لا تزال دمشق تصمت على الضربات الإسرائيلية لها ولحلفائها في عقر دارها، وتتجاهل تمامًا التنسيق الإسرائيلي الروسي الواضح لتلك الضربات ولاستباحة المجال الجوي السوري، برغم كل الادعاءات السورية بأن روسيا حليفها الأول ومصلحتها من مصلحة دمشق، فهل هناك إجماع في إسرائيل على أن النظام السوري لا يقدم ولا يؤخر، وهو لا يشكل أي خطر مباشر عليها طالما أنه تابع لروسيا وتحت جناحها؟ وهل بقاء نظام الأسد في أي حل مستقبلي سيكون مريحًا لها، بينما سيشكل وجود أي قوة سورية معارضة أخرى في الحكم خطرًا عليها؟ بحسب ما يرى الكثير من المتابعين للشأن السوري.
وسائل الإعلام العبرية علّقت على ما أسمته التفهم الروسي لضربات تل أبيب على دمشق مؤخرًا، حيث علّقت صحيفة “معاريف” العبرية اليوم على الغارات التي استهدفت قبل يومين قوافل تحمل إرساليات سلاح تتجه من دمشق إلى لبنان، ونُسبت لإسرائيل، بأن صمت روسيا على شن الغارات التي طالت أهدافًا لحزب الله، تدلل على أن الروس “لن يحركوا ساكنًا من أجل الحيلولة دون مس إسرائيل بحلفاء نظام الأسد وعلى رأسهم حزب الله”.
وأضافت الصحيفة أن الحرج الذي أصاب نظام الأسد وحزب الله قلص من الاهتمام الإعلامي السوري واللبناني بتغطية الغارات ونتائجها، كما أكدت الصحيفة أن إسرائيل هدفت من شن الغارة إلى التأكيد على أن تعزيز الوجود العسكري الروسي في سوريا لن يؤثر على تمتعها بهامش حرية مفتوح، والقيام بكل ما تراه مناسبًا في سوريا.
القناة الإسرائيلية الثانية كانت قد كشفت الليلة الماضية أن منظومات الدفاع الجوي وأجهزة الإنذار المبكر التي تحتفظ بها روسيا في سوريا تجعلها قادرة على رصد تحركات الطيران الإسرائيلي في كل بقعة من إسرائيل وتتبع تحركات الطائرات الإسرائيلية حتى قبل إقلاعها، ونوّهت القناة إلى أن الروس كان بإمكانهم منع الغارات الإسرائيلية من خلال نقل أنباء تحركات الطائرات الإسرائيلية لحزب الله ونظام الأسد، إلا أنها لم تفعل ذلك.
محللون إسرائيليون أكدوا أن الاستراتيجية التي تتبعها دولتهم في سوريا “تقوم على مراكمة الردع في مواجهة كل الأطراف، من خلال توجيه ضربات قوية لكل من يهدد مصالحها، وفي الوقت ذاته تجنب الانجرار للمواجهات الدائرة بين الأطراف، فالحكومة الإسرائيلية لن تتراجع عن أي عمل يضمن لها أمنها وسلامتها واستقرارها، وهو ما تتفهمه روسيا بشكل جيد”.
هذا كله بحسب مراقبين يعتبر موافقة ضمنية من روسيا على ضربات إسرائيل في سوريا، سواء تلك الموجهة لحزب الله – الحليف الأول لنظام الأسد – أو على غيرها من المنشآت التابعة لنظام الأسد أو توابعه، وأن روسيا غير مستعدة لخسارة علاقاتها مع الكيان الإسرائيلي أو إضعافها من أجل نظام الأسد أو التحالف مع إيران.
التحولات التاريخية بين موسكو وتل أبيب
الكاتب الإسرائيلي يعكوف ليفنا علق قبل نحو أسبوعين على أن التنسيق السياسي والعسكري بين إسرائيل وروسيا زاد مؤخرًا، بعد أن باتت روسيا طرفًا أساسيًا في الحرب الدائرة في سوريا، مشيرًا إلى أن روسيا أصبحت أكثر إقرارًا بما أسماه “احتياجات إسرائيل الأمنية”.
ولفت يعكوف إلى أن الزيارة الأخيرة التي قام بها رئيس الحكومة الروسية ديمتري ميدفيدف إلى الكيان الإسرائيلي جاءت حينها في توقيت رمزي مهم للبلدين، حيث تحيي إسرائيل وروسيا الذكرى السنوية لإعادة علاقاتهما الدبلوماسية التي قطعت عقب حرب الأيام الستة في يونيو/ حزيران 1967، قبل أن تستأنف عام 1991.
وذكّر ليفنا بأنه قبل أن تجدد العلاقات الدبلوماسية بين الدولتين، صوّرت الدعاية السوفيتية إسرائيل على أنها دولة معادية، واعتبرت الصهيونية حركة استعمارية، وتبين لاحقًا أن السوفيت اجتهدوا في أكثر من محطة على زعزعة استقرار أمن إسرائيل، ولم تجر حوارات دبلوماسية جادة بين إسرائيل والاتحاد السوفيتي السابق، باستثناء لقاءات نادرة في اجتماعات الأمم المتحدة، ولم تكن هناك علاقات تجارية وسياحية وثقافية.
وأضاف الكاتب، وهو رئيس دائرة “إيرو – آسيا” بوزارة الخارجية الإسرائيلية، أنه مع انهيار الاتحاد السوفيتي السابق عام 1991، تم تجديد العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل، وإقامة سفارات متبادلة بين تل أبيب وموسكو، واستعاد الشعبان علاقاتهما من جديد، واختار أكثر من مليون يهودي سوفيتي الهجرة لدولة إسرائيل.
وأوضح الكاتب أن الحكومات الإسرائيلية أدركت أهمية العلاقات مع روسيا الجديدة، وعملت على تطويرها في مختلف المجالات، حتى إن جميع رؤساء الحكومات الإسرائيلية قاموا بزيارات تاريخية إلى موسكو نجحت في إيجاد علاقات شخصية حيوية مع القيادة الروسية.
ويضيف الكاتب: “وقعت إسرائيل وروسيا سلسلة اتفاقيات اقتصادية، وبفضلها تحولت روسيا لشريك تجاري مقرب من إسرائيل، بتبادل تجاري سنوي يقترب من مليار دولار، وهناك تعاون كبير في مجالات التقنيات والعلوم والمعارف العامة”.
كما ألغت حكومات البلدين عام 2008 تأشيرة الدخول بينهما، ومن حينها شهد عدد السياح الروس للكيان الإسرائيلي مستويات غير مسبوقة، وصل إلى ستمئة ألف سنويًا، بنسبة 20% من حجم السياحة الوافدة لإسرائيل، بينما يواصل عديد من الإسرائيليين زيارة روسيا.
ومع مرور السنين باتت الكيان الإسرائيلي وروسيا يدركان حجم القواسم المشتركة بينهما، فيهود روسيا اليوم ينعمون بحرية الديانة، ويعيشون في أبهى سنواتهم، كما بات الإسرائيليون الناطقون بالروسية جسرًا لتواصل الدولتين، مما زاد من أواصر التعاون والتنسيق بينهما.