في خطوة يرى الكثير من المحللين أنها ستزيد من اشتعال التوتر بالمنطقة المشتعلة في الأساس، تبحث إيران عن إنشاء قاعدتين عسكريتين بحريتين لها في كل من سوريا واليمن.
الأزمة هنا ليست فقط في كون إيران لم تعد تريد إخفاء أسباب تدخلها بالمنطقة، وباتت تعلن عن استراتيجيتها ورغباتها بكل أريحية، في ظل توتر غير مسبوق مع المملكة، وبعض الدول العربية الأخرى، على خلفية دعم إيران لجماعة الحوثي التي انقلبت على شرعية الرئيس اليمني منصور هادي، والدعم الإيراني للنظام السوري ضد فصائل المعارضة التي تدعمها السعودية، وقيادة الحرس الثوري الإيراني للمعارك الواقعة في العراق، بين الجيش العراقي، وميليشيا الحشد الشعبي المدعومة إيرانيا، وبين تنظيم داعش، لكن الأزمة في غياب أي رد فعل إقليمي، خصوصا الدول الخليجية، والتي من المفترض أنها الأكثر تضررا في أمنها القومي في حال نجحت طهران في مسعاها.
مواجهة الأعداء
وجاء إعلان رئيس هيئة أركان القوات المسلحة الإيرانية محمد حسين باقري، أن إيران تسعى لإقامة قواعد بحرية في اليمن أو سوريا ، وأن تمتلك أسطولًا في المحيط الهندي، كما هو الحال في بحر عُمان، مشيرا إلى أنه لا يوجد تكافؤ مع العدو في المجال البحري، وعلى ضوء ذلك فإن الأساليب التقليدية غير مجدية، إذ يتوجب التدريب على أساليب أخرى تبقى قيد السرية، ليتمكن قائد السفينة العسكرية من امتلاك أداء جيد في المواجهات القتالية، دون أن يحدد من هو العدو المقصود، في إثارة المخاوف من احتمالات ترسيخ موطئ قدم لإيران، قد يكون أكثر قيمة من الناحية العسكرية من التكنولوجيا النووية، حيث تدعم الموقف الأمني الإيراني بمنطقة الخليج العربي وجنوب البحر الأحمر، من جهة، وتهدد الموقف الأمني السعودي خاصة، والخليجي بشكل عام من جهة ثانية.
تأثير القوة
إيران من جهتها تبرر تلك الخطوة، بأن وجودها العسكري في البحار البعيدة، يهدف في المقام الأول للتصدي للقرصنة، وهو ما يتوجب معه أن يكون الأسطول الحربي الإيراني متواجداً في المحيط الهندي، وهو أيضاً ما يدعم فكرة وجود قاعدة على سواحل اليمن أو سوريا، أو إيجاد قواعد عائمة وعلى الجزر.
ونقلت صحيفة “شرق” الإيرانية اليومية، عن متحدث للحكومة لم تسمه، قوله إن إيران لم تعد تشكل تهديداً للعالم، بعد توقيعها على الاتفاق النووي العالمي، والآن تمكنت من تحقيق بعض الإنجازات في المجال النووي، حيث امتلكت قدرات تخصيب تصل إلى 95%، ما جعل القوى الكبرى تدعوها إلى الجلوس على طاولة المفاوضات، وفي الوقت نفسه ما زالت تعزز من قدراتها الدفاعية والتسليحية، لمواجهة أي أخطار قد تحيق بها، نتيجة حالة التربص التي تعانيها في السنوات الأخيرة، لذلك فمن حقها الذهاب بعيدا لتأمين حدودها.
ضغط سياسي أم مخطط؟
السؤال الأهم الآن هو .. هل بالفعل تبحث إيران عن إقامة مثل هذه القواعد، أم أن تلك التصريحات فقط للاستهلاك الإقليمي، ونوعا من أنواع الضغط السياسي بسبب الموقف في سوريا واليمن؟.. وما هو رد فعل شركائها بسوريا واليمن، وباقي دول المنطقة؟
رفض حوثي
ما يثير الاستغراب في الأمر هو إحجام الدول العربية والخليجية حتى النظامين اليمني والسوري، عن أي تعليق حتى الآن، فيما كان التعليق الأوحد حتى الآن من جانب قيادي حوثي، وهو رئيس المجلس السياسي الأعلى للحوثيين صالح الصماد، على صفحته على فيسبوك، والذي انتقد فيه تصريحات رئيس هيئة أركان القوات المسلحة الإيرانية، داعيا إياه إلى قراءة تاريخ المحاولات الفاشلة لاحتلال اليمن.
وأضاف الصماد، ” أنه مهما كان حجم التآمر والعدوان، ومهما كانت الإمكانيات العسكرية، والدعم الدولي واستطاع أن يحقق تقدما هنا أو هناك، برا أو بحرا أو جوا على حساب سيادة واستقلال اليمن، فإن ذلك لا يعني أن تراب اليمن ومياهه الإقليمية أصبحت مستباحة لمن هب ودب، ليتباهى أي طرف صديق أو عدو، متواطئ أو محايد، قوي أو ضعيف، بأن بإمكانه أن يجعل من أي شبر من أرض اليمن ومياهه وطأة قدم”.
تقية حوثية
تصريحات الصماد يراها البعض من المحللين بأنها نوع من أنواع التقية الحوثية، لكي لا يستثير بعض اليمنيين من العروبيين الذين كانوا مع المخلوع صالح، لافتا إلى أن كل الجزء الحوثي هو أصلا قاعدة برية وبحرية إيرانية الآن، والتحركات الإيرانية بالمنطقة لم تكن لتنجح لولا شوكة الحوثيين أنفسهم باليمن، فكيف لهم الآن أن ينتقدوا خطوة مثل هذه قد تشكل عامل حاسم في حربهم على الشرعية، وربما تمهد لهم العودة من جديد لاحتلال الجنوب اليمني والعاصمة المؤقتة عدن.
الرد الخليجي تأخر كثيرا ولم يظهر منه حتى الآن سوى بعض التصريحات الخجولة من الجانب الكويتي الأقل تضررا بين الدول الخليجية بعد السعودية والإمارات والبحرين وقطر على الترتيب،من التمدد الإيراني بمنطقة الخليج العربي والمحيط الهادي.
تصريحات الكويت على لسان نائب وزير الخارجية خالد الجارالله، جاءت محبطة، وتنم عن ضعف ووهن، أمام الهيمنة الإيرانية، حيث قال الجار الله في معرض تعليقه على تصريحات رئيس هيئة أركان القوات المسلحة الإيرانية محمد حسين باقري، بشأن القواعد بسوريا واليمن، إن “الجميع”.. يقرأ هذه التصريحات بالدعوة الى الحوار والتفاهم، والابتعاد عن مثل هذه التصريحات الاستفزازية، مضيفا، لسنا مع مثل هذه التصريحات، وإنما نريد تصريحات تقود إلى خلق أجواء ثقة وحوار!!.
سيناريوهات متوقعة
بعيدا عن الرد الخليجي المخزي والمبتور، يرى الخبراء أن التحركات الإيرانية لن تخرج عن سيناريوهين، أولهما هو أن تلك التحركات ستحفظ لطهران دور متوازن في البحر الأحمر، بالتواجد عسكريا لخنق مصر والسعودية، وستتحرك في هذا الاتجاه بدعم أمريكي، ربما ردا على استدعاء مصر للدور الروسي في المنطقة، والموقف الحالي للإدارة الأمريكية من المملكة، أما فكرة أن يثير ذلك أية أزمة مع حلفاء إيران بكل من سوريا واليمن فهي مستبعدة، لتوافق وجهات النظر، حتى أن الرفض الحوثي الظاهري يمكننا تفسيره، كما أوضحنا بأنه نوعا من أنواع التقية الشيعية، ليس إلا.
أما السيناريو الثاني فيقول بإن التحركات الإيرانية فقط مجرد ضغط سياسي على المملكة؛ للتراجع عن دورها بسوريا واليمن، لأن فكرة وجود قواهد إيرانية في اليمن يعني مواجهة مباشرة مع مصر، التي يتواجد أسطولها في باب المندب، والمواجهة لا تريدها إيران، ولا تستطيعها الآن، فيما لن تقبل تركيا على الجانب الآخر فكرة إنشاء أية قاعدة إيرانية بسوريا.
هنا يبرز سؤال آخر .. لماذا الآن جاء الإعلان الإيراني .. وماذا ستفعل دول الخليج؟
سؤال هام تتلخص إجابته في حقيقة أن التصريحات الإيرانية جاءت سريعا بعد توقعات بتخلي الولايات المتحدة الأمريكية عن حماية الممرات الدولية، بما فيها أمن الخليج، (وفق تصريحات ترامب الدفع مقابل الخدمات)، وهو ما جعل النظام الإيراني يبدأ بدراسة ردة الفعل الخليجي-الهادئة حتى الآن- للاستفزازات الإيرانية، كما يمثل ذلك أيضاً اختباراً لـ”ترامب” في الشرق الأوسط وردة فعله تجاه إيران، والتزامات الولايات المتحدة الأمريكية تجاه دول الخليج.
أما رد الفعل الخليجي فهو سيظل هادئا، قياسا على أن القوات المسلحة لدول الخليج مجتمعة بالإضافة لليمن، تملك بحرياً ضعيفاً، مقارنة بالدولة الفارسية، وبالتالي لن تكون هناك مواجهة إقليمية تذكر، لكن في المقابل لن تقدم طهران على خطوة كتلك دون ضمانة دور كافي للمسلحين الحوثيين ضمن سلطة القرار السياسي القادم في اليمن، لتأمين هذه الخطوة.