في 28 نوفمبر أعلن رسميًا في صنعاء عن تشكيل حكومة وحدة بين الحوثيين وصالح، بعد شهر و 26 يومًا منذ تكليف صالح بن حبتور لتشكيل الحكومة، في خطوة تبدو أنها تمثل عقبة إضافية أمام جهود السلام التي ترعاها الأمم المتحدة في البلاد.
وجاء إعلان حكومة الإنقاذ الوطني (حكومة صنعاء) بعد أن رشح المؤتمر الشعبي العام الذي يتزعمه الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح أعضاء من حزبه لشغل وزارات ” الدفاع والخارجية والداخلية والإدارة المحلية والأوقاف والاتصالات والتعليم المهني والفني والتعليم العالي والزراعة والثقافة والأشغال والنفط والمغتربين والصحة والشؤون الاجتماعية والعمل والتخطيط وشؤون مجلسي الشورى والنواب”.
ويبدو أن صالح فرض رأيه بقوة في هذه الحكومة من خلال سيطرته على أهم وزارة في الوقت الحالي “الدفاع” بعد الشائعات التي تحدثت عن محاولة الحوثيين السيطرة على وحدات النخبة العسكرية الموالية لصالح والحرس الجمهوري، وهو ما يؤكد أنه يشكل معادلة صعبة في الصراع اليمني مهما حاولت أطراف الصراع في اليمن على تجاهله.
وقبل ذلك رفض صالح أي خطوة من شأنها الإعلان عن الحكومة المعلنة بدون ما يتم تنفيذ بنود اتفاقه مع الحوثيين في يوليو الماضي في تأسيس “المجلس السياسي” الأعلى والتي تنص على إلغاء الإعلان الدستوري للحوثيين وإعادة العمل بالدستور اليمني، وكذلك إعادة المؤسسات الشرعية (مجلسي النواب والشورى) وانسحاب اللجان الثورية من الوزارات والنقاط الأمنية، وإسناد المهمة للجيش اليمني، وهو ما لم تنفذه لجان الحوثي الثورية حتى بعد الاتفاق بشهر كامل.
لكن مع إصرار صالح على تنفيذ الاتفاق حرفيًا، إضافة لوضع شروط إضافية والتي تمثلت في إخلاء جميع المؤسسات من اللجان الثورية بشكل كامل وعدم تدخلها في أعمال أي مؤسسة، وأن تكون إيرادات البنك المركزي قانونية دون تدخل المشرفين الحوثيين، وأن إجراءات الصرف من البنك حسب النظام والقانون، إضافة إلى أن تعمل القيادات السيادية وخاصة العسكرية منها تحت قيادة منتسبيها حسب الكفاءة والنظام المعمول به في المؤسسة العسكرية والأمنية، رضخت الجماعة الحوثية له، وبذلك رأت حكومة صنعاء النور.
الحوثيون بدورهم حصلوا على حقائب “المالية والمدنية والعدل والشباب والرياضة والإعلام والمياه والكهرباء والسياحة والثروة السمكية وحقوق الإنسان والتجارة والصناعة والشؤون القانونية والتربية والتعليم ووزارة مخرجات الحوار الوطني”.
ومن خلال ذلك، يتضح أن الحوثيون بنيلهم الحقائب آنفة الذكر، فهم يسعون بعد المال، وتربية النشء على النهج الطائفي، فوزارات المالية والكهرباء والسياحة والثورة السمكية والصناعة، وزارات أموال، إضافة إلى ذلك قد يستفيد منها الحوثيين في ابتزاز الوزارات الأخرى التابعة للمؤتمر الشعبي العام ومنعهم من تسليم رواتبهم، وأيضًا وزارة التربية والتعليم، ستعمل الحركة الحوثية على تربية الأجيال اليمنية في المناهج الدراسية بحسب أهوائها وطموحاتها المستقبلية.
حكومة حرب
وإجمالًا لهذه الحكومة والنظر إلى أسماء الشخصيات التي أوكل إليها الحقيبة الوزارية، فقد اعتمد المؤتمر الشعبي العام وحلفائه، والحوثيين على ترشيح أهل الثقة وتفضيلهم على أهل الكفاءة، فضلا عن أنه تم اختيار وزراء ومسئولين قبليين من أهل الشخصيات التي تتمتع بنفوذ قبلي كبير لدى القبائل اليمنية في الشمال والجنوب.
تشكيل الحكومة يُنذِر بتغيرُات كثيرة مُقبلة، وبالأخص في ظل رفض الرئيس اليمني، عبده ربه منصور هادي، لأكثر من مُبادرة، ما يعني سد أي مجال أمام حوار سياسي بين حكومة هادي والحكومة الداخلية (حكومة صنعاء)، كما يُعد تصعيدًا عسكريًا ضد المملكة العربية السعودية.
ويدل ما تحدثنا عنه آنفًا دقة اختيار الشخصيات الذي يبدو أنه موفق وفيه قراءة سياسية بعناية وحنكة بالغة في اختيار لمن لهم ثقل قبلي واجتماعي كبير في هذا التوقيت بالذات.
تحالف الحوثي وصالح يدركون جيدًا أن التشكيل الحكومي الداخلي لن يحظى بأي اعتراف دولي، لكن ذلك يمثل قيمة معنوية وعسكرية لأنصارهم وقواتهم في جبهات القتال، إضافة إلى أن عمل هؤلاء الوزراء هم حشد القبائل والتأثير فيها لاسيما تلك التي رفضت الاستجابة للنفير العام ورفد الجبهات الداخلية بالمقاتلين أو من فضلت الحياد، وبعضها أعلن الصمت، ولهذا يستطيع أعضاء الحكومة الجديدة تغيير موقفهم وضمهم إلى تحالفهم، وهذا ما يعني أن الحكومة المشكلة “حكومة حرب”.
ذلك الاختيار على عكس التعيينات التي يعلن عنها الرئيس اليمني عبده ربه منصور هادي المدعوم دوليًا، فهو في اختياراته يختار المقربين له، وتلك الشخصيات التي ليس لها أي ثقل سياسي أو قبلي أو اجتماعي، وهذا سبب ضعفها، وعدم قدرتها على حسم المعركة عسكريًا منذ أكثر من 20 شهرًا بالرغم أنها تحظى بمساندة جوية منقطة النظير.
نسف جهود السلام
وبهذه الخطوة، يصبح في اليمن حكومتان، واحدة شرعية ومعترف بها دولياً هي حكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي، التي يترأسها أحمد عبيد بن دغر وتتنقل بين الرياض والعاصمة المؤقتة عدن، وأخرى تتبع “الحوثيين” و”صالح”، ولا تحظى بأي اعتراف دولي.
وقد تتسبب هذه الخطوة في نسف جهود الأمم المتحدة لإحلال السلام واستئناف المشاورات بين أطراف النزاع في البلاد، وتصعيد عسكري شديد لم يحدث من قبل، لاسيما الحدود المشتركة بين اليمن والسعودية، وربما قد يتخذ قرار اجتياح بعض المحافظات السعودية التي باتت محاصرة من كافة الاتجاهات، وهو ما قد يجبر الرياض بالحوار المباشر مع حكومة صنعاء والتخلي عن حكومة المنفى.
ردود فعل
لم نشهد ردود فعل قوية تجاه إعلان الحوثيين وصالح عن “حكومة الإنقاذ الوطني” سوى الرئاسة والحكومة اليمنية، وأمين عام جامعة الدول العربية، ومجلس التعاون الخليجي بدون عمان، إضافة إلى التعاون الإسلامي.
إضافة إلى تلك الجهات والشخصيات كان رد فعل كل من المبعوث الأممي إلى اليمن، والسفير البريطاني إلى اليمن واحد، معتبرين أن إعلان تشكيل الحكومة يعقد من عملية السلام في اليمن.
ووصفت الرئاسة اليمنية هذه الخطوة تدمير للحوار والسلام في اليمن والاستمرار في نشر الفوضى.
وهددت الرئاسة كل من اشترك في الانضمام لما للمجلس السياسي أو حكومة صنعاء بمتابعتهم قانونيًا ومحاسبتهم باعتبارهم شركاء فاعلين في “العملية الانقلابية”.
وعبرت دول مجلس التعاون الخليجي عن قلقها البالغ من إعلان الحوثيين وصالح هذه الحكومة.
وقال الزياني في بيان صحفي إن “دول المجلس ترفض رفضاً قاطعاً تشكيل حكومة “الحوثي وصالح” في اليمن، معتبرا حكومة الرئيس عبدربه منصور هادي هي الحكومة الشرعية دستورياً وقانونياً، والتي تحظى باعتراف الجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي والأمم المتحدة.
وفي السياق نفسه، ندد أحمد أبو الغيط، الأمين العام لجامعة الدول العربية، بإعلان عن تشكيل جماعة الحوثي وصالح عن أعضاء حكومة إنقاذ وطني.
ووصف أبو الغيط إجراء الحوثيين بأنه عار من الشرعية، ويُمثل امتدادًا للنهج “الانقلابي” الذي لا يُريد الحوثيون التخلي عنه.
منظمة التعاون الإسلامي، أيضًا أدانت إعلان تشكيل حكومة “إنقاذ وطني” في اليمن، وأكدت رفضها التام لهذه الحكومة التي اعتبرتها غير الشرعية.
وأول موقف غير عربي، وحيدًا قال السفير البريطاني لدى اليمن إدموند براون إن خطوات الحوثيين في تشكيل حكومة في صنعاء غير مقبولة وإنها ستأخذ اليمن بعيدا عن السلام، داعيًا طرفي صنعاء التمسك بوعودهم وتجنب اتخاذ إجراءات من جانب واحد والانخراط مع الأمم المتحدة.
المبعوث الأممي إلى اليمن، أدان ذلك واعتبره انكسار للعملية السياسية، وإضافة عقبة جديدة أمام عملية السلام في اليمن.
إدانة مجلسي التعاون الخليجي والإسلامي وأمين عام جامعة الدول العربية، يبدو أنها أوامر سعودية لا أكثر وجاء رد ذلك كمجاملة لها، لكن موقف المبوعث الأممي إلى اليمن والسفير البريطاني إلى اليمن، يبدو أنه برتوكوليًا لا أكثر، إضافة إلى ذلك فإن الرد الأممي والحكومات الغربية غاب تمامًا، ولن يحرك ساكنًا، وهذا يوحي إلى أن هناك رضاء غربي وضوء أخضر للإعلان عن حكومة صنعاء بعد رفض هادي مبادرتين (المبعوث الأممي أثناء المباحثات اليمنية في الكويت، والأخيرة مبادرة جون كيري)، واستمرار ذلك الصمت من عدمه يعتمد على تحرّك الدبلوماسية السعودية، وقدرتها على إقناع عدد كبير من الدول لإدانة مثل هكذا خطوة أقدم عليها أحد أطراف النزاع اليمني من جانب واحد.
أما الرئاسة اليمنية وحكومتها المدعومتان دوليًا، اتخذا طابع التهديد والوعيد، وهو لا يجدي في الحالة اليمنية، وإنما يحتاج إلى ابتكار خطوات جديدة مشجعة لشخصيات من أجل الانضمام إليها وإعلان الانشقاق عن جماعة صالح والحوثي، على غرار القرار الذي اتخذه “المجلس السياسي الأعلى” في إصدار عفو عام وتشكيل لجنة لتنفيذ هذا القرار، فالأخير يعمل على استقطاب مؤيدين للحكومة، بينما الحكومة تعمل على التهديد والوعيد.
إن نجاح “حكومة الإنقاذ الوطني” التي شكلها تحالف الحوثي وصالح، مرهون بانسحاب المشرفيين ولجانهم الثورية من الوزارات والمؤسسات الحكومية ومن المعسكرات وأقسام الشرطة.
الخلاصة
خلت حكومة صنعاء من غالبية الشخصيات التي لها كفاءة في الإدارة، واعتمد فقط على أهل الثقة والثقل القبلي والاجتماعي، يبدو أن الاختيار ذلك جاء من أجل الحشد القبلي لترجيح كفة المعركة، وهو ما يعني أنها “حكومة حرب”، يُنذِر ذلك بتغيرُات كثيرة مُقبلة، لاسيما وأن الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي رفض أكثر من مُبادرة تدعو لتقليص صلاحياته، ويعني ذلك أيضًا سد أي مجال أمام حوار سياسي بين حكومة هادي والحكومة الداخلية، كما يُعد تصعيدًا عسكريًا ضد المملكة العربية السعودية.