“لمن يسأل عن حلب الآن، جثث الشهداء النساء والأطفال والشيوخ في الشوارع، ولا أحد يقدر على انتشالها أو دفنها بسبب القصف العنيف المستمر، أذاق الله ويلات ما يجري في حلب كل من خذلها”.
بهذه الكلمات القصيرة، يلخص مراسل “الجزيرة” عمرو حلبي، ما يحدث في حلب من مجازر يومية، نتيجة الغارات العدوانية لروسيا والنظام، وذلك كله من أجل إعادة أحياء حلب إلی حضن نظام أقل ما يوصف بأنّه مجرم وسفاح.
توضح آخر المآسي القادمة من حلب وقوع مجزرة مروّعة بحق نازحين معظمهم من النساء والأطفال، كانوا علی وشك مغادرة الأحياء المحاصرة، بحثًا عن حياة تليق بهم فاختارهم الله إلی جواره، بينما بقيت حقائبهم متناثرة في مسرح الجريمة وحوله، مع دموع تشيعهم علی وقع الدخان المتصاعد بسبب القصف المستمر.
لا يجد النظام السوري خجلًا في نفسه عندما يستدعي الخارج لتطهير حلب من سكانها الأصليين، وقتلهم بطرق بشعة بعد فشله في التقدم بريًا، كما أنّه لا يجد حرجًا في استهداف النازحين الذين قرروا الهرب من نيرانه، ليؤكد لهم أن القتل هو الخيار الوحيد أمامهم، لتسقط بذلك كذبة الممرات الآمنة التي طالما رددها كثيرًا، وروجها عبر وسائل الإعلام، لنكتشف، مثل كل مرة، أنها إسطوانة مشروخة لا أكثر.
فصائل الثورة المسلحة التي تخوض صراع وجود مع قوات النظام في أكثر من مكان، وعلى الرغم من النجاحات التي حققتها في حلب ومناطق أخرى قبل أشهر فإنها تفتقر للروح الجماعية والعمل بشكل موحد، بعيدًا عن المسميات الفصائلية، ولم تستجب حتی اللحظة لطلب الشارع السوري بضرورة الاندماج ونبذ التفرق الذي تسبب بخسائر متتالية، دفع ثمنها الشعب السوري وثورته المباركة التي يراد لها أن تنتهي خلف مسمياتٍ متعدّدة، وما يحدث في حلب من مجازر يومية كان كافيًا لأن تعلن الفصائل الثورية حل نفسها، وتشكيل جيش حلب في خطوةٍ تعكس رضوخها لمطالب أبناء حلب، وهي خطوة في الاتجاه الصحيح، وإن جاءت متأخرة، والأهم أن تتحقق هذه الخطوة عمليًا في الواقع.
يوم تلو آخر تتساقط إنسانية العالم في حلب، وتتكشف الحقائق التي لا تزال تتوالی، وما كان خافيًا عن تورط الجيش المصري في مساندة النظام ضد مواطنيه كشفه عبد الفتاح السيسي بصراحة، متفاخرًا بما يقدّمه من دعم “للجيوش الوطنية” حسب وصفه، ووفقًا لمعياره الخاص في ذلك.
علی مدی إسبوعين متتاليين، تعيش مدينة حلب في أخدود ومحرقة زاد من اشتعالها الصمت المطبق لمليار ونصف المليار مسلم، وحكوماتهم التي تجيد لغة الاستنكار وتتقنها كما تتقن لغة القوة لمعارضيها، كما يفعل طاغية دمشق المدعوم دوليًا.
لا تكفي الكلمات لتعبر، والدموع لا تجدي نفعًا، والمستغيث بالعرب كالمستجير من الرمضاء بالنار، فالأرض وسكانها لم تعد تتسع لصرخات حلب، والسماء تمطر قذائفها لتدمّر ما تبقّی، وتقتل من قرر البقاء، ومن قرر الخروج يقتل بدم بارد لتتطاير أشلاؤه وتجمع، علها تجد مقبرة، هذا إن وجدت كفنًا يحتويها، أما العزاء فلا تحتاجه حلب وأبناؤها، بقدر ما تحتاجه إنسانية العالم التي فقدت في سورية، ومن يتحدث عن سقوط حلب فهو ساقط أخلاقيًا، لأن حلب ستبقى أيقونةً حيةً، تؤرخ لحقبة مهمة من التآمر على الشعب السوري.