بُني إنستغرام على فكرة اقتطاع جزء صغير من صورة كاملة والتركيز عليها أو هكذا كان في البداية، قبل أن يتحول إلى منصة يتطاحن فيها المستخدمون للوصول إلى القمة أو للوصول إلى ما ظنوه الكمال في عالم مواقع التواصل الاجتماعي، ليتحول إنستغرام لمنصة تعرض الفاتنات خبيرات التجميل، وكذلك خبيري كمال الأجسام يعرضون أجسامهم النصف عارية من أجل الافتخار بما أنجزوه في حياتهم مؤخرًا، ألا وهو تسليع أنفسهم.
من الممكن أن نوصف نسبة كبيرة من مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي بأنه تم غسل أدمغتهم، فكل صورة يتم نشرها على تلك المواقع غرضها هو تسليع أنفسهم وليس إبراز المعني الكمالي فيها، لا سيما تكرار صور السيلفي الخاصة بهم بشكل غير مفهوم، ليتحول إنتسغرام من منصة خاصة بالصور تبرز المعني الجمالي في تفاصيل الصور التي تقتطع تلك التفاصيل من مشهد أكبر، إلى أداة لتسليع المنتجات وكذلك البشر.
يمكن لشركات التجميل تأجير الفتيات الحسناوات شديدات النحافة وفاتنات الجمال من أجل عرض منتجاتهم التجميلية أو من أجل تسويق مساحيق التجميل المختلفة، كما يمكنهم استخدام إنستغرام كوسيلة سريعة وفعالة في الوصول لشريحة كبيرة من المستخدمين التي يغلب عليها الشباب والمراهقين لتبرز لهم الحقيقة التي يريدون منهم أن يروها، فلا أحد يرى الصورة الكاملة أبدًا على إنستغرام، ولا أحد يهتم بمعرفة الكواليس.
هل هذا ما صُنع إنستغرام من أجله بالفعل؟
انتشرت موجة من التمرد بين كثير من عارضات الأزياء في الشركات التسويقية مؤخرًا على إنستغرام، يبرزن فيها كواليس الصور المأخوذة لهن على الموقع، معترفات بأن ما يحدث هو بالفعل ما تريد الشركة للجماهير أن تراه، مجرد كتلة من الحقائق المصطنعة والمفبركة تريد من المستخدم أن يضغط زر إعجاب ومن ثم يذهب للصفحة الرئيسية لشراء بعض المنتجات، متناسيًا تمامًا ما قد يحدث من أفعال غير إنسانية للأيقونات التي يتم تصويرها على تلك الصفحات.
ليس ما سبق هو حقدًا على إنستغرام؟، فعلى الرغم من انتشار ذلك الكمال الزائف علي أغلب صفحات إنستغرام، وانتشار تأثيرهم على المستخدمين من تلك الشريحة التي تظن أن هذا ما يجب أن يكون المرء عليه، أن يكون شديد الجمال أو شديد النحافة أو مسافرًا مرتحلًا من أجل أن يصور نفسه مع أهم المعالم السياحية فقط لا غير، إلا أن في الواقع الحقيقة تكمن خلف تلك الصورة الوهمية، بل تبعد عنها كل البعد.
هؤلاء يمكنهم تغيير فكرتك عن إنستغرام
من أجل أنسنة إنستغرام من جديد، يستخدم هؤلاء إنستغرام كأداة للترويج لصور لأفكار وموضوعات إنسانية، على عكس تمامًا ما سبق، يقوم بعض من المصورين وأعضاء المؤسسات غير الربحية، وبعض من المستخدمين المستقلين للتطبيق بحملات يمكننا وصفها بأنها حملات مضادة للأغراض الترويجية لكل ما هو يتعلق بمركزية الفرد حول نفسه، من أجل هدف أسمى وهو عدم الانعزالية والتعاطف مع من هم أضعف ومن هم في حاجة للمساعدة، بل مزيد من الاهتمام للقضايا الكونية حولنا.
1- عمال الخليج يتحدثون عن فلسفة الشقاء والهجرة على إنستغرام
يأتي المصوّر “ماجد الأهدل” ليجدد عادة الشعراء في استخدام التعابير البلاغية، ولكن بتقنيات عصر التكنولوجيا الحديث، مستخدمًا آلة التصوير الاحترافية خاصته، ليسجل بلاد هؤلاء البسطاء في صوره، وأحاديثهم عن رحلتهم في طلب الرزق وحنينهم لبلادهم وحياتهم البسيطة قبل المجيء للعمل في بلاد الخليج، وحياتهم المغتربة في بلاد غريبة فتحت أبوابها إليهم، ليتحول حساب ماجد الأهل على إنستغرام إلى منصة تعرض قضية إنسانية بطريقة بلاغية، يمكن للمرء فيها أن يفتح المجال لقراءة تجارب غيره من المغتربين في بلاد أخرى وربما في بلاده.
“أنا خريج كلية العلوم، ساعدني ذلك في التعامل مع كثير من الجراثيم التي أقابلها كل يوم، مديري، العملاء غير المهذبين، أعمل مشرفًا على العمّال في شركة مقاولات، ولا شأن لشهادتي – كما تلاحظ – في تحديد هذه المهنة، عضّ الجوع بطني بعد الجامعة، ولكن على أية حالٍ، أنا هنا”.
2- أطفال سوريا: ضوضاء الحرب ستخرسنا كلنا!
“حسّان حجازي”، مصوّر في “savechildren” في الأردن، يصور على حسابه الأطفال السوريين من مخيم الزعتري، يروي رواياتهم الخاصة وشهادتهم عن الحرب، يكتب هنا عن الطفل “أيمن” متابعًا بأن أيمن عمره خمس سنوات، لم ير ويعرف في حياته سوى الحرب، حيث يصف الحرب بأنها ما تخمد فرحة الأطفال للأبد، لتستبدلها بضوضاء الحرب المستمرة، التي لم يستطع “أيمن” أن ينام بسببها طول الليل.
ربما يكون مصدرنا عن أخبار سوريا حاليًا هي محطات الإعلام، التي لا تهدأ من بث الأخبار المباشرة، ونشر صور الموتي هنا وهناك بين أحياء حلب، يمكن لبعضنا أن يتجاهل عديد من الصور خشية أن تكون ذات محتوى دموي يؤذيه، إلا أن في خضم كل ما سبق، ربما نغفل عن سماع شهادات من يعيشون تلك الحرب بالفعل، ماذا يقولون عنها، وكيف يراها الأطفال بعيونهم، حسان حجازي يقوم بتصوير تلك المشاهد الحياتية بالفعل على حسابه على إنستغرام، ليعرض القصة من جانب آخر ربما تغفله أغلب وسائل الإعلام التي تهتم بتغطية الحدث الأكبر.
3- أصدقاء للبيئة وللناس على إنستغرام
لم أكن أتخيل مدى التأثير الذي يمكننا تقديمه لمساعدة الأطفال إلا مثل رؤيتي لهذا الطفل، حيث كتبت “رايتشل” وهي ناشطة في حقوق الإنسان من نيوزلندا، أنها لا تصدق بأن هذا الطفل الموجود أمامنا في الصورة كان يعاني من سوء في التغذية قبل بضعة أشهر، التقطت رايتشل تلك الصورة من إحدى دورات التغذية في نيبال التي قامت على تعليم الأمهات طريقة الطهي الصحية المناسبة لتغذية الأطفال.
4- ليس كل ما على إنستغرام فاتن الجمال!
ليست “توريا بيتي” مثال الفتاة الشجاعة التي استطاعت النجاة من حريق أصاب 70% من جسدها وتركها في غيبوبة لمدة طويلة بعد الإصابة، وليست فقط من أكثر المتحدثات المحفزات للنجاح في الملتقيات العامة، ولكنها أيضًا تمثل نموذجًا من أحد أكثر النماذج واقعية في عالم إنستغرام الافتراضي نسبيًا.
كما هو الحال مع أغلب جيل الشباب، تستخدم بيتي مواقع التواصل الاجتماعي، وقررت أن تكون إضافة إيجابية في حياة الناس عن طريق حسابها على إنستغرام، ولكن ليس بنشرها لصورها وهي تضع مساحيق التجميل من أجل المنافسة بين صاحبات الحسابات الأخرى، بل عن نشرها لصورها الواقعية بالفعل.
تقول “بيتي” في تقرير موقع ماشابل بأنها تحب أن يعكس حسابها على إنستغرام شخصيتها الحقيقة، فإن أعجبت الناس، سيكون ذلك ممتعًا لها بالتأكيد، إلا أنها لن تقوم بتغيير شخصيتها الحقيقية من أجل السير مع التيار ومن أجل أن ترضي الغير.
“لا تقارنوا أنفسكم بالغير”، حيث تتابع بيتي في حديثها مع موقع ماشابل بأن كل ما نراه على مواقع التواصل الاجتماعي هو من وحي اختيارنا، نحن من نصنعه ونريد للجماهير رؤيته، وهو ما لا يجعله يتسم بكثير من الواقعية.
لا تنس نفسك لتجدها تسير مع التيار، وتحاول جاهدة المواكبة مع من يسبقونها يوميًا، حاول أن تعيد حساباتك في كل مرة تنشر فيها صورة لك أو خبر أو منشور عادي، من أجل أنسنة أنفسنا من جديد على تلك المواقع، ففي النهاية نحن لسنا روبوتات لا بد لها من التقليد فحسب!