أجرى الرئيس الأمريكي الجديد ترامب اتصالًا هاتفيًا برئيسة تايوان تساي إنغ وين وهو الأول من نوعه منذ العام 1979 بعدما اعترفت الولايات المتحدة بجمهورية الصين الشعبية وقطعت العلاقات الدبلوماسية مع تايوان.
وذكر بيان صادر عن مكتب الرئيس ترامب أن الزعيمين أكدا على الروابط الاقتصادية والسياسية والأمنية بين البلدين، مشيرًا إلى أن ترامب وإنغ وين “تبادلا التهاني بفوز كل منهما بالانتخابات الرئاسية في تايوان وأمريكا”.
بداية حرجة للصين
تشكل تايوان عقبة في مسار العلاقات الثنائية بين الولايات المتحدة والصين وظلت تشكل دائمًا عامل توتر دبلوماسي بين البلدين بسبب العلاقات القوية التي تربط واشنطن بتايوان نكاية بالصين.
وتستند واشنطن إلى القانون الصادر من الكونجرس الأمريكي عام 1979 تحت مسمى “قانون العلاقات مع تايوان” حيث التزمت الولايات المتحدة بموجبه بالوقوف إلى جانب تايوان ودعمها في جهودها الهادفة لتعزيز قدراتها على صعيد الدفاع عن نفسها ضد الصين التي تعتبر تايوان جزءًا لا يتجزء من أراضيها ولا تزال تسعى لإعادتها.
تايوان لم تتجرأ على إعلان استقلالها عن الصين منذ انفصالها عنها بعد حرب أهلية في العام 1949 حيث بقيت منذ ذلك العام تتصرف بوصفها دولة مستقلة وذات سيادة ووقعت مع الولايات المتحدة عام 1953 معاهدة الدفاع عن تايوان ضد أي عدوان خارجي، بينما دعمت الولايات المتحدة استقلالها خوفًا من تنامي النفوذ الصيني في غرب المحيط الهادئ.
رئيسة تايوان تساي إنغ لين تتلقى اتصالًا من الرئيس الأمريكي المنتخب ترامب
وفي نفس السياق عملت الولايات المتحدة في فترة حكم الرئيس ريتشارد نيكسون ونظيره الصيني ماو تسي تونغ على دعم سياسة الصين الواحدة في سبعينيات القرن الماضي واعتراف رسمي من الولايات المتحدة ببكين في العام 1978 وإغلاق سفارة الولايات المتحدة في تايوان في العام 1979.
وترى الصين الموقف الأمريكي من قضية تايوان أنه تدخل في شؤون الصين الداخلية التي انتهجت سياسة الصين الموحدة وشددت على أن تايوان إقليم منفصل ومتمرد على الوطن الأم ويشكل جزءًا لا يتجزء من أراضيها كما هو شأن الأقاليم المختلفة مثل هونج كونج التي عادت للسيادة الوطنية وماكاو والتيبت وكسنجيانج.
لذا فإن اتصال ترامب الهاتفي بإنغ وين ينذر بتصعيد الخلافات الأمريكية الصينية، وإثارة غضب بكين، التي أعلنت فور صدور بيان مكتب ترامب الرئاسي على لسان وزير الخارجية الصيني وانغ لي أن مكالمة ترامب مع رئيسة تايوان “عمل تافه ومناورة من كيد تايوان”.
مسألة تايوان هي المسألة الجوهرية الأكثر حساسية والأكثر أهمية في العلاقات الصينية الأمريكية
إذ يعتبر الاتصال بحد ذاته دون النظر إلى مضمونه خرقًا من الدبلوماسية الأمريكية الجديدة والتي تعتمدها من عقود في تعاملها مع كل من تايوان والصين، وهو ما من شأنه إثارة حنق وغضب الصين.
فالبيت الأبيض الذي لا يزال برئاسة أوباما استغرب الاتصال المفاجئ لترامب وأشار أن إدارة الرئيس الحالي أوباما لم تعلم بالمحادثات بين ترامب وإنغ وين إلا بعد حصولها وأبدت خشيتها من رد فعل دبلوماسي صيني قوي سيعقد الموقف المتأزم أصلاً بين واشنطن وبكين.
لم يتأخر رد إدارة ترامب كثيرًا على تصريحات الخارجية الصينية التي وصفت الاتصال بالتافه، ففي مقابلة مع قناة سي إن إن الإخبارية قالت المتحدثة باسم ترامب “كيليان كونواي” إن الرئيس المنتخب “يعرف جيدًا” ما هي السياسة الأمريكية بشأن تايوان، وهو أي الرئيس ترامب على “اطلاع تام ومعرفة كاملة بهذه القضايا، بصرف النظر عمن هو الطرف الآخر في المكالمة”.
وزير الخارجية الصيني وانغ لي يصف اتصال ترامب بتايوان بالعمل التافه
وعلقت غرفة التجارة الأمريكية في الصين اليوم السبت على الاتصال، إذ ذكرت أن الإدارة الأمريكية الجديدة برئاسة ترامب ما زالت قيد تشكيل مواقفها، ولكن يتعين عليها الإلمام بسرعة بالتوترات التاريخية.
وذكر البيان الصادر عن الغرفة أن “الرئيس المنتخب لم يتول منصبه بعد، وما زال يشكل مواقف بشأن قضايا واسعة النطاق، لذلك فإننا لا نعطي اهتمامًا كبيرًا لأي عمل أو تصريح معين خلال هذه العملية”.
وقال البيان: “غرفة التجارة تؤيد منذ فترة طويلة الحفاظ على الاستقرار في المنطقة، ونتوقع أن تحترم الإدارة الجديدة الوضع القائم، الشركات الأميركية التي تعمل في آسيا تحتاج إلى اليقين والاستقرار، والإدارة الجديدة تحتاج لأن تلم بسرعة بالتوترات التاريخية والآليات المعقدة للمنطقة”.
الجدير بالذكر أن ترامب سبق وأن أعلن مرارًا في حملته الانتخابية عزمه إلغاء الاتفاقات التجارية بين الصين والولايات المتحدة التي يعتبرها “مجحفة ولا تحقق المصالح الأمريكية”.
خلاصة القول إن قضية تايوان احتلت طول الأعوام الماضية اهتمام الحكومة الصينية التي وضعت قضية صين واحدة على رأس اهتماماتها، وعلى النقيض بقيت الولايات المتحدة تتخذ من هذه القضية وسيلة للتدخل في شؤون الصين الداخلية للصين وزعزعة استقرارها والحد من زيادة نموها الاقتصادي حيث أصبحت ثاني أكبر اقتصاد في العالم.
البيت الأبيض استغرب الاتصال المفاجئ لترامب وأشار أن إدارة الرئيس الحالي أوباما لم تعلم بالمحادثات بين ترامب وإنغ لين إلا بعد حدوثها
مسألة تايوان هي المسألة الجوهرية الأكثر حساسية والأكثر أهمية في العلاقات الصينية الأمريكية، فاستعادة الصين لتايوان وإعادتها إلى الوطن الأم، كما حصل مع هونغ كونغ، تكون بهذا تغلبت على إرادة الولايات المتحدة، وعززت المكانة الصينية في المنطقة وعلى غرب المحيط الهادئ، وهو ما سيُظهرها كقوة عظمى في العالم على حساب الولايات المتحدة، مما يؤدي الى تعزيز مسار التعددية القطبية ويضعف نزعة التفرد والهيمنة الأمركية على العالم.
جزيرة تايوان
تقع جزيرة تايوان في الجنوب الشرقي من الصين، في العام 1895 قامت اليابان باقتطاعها بالقوة والجزر المحيطة بها من أسرة تشينغ الصينية، وبعدها نجح الدكتور صن يات صن عام 1911 بتأسيس حزب الشعب الوطني وتفجير ثورة أطاحت بالحكم الإمبراطوري وإقامة أول جمهورية وطنية في تاريخ الصين عام 1912 تبع ذلك تأسيس الرئيس الصيني ماو تسي تونغ للحزب الشيوعي الصيني عام 1921 الذي خاض حرب تحرير شعبية ضد الاحتلال الياباني ومن ثم الحرب الأهلية ضد حزب “الكومنتانغ” – المدعوم أمريكيًا – مسجلًا في ذلك انتصارًا ساحقًا وأسس جمهورية الصين الشعبية عام 1949.
هرب تشيانغ كاي شيك لجزيرة تايوان وأسس فيها ما يسمى بـ”حكومة الصين الوطنية” ووقع مع الولايات المتحدة عام 1953 معاهدة الدفاع عن تايوان ضد أي عدوان خارجي ولا تزال الولايات المتحدة ملتزمة مع حكومة تايوان بدعمها ضد الصين التي لا تفتأ تحاول منذ ذلك التاريخ ضمها إلى الصين الموحدة كبقية الأقاليم الأخرى.