكو حسمه تحت غطاء التعاون معها، بينما أبقت إطار المفاوضات في جنيف بشكل واهم للمعارضة السورية.
قتل خلال الأيام الأخيرة في حلب أكثر من 700 مدني من سكان الأحياء المحاصرة أصيب نحو 2500
وعند وصول إدارة ترامب الجديدة إلى البيت الأبيض فإن السياسة العامة التي رسمها ترامب وفريقه تجاه سوريا ستعمل على عقد صفقة مع الروس من خلال صيغة سياسية تتولى فيها موسكو إدارتها بعد حلب التي باتت مسألة سيطرة قوات النظام عليها سوى مسألة وقت لا أكثر.
الفرق الذي سيجري بين سياسة أوباما إزاء الأزمة السورية وسياسة ترامب المستقبلية، أن الأولى كانت ضبابية أما الثانية فخلاصتها أنه يتجه نحو توسيعه لناحية نقل الموقف الأمريكي من التعاون الضبابي مع روسيا إلى ما يشبه التفويض لها لتدبير مسار سياسي تكون ظروفه قد تهيأت مع بدء رئاسته على افتراض أن وضع حلب يكون قد انتهى حتى وصوله للبيت الأبيض.
لأول مرة منذ 2012: ثلث حلب الشرقية مع النظام
أدى القصف الجوي الروسي والسوري على حلب الشرقية، خلال الأيام الأخيرة، إلى مقتل أكثر من 700 مدني من سكان الأحياء المحاصرة، وإصابة نحو 2500، وأمس الأربعاء قُتل نحو 50 شخصًا في شرق حلب معظمهم من الأطفال والنساء بعد استهداف تجمع للنازحين من الأحياء الشرقية المحاصرة في حي باب النيرب وجب القبة بوسط حلب بعد نزوح آلاف السكان بسبب شدة المعارك، في مشهد إنساني أسر العالم وحرك الهيئات والمنظمات الدولية لاحتواء الموقف، حيث أظهرت التقارير الإعلامية المصورة انتشار الجثث في الشوارع وجرحى ينزفون وسط تعطل جميع المشافي عن العمل، ولكن فيما يبدو لا سبيل لاحتوائه!
فالنظام السوري وحلفاؤه حسموا أمر حلب منذ منتصف الشهر الحالي بعدما رفضت الفصائل المقاتلة الخروج من حلب وتسليمها، إذ تلقت جميع الفصائل المقاتلة إنذارات من روسيا بضرورة إخلاء مناطقها في حلب إلا أن كل الفصائل بما فيها جبهة فتح الشام رفضت ذلك.
في الوقت الذي صرح فيه ميخائيل بوغدانوف نائب وزير الخارجية الروسي أنه يجب طرد من وصفهم بالإرهابيين – إشارة إلى جميع الفصائل المقاتلة- من حلب بالطريقة نفسها التي يجب أن يطردوا بها من مدينة الموصل العراقية والرقة السورية.
رياض حجاب في أنقرة لبحث التطورات الأخيرة في حلب
وفي خضم هذا فالعوائل النازحة إما أن تقتل بسبب القصف المستهدف لقوافل النازحين وإما أن تنجو وتتمكن من الخروج إلى المناطق التي تسيطر عليها قوات النظام وتعيش حالة خوف من المصير الذي ينتظرها، إذ تعمل قوات النظام على اعتقال العوائل وخصوصًا الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و40 عامًا ووضعهم في معسكرين في مدرسة بحي الصاخور والآخر في منطقة نقارين.
وأوردت أنباء عن حالات إعدام ميداني وقعت بحق الأهالي الفارين من مناطق الاشتباكات إلى مناطق سيطرة النظام وميليشياته، ويقدر عدد الفارين حتى الآن قرابة الألف شخص وذكرت الغارديان البريطانية أن قوات النظام تحتجر نحو 500 رجل من الفارين من حلب، بينما نفت مصادر عسكرية تابعة للنظام السوري إلقاء القبض على أي شخص وأن ما يتم هو مجرد تدقيق يستهدف الإرهابيين فقط.
جيش حلب الجديد
لا تزال الفصائل المعارضة متمسكة بموقفها بعدم الانسحاب من مناطق سيطرتها شرق حلب رغم الهجوم الشرس الذي تشنه قوات النظام وروسيا على المنطقة حيث قصدت إخراج جميع المشافي عن الخدمة وتعطيل كل وسائل الحياة هناك من محطات المياه والكهرباء والوقود وغير ذلك، وحسب ما نقل عن رئيس المكتب السياسي لفصيل فاستقم زكريا ملاحفجي قوله إن الفصائل المقاتلة شرقي حلب ترفض فكرة الانسحاب وستستمر في القتال.
هدف وحدة الفصائل لمواجهة تقدم قوات النظام والميليشيات التابعة له في حلب المحاصرة
واتفقت فصائل المعارضة السورية المسلحة على حل نفسها وتشكيل كيان موحد باسم جيش حلب بقيادة أبو عبد الرحمن نور قائدًا عامًا وأبو بشير عمارة قائدًا عسكريًا.
وأكدت الفصائل أن هذه الوحدة جاءت لمواجهة تقدم قوات النظام والميليشيات التابعة له والذي أدى لانهيار دفاعات المعارضة إلى سيطرة النظام على أحياء مساكن هنانو والصاخور والحيدرية في الطرف الشمالي للأحياء الشرقية في حلب لتحلق أكبر خسارة بالمعارضة في الميدنة منذ العام 2012 بالإضافة إلى الرد على المزاعم الروسية بأن دعمها العسكري للنظام هدفه ملاحقة العناصر الإرهابية التابعة لجبهة فتح الشام، ومن المرجح أن يأخذ الصراع في حلب بعد توحيد الفصائل دفعًا جديدًا لمواجهة قوات النظام، يُذكر أن الفصائل العسكرية تمكنت من استعادة نقاط خسرتها في حي الشيخ سعيد جنوب شرقي المدينة.
قصف قوات النظام السوري على تجمع للنازحين راح ضحيته 50 قتيلًا
ومن جهة أخرى فإن اجتماعًا عقد أمس الأربعاء في أنقرة بين ممثلين عن فصائل المعارضة في حلب وممثلين عن الجانب الروسي برعاية تركية، بناءً على طلب الروس، وتزامن هذا الاجتماع مع لقاء جمع وزير الخارجية التركي جاويش أوغلو ورياض حجاب رئيس الهيئة العليا للمفاوضات التابعة للمعارضة السورية بحثا التطورات الأخيرة في مدينة حلب، وأكد أوغلو وحجاب ضرورة وقف إطلاق النار بشكل فوري في حلب وإيصال المساعدات الإنسانية إلى المحاصرين.
قد لا يتمكن جيش حلب الجديد من قلب الطاولة على النظام في هذا الوقت بالذات لكنه على الأقل سيؤخر من سيطرة قوات النظام وحلفائها على المدينة والبدء بالخطوة الثانية، وفي هذه الآونة تنتظر المعارضة دعمًا عسكريًا على مستوى الهجمة الشرسة من إحدى الدول العربية أو تنتظر درع الفرات المنهمكة في السيطرة على مدينة الباب الاستراتيجية للتأثير على مجريات الأحداث في حلب المحاصرة بقيادة تركية.