ترجمة وتحرير نون بوست
إن أولويات الرئيس الأمريكي الجديد، دونالد ترامب، تتمحور أساسا حول سياسة الولايات المتحدة الداخلية. كان شعار ترامب خلال حملته الانتخابية، “أمريكا أولا”، وهو ما اعتبره الجميع دعوة لعودة الولايات المتحدة الأمريكية إلى حقبة الثلاثينات والتقهقر نحو سياسة انعزالية جديدة، إشارة منه على عزمه على بناء الولايات المتحدة من جديد وإعادة أمجادها الضائعة.
وفي الإطار نفسه، فإن الأولية القصوى لترامب عالميا، هي القضاء على تنظيم الدولة. ولتحقيق أهدافه، يحتاج ترامب للتحالف مع الدول العربية والقبائل السنية، لدحر التنظيم وأخذ موقعه في الأماكن التي يسيطر عليها والتشكيك في مصداقيته. والجدير بالذكر أن غياب الدعم الذي ستقدمه الدول السنية لتدمير تنظيم الدولة في كل من الموصل بالعراق، والرقة في سوريا، يعني أن حرب ترامب ضد التنظيم ستكلفه ثمنا باهظا.
إن دور الدول السنية، في إعادة بناء وتركيز حكومات في المناطق التي سيتم إزالة تنظيم الدولة منها بقوة السلاح، يعتبر حتميا وضروريا لتفادي إعادة ترسيخ الظروف نفسها، التي تسببت في إقصاء السنة وقمعهم في كل من العراق وسوريا. وبالتالي منع زرع بذور تنظيم الدولة من جديد فيها .
قام كل من روسيا وإيران والنظام السوري بالتحالف لمقاومة تنظيم الدولة، وفي المقابل لم تقدر هذه الأطراف الثلاث على استيعاب حاجتنا لأهل السنة في المنطقة في معركتنا ضد التنظيم. في الواقع، إن فكرة التضامن الإيراني الروسي مع الأسد انجرت عنها فظائع عديدة، فإيران التجأت لسياسة إقصائية وطائفية. وفي الوقت نفسه، وجه نظام الأسد مدافعه نحو أهل السنة بالأساس، بينما تنفذ روسيا يوميا حملات جوية لقصف حلب والعديد من المدن السورية وتحويلها إلى خراب. كل هذه الإستراتجيات الحربية ساهمت بالأساس في تنفير العديد من الشركاء السنة في المنطقة، والذين نحتاجهم بشدة في الحرب ضد تنظيم الدولة.
ومن المهم جدا، أن نشير إلى أن منطقة الشرق الأوسط تتعرض لخطر محدق بسبب الصراع الذي تخوضه الدول العربية السنية ضد الإيرانيين والميليشيات الشيعية، في كل المناطق التي تشهد توافدا للقوات الشيعية الموالية لإيران. للأسف الشديد، فإن روسيا تدعم وبشدة الوجود الإيراني الشيعي في المنطقة.
إذا كان دونالد ترامب صادقا في نواياه لتدمير تنظيم الدولة، فإنه بحاجة لإيجاد طرق مختلفة لإقناع الدول السنية لكي تضطلع بدور أكثر فاعلية في الحرب ضد التنظيم. وتجدر الإشارة إلى أن الدول العربية ليست غافلة عن الخطر الذي يمثله تنظيم الدولة في المنطقة ولكنها ترى الوجود الإيراني بمثابة تهديد دائم للمنطقة.
يدّعي تنظيم الدولة أنه دولة مستقلة بذاتها ويتوهم خلقه لدولة الخلافة وحكمه لها، ولكن في الحقيقة فإن التنظيم ليس دولة، وليس مدعوما من قبل أي دولة أخرى. في المقابل، فإن إيران دولة تسعى لفرض هيمنتها على المنطقة من خلال استخدامها للميليشيات الشيعية بهدف إضعاف هيكلة الدول العربية في منطقة الشرق الأوسط.
من المهم جدا أن تفهم الولايات المتحدة الأمريكية ما يمثله الخطر الإيراني بالنسبة للأنظمة السنية، حيث أنه لطالما أحس القادة السنيين خلال الفترة الرئاسية لباراك أوباما، أن الرئيس الأمريكي يتعامل مع إيران كجزء من الحل في المنطقة وليس كجزء من المشكلة.
أما فيما يتعلق بالرئيس الجديد، فإن دونالد ترامب قد صرح في العديد من المناسبات خلال حملته الانتخابية أن الاتفاق النووي هو أكبر كارثة وتوعد باتخاذ إجراءات حاسمة، ولكن المرشح الرئاسي آنذاك لم يقدم أي إشارات حول سياسته المستقبلية ضد أنشطة إيران التي تهدف لزعزعة الاستقرار في المنطقة. أما الآن، ومع تولي ترامب للسلطة في الولايات المتحدة الأمريكية، فإن قادة الدول العرب يأملون أن ينفذ تهديداته الصارمة لمواجهة الخطر الذي تمثله إيران في منطقة الشرق الأوسط.
الآمال المعلقة حول تدخل ترامب الفعلي في المنطقة لمواجهة إيران، وهو ما من شأنه أن يعطي الرئيس المنتخب مزيدا من النفوذ في التعامل مع شركائه التقليدين في المنطقة، بما في ذلك تركيا. من هذا المنطلق، يمكن لترامب أن يخبر قادة الدول السنية، أنه جاهز لبذل كل طاقته وإمكانياته لمواجهة إيران والميليشيات الشيعية في مقابل أن يلتزموا بتقديم اقتراحات حول كيفية تدخلهم لمحاربة تنظيم الدولة.
هل سيساهمون بتقديم مساعدات عسكرية أم قوات خاصة في أرض المعركة؟ هل سيساعدون في تسليح وتمويل العشائر السنية؟ هل سيساهمون في تمويل إعادة إعمار كل من الموصل والرقة؟ وهل سيوفرون الدعم الكافي والمستمر لأنظمة الحكم وعمليات المصالحة في هذه المناطق؟
من جهتهم، سيقيّم قادة الدول السنية في منطقة الشرق الأوسط مدى تفهم الرئيس الجديد لعمق المشكلة التي تمثلها إيران من خلال تعاطيه مع الشأن السوري. في حال قدم ترامب دعمه ومساندته لروسيا وحزب الله والأسد في سوريا، فإن ذلك سيكون بمثابة امتدادا لسياسة باراك أوباما، التي ولدت حالة قلق كبير تجاه الولايات المتحدة الأمريكية وحقيقة توجهاتها في منطقة الشرق الأوسط.
وبالتالي، سيتأكد قادة الدول السنية أنه في أحسن السيناريوهات سيقوم ترامب بالانسحاب من الصراع القائم حول السيطرة على ميزان القوى في المنطقة، مما سيدفعهم إلى المضي قدما في خوض معركتهم على طريقتهم الخاصة، ونتيجة لذلك سيخسر ترامب جزءا كبيرا من نفوذه على شركائه السنة.
ستحمل الأيام المقبلة الكثير من المعطيات الجديدة حول السياسة الخارجية للرئيس المنتخب، وليس هناك أدنى شك أنه صادق في مساعيه لتدمير تنظيم الدولة، ولكن نجاحه في المهمة يعتمد بالأساس على تحديده للقادة العرب الذين يمكنهم المشاركة في تحقيق أهدافه.
إن اعتماد ترامب على بوتين والأسد قد يحقق له أرباحا نسبية وقصيرة المدى ولكن من المؤكد أن الإدارة الجديدة ستضطر للتعامل مع ظهور تجسيد جديد لتنظيم الدولة خلال الولاية الأولى لترامب.
المصدر: صحيفة التلغراف