ترجمة وتحرير نون بوست
تضمنت أول التصريحات التي أطلقها الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب إثر فوزه، تلميحًا إلى أن السياسة الأمريكية فيما يتعلق بالحرب في سوريا، ستشهد تحولاً من مساندة المعارضة المعتدلة إلى الوقوف في صف بشار الأسد، كما صرح ترامب في هذا الإطار أن “سوريا تقوم بمحاربة تنظيم الدولة، وعلى الولايات المتحدة الأمريكية أيضًا التخلص منه”.
أما فيما يتعلق بالمعارضة السورية التي حظيت بدعم الولايات المتحدة الأمريكية طول الثلاث سنوات الفارطة، قال ترامب: “ليس لدينا أدنى فكرة عن هوية هؤلاء الأشخاص”، ومن خلال هذا التصريح، بدا أن الرئيس المنتخب، ليست له دراية بالدور الرئيسي الذي لعبه بشار الأسد في تأسيس تنظيم الدولة.
وفي هذه السلسلة التي تتكون من ثلاثة أجزاء، للصحفي روي غوتمان، المتحصل على جائزة بوليتزر، وثق الكاتب أدلة على مشاركة الديكتاتور السوري في خلق الإرهاب في سوريا والمنطقة.
وبيّن غوتمان أن الأسد حاول جاهدًا كسب دعم القادة الغربيين وذلك من خلال إظهاره أن الانتفاضة السورية هي ثورة تُحاك ضده تقودها مجموعة من الإرهابيين، ولكن عندما فشل في هذه المهمة أطلق سراح المتطرفين الموجودين في السجون السورية، وقد شاركت هذه المجموعات في القتال ضد قوات الولايات المتحدة الأمريكية في حرب العراق.
ومن ثم، شنّت القوات التابعة للأسد هجمات مزيفة ضد المنشآت الحكومية، وادعت فيما بعد أن هذه المجموعات الإرهابية هي المسؤولة عنها، وبعيدًا عن دحر تنظيم الدولة، قام الأسد بغض الطرف عن إنشائها لدولة داخل دولة أخرى واتخاذها للرقة عاصمة لها، وبعد ذلك، ترك مهمة محاربة المتطرفين للولايات المتحدة الأمريكية وغيرها من الدول.
وتجدر الإشارة إلى أنه عندما اندلعت الثورة السورية في آذار/ مارس سنة 2011، كان الجنرال عوض العلي مسؤولاً عن التحقيقات الجنائية في العاصمة السورية، وغداة سنة واحدة، أصبح أكثر رجل معروف في البلاد.
ويذكر أنه استهدفت سلسة من التفجيرات الانتحارية منشآت أمنية كبرى في كل من دمشق وحلب، أكبر المدن السورية، ومنذ أواخر شهر كانون الأول/ ديسمبر سنة 2011، تسلل الخوف في نفس العلي وأصبح يتوقع أنه سيكون الهدف المقبل لبطش الأسد، ولذلك قام باتخاذ جميع الاحتياطات اللازمة من خلال إغلاق الشارع القريب من مكتبه.
لكن في مرحلة لاحقة، تبيّن أن التهديد الحقيقي لم يكن من طرف “الإرهابيين” الذين تم اتهامهم بالضلوع وراء هذه التفجيرات الانتحارية، بل توصّل إلى أن النظام في حد ذاته، هو الذي يمثل التهديد الحقيقي.
وأول دليل يثبت وقوف النظام وراء هذه التفجيرات، كان عندما طلب مكتب العلي من أحد العسكريين الكبار لبشار الأسد وهو الجنرال سالم العلي مساعد الأسد الخاص لشؤون دمشق والذي لا تربطه أية علاقة بعوض العلي، التثبت من تدابيره الأمنية.
وفيما بعد، اتصل سالم العلي يوم الجمعة 16 آذار/ مارس، بعوض العلي من القصر الجمهوري، مقر رئاسة الأسد وأنذره بأنه “يجب إعادة فتح الشارع الذي أُغلق وأن ذلك أمر من الرئيس بشار الأسد”.
لم يحرك عوض العلي ساكنًا وأبقى على الحواجز، ولكن بعد يوم واحد هاجم انتحاريان بسيارتين مفخّختين منشآت أمنية في دمشق وأخرى في حي التضامن جنوب العاصمة، وهو ما يكشف أن المستهدف الحقيقي هو عوض العلي.
كما صرح العلي أنه في ذلك الوقت، لو اتبع الأوامر التي تلقاها، للقي حتفه هو وأصدقاؤه، وفي مقابلة حصرية أجراها مع صحيفة الدايلي بيست، صرح العلي أنه عضو في الائتلاف الوطني السوري ووزير للداخلية ووزيرا للدفاع بالوكالة.
وبعد هذه الأحداث، تأكد العلي من أن بشار الأسد كان يقف وراء سلسلة التفجيرات الانتحارية التي بدأت قبل ثلاثة أشهر، وذلك بغية التأكيد على صحة القصة التي تقول إن الإرهاب يحدق بالدولة.
وزادت القصة الذي اختلقها الأسد، من حدة المشاكل التي يواجهها القادة الغربيون، إذ إن مهمة مواجهة الجماعات المتطرفة بما في ذلك تنظيم الدولة قد أوكلت إليهم، وفي تشرين الأول/ أكتوبر سنة 2015، تبنت هذه الجماعات عملية إسقاط طائرة ركاب روسية، وفي تشرين الثاني/ نوفمبر سنة 2015 تبنت مقتل 130 شخصًا إثر هجمات باريس، كما أنه خلال آذار/ مارس من نفس السنة قتل 32 مدنيًا في بروكسل، ويضاف إلى هذه الهجمات عدد من الاعتداءات التي جدت في إسطنبول وبغداد وبنغلاديش،
ففي هذه الحالة، هل يجب على القوى الغربية أن تتعاون مع الحكومة السورية وروسيا لمحاربة الجماعات المتطرفة في سوريا؟
كما أنه وفقًا لتصريحات القيادات رفيعة المستوى وأعوان الأمن المنشقين، فإنه خلال سلسلة التفجيرات الغامضة التي جدت داخل سوريا أواخر سنة 2011، لم يشارك النظام في محاربة المتطرفين وإنما روّج لهم، ولذلك يجب الأخذ بعين الاعتبار ما توصل إليه عوض العلي الذي ساندته عدّة قيادات رفيعة المستوى والمنشقة عن نظام الأسد.
ويذكر أنه عندما وجهت الولايات المتحدة الأمريكية، أصابع الاتهام لتنظيم القاعدة بوقوفه وراء هذه التفجيرات، رفضت وكالة الاستخبارات المركزية التعليق وذلك لأن المخابرات الأمريكية لم تستجوب أبدًا العلي.
كما أنه خلال الأشهر الـ18 الأولى من انشقاقه، دعا مسؤولون أمريكيون العلي لمناقشة كيفية إعداد الشرطة في المرحلة التي ستعقب بشار الأسد ولكنهم لم يسألوه أبدًا عن المعلومات التي يعرفها عن نظام الأسد.
وعمومًا، أثبتت التحقيقات التي تواصلت على مدار سنتين، أن المخابرات الأمريكية غضت الطرف عن العديد من المنشقين عن النظام، وأمام هذه اللامبالاة، أوصى هادي البحرة الذي درس بالولايات المتحدة الأمريكية، وهو رئيس الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، العلي بأن يقوم بهذا التقرير باعتباره المسؤول السابق الذي يملك دراية شاملة بالبنية الأمنية التابعة لنظام بشار الأسد، حيث استمرت المقابلة التي أجريت في أحد مقاهي إسطنبول ست ساعات متواصلة.
ووفقًا للعلي، عادة ما تتزامن سلسلة التفجيرات مع وصول أحد وفود الدبلوماسيين أو الصحفيين أو الشخصيات البارزة، وفي كل مرة يتهم النظام الإرهابيين بالوقوف وراء هذه العمليات، إلا أنه لم يتم إثبات أي تهمة ضد النظام، لأنه يتم إبعاد العلي المسؤول عن التحقيقات، في كل مرة عن مسرح الجريمة.
وفي هذا الإطار، صرح أحد المسؤولين في النظام السابق والمتابع عن كثب للشأن السوري أن التفجيرات غالبًا ما تأتي مع إنذار مسبق على غرار الانفجار الأول الذي جد في 23 من كانون الأول/ ديسمبر سنة 2011.
وقال الضابط الذي تمت مقابلته في منطقة دير الزور شرق سوريا، في تموز/ يوليو سنة 2013 والذي طلب عدم الكشف عن هويته ومناداته فقط باسم أبو سيف إنه كان يعمل في القطاع الأمني وتلقى هذا الأسبوع جملة من التقارير، التي يبلغ عددها نحو 3018.
وأضاف الضابط “كانت توجد رسالة كتب فيها “سيقوم إرهابي بتفجير ضد النظام يوم الجمعة أو يوم السبت”، وقال أبو سيف إن الرسالة التي تلقاها كانت من طرف وكالة المخابرات العامة، التي تعد جزءًا أساسيًا من شبكة نظام الأسد، ولكن الغريب في الأمر هو أن هذه الوكالة هي الأخرى مستهدفة.
وأشار أبو سيف إلى أنه في اليوم التالي، جدت عمليات انتحارية استهدفت مبنييْن أمنيّيْن في حي كفرسوسة وهما مبنى إدارة أمن الدولة الذي يضم جهاز المخابرات العامة، ومجمع الأمن العسكري، وتعليقًا على هذه الأحداث، قال وزير الداخلية: “هذه العملية أفرزت مقتل 44 شخصًا وإصابة 166″، وصرح علي، الشخص الذي أرسل المحققين إلى مسرح الجريمة، أن “انفجارًا واحدًا حدث بالفعل”.
وأضاف العلي أن “أحد ضباطه اكتشف أن الشاحنة التي استعملت في التفجير قد بيعت من قبل أحد أفراد الأجهزة الأمنية لشخص مجهول وذلك قبل أيام معدودة من الانفجار، كما علم أن الشاحنة دخلت المبنى عن طريق ممر تحت الأرض يتم استخدامه من قبل الموظفين الأقل رتبة”.
ومن بين الأدلة التي قدمها العلي، كانت فيديو نُشر على اليوتيوب رصد فيه اعتراف أحد المنشقين العسكريين، والذي يدعى الملازم عبد القادر الخطيب الذي صرح بدوره أن أمن الدولة طالب بتوفير سبعة جثث حتى يتم وضعها في مكان الانفجار الأول، وفي الفيديو يعرض الخطيب وثيقة قال إنها مطلب يفيد بأخذ جثث من مستشفى تشرين العسكري في دمشق يوم الانفجار، وأعرب العلي الذي مازال يحتفظ بالوثيقة إلى الآن، أن الفيديو حقيقي ولكن الجهود المبذولة لتحديد مكان الخطيب لم تكلل بالنجاح.
ويتمثل الدليل الآخر الذي يثبت أن التفجيرات كانت مخطط لها مسبقًا، على حد قول أنصار المعارضة، في سرعة تغطية التليفزيون الحكومي للانفجار وإلقاء اللوم على تنظيم القاعدة حيث حدث ذلك في غضون دقيقة واحدة.
ويُذكر أنه في وقت لاحق من ذلك اليوم، عرضت القناة الرسمية برنامجًا خاصًا لمدة 45 دقيقة أجرى فيه حوارًا مع 40 شهود مزعومين، أو مواطنين غاضبين، كما رصدت أيضًا القناة الرسمية المظاهرات التي شملت جميع أنحاء سوريا التي ندد فيها المتظاهرون بالإرهاب، وأشار البرنامج إلى أن عددًا هامًا من السوريين تبرعوا بالدم لصالح الجرحى.
وصرح بسام بربندي الديبلوماسي السوري السابق والمقرب من المعارضة والذي يقطن الآن بواشنطن كلاجئ سياسي أن “التلفزيون السوري يقوم برصد كل تفجير على عين المكان، كما أن التليفزيون السوري دائمًا متأهب كما لو أنه جالس ينتظر حدوث الانفجار”.
أما التفجير الانتحاري الثاني الذي استهدف دمشق في 6 من كانون الثاني/ يناير سنة 2012، حدث عشية اجتماع جامعة الدول العربية، وعلّق العلي على هذه الحادثة قائلاً: “لا بد أن تكون مجرد مزحة بين أعوان الشرطة، حيث إن كل زيارة يقوم بها مسؤول عربي أو دولي أو حتى وفود إعلامية، تفضي حتمًا إلى حدوث انفجار”.
وفي هذا الهجوم الانتحاري الذي استهدف حافلة للشرطة في حي الميدان، وهي منطقة تطوقها حواجز النظام، قدّرت الحكومة عدد الضحايا بحوالي 25 قتيلا و46 جريحا. ووفقا للعلي، كان أحد المراسلين على عين المكان وقام بتوثيق الحادثة ورصد كيفية نقل الجثث.
أما الانفجار التالي، فقد جد في 10 من شباط/ فبراير في حلب، في قلب مجمع المخابرات العسكرية المحمي بعدة نقاط تفتيش، والذي صرح النظام أنه أسفر عن مقتل 28 شخصًا وإصابة 235، بيد أن الأرقام الفعلية كانت أقل بكثير.
وصرح عبد الله الحكواتي، الناشط الذي ساعد في تنظيم احتجاجات مناهضة للحكومة في حلب، أن أحد المسؤولين في المخابرات الحكومية أخبره أن الانفجار كان مدبرًا، وقد كشف الحكواتي عن اسم الضابط، لكن لم يتم التوصل له للتثبت من مدى صحة المعلومة.
وقال خالد شهاب الدين، وهو قاض سابق والمتحدث باسم إحدى فصائل المعارضة المعتدلة: “الإرهابيين كانوا في عقر دارنا”، كما قال إنه قد علم من قبل ضباط المخابرات السورية بأنه يتم إعداد المتفجرات في فرع المخابرات العسكرية، “لكن هؤلاء الجنود المساكين لم يكونوا على علم بما كنا نخطط له”.
وفي ذلك الوقت، كانت الولايات المتحدة الأمريكية قد صرحت أن التفجير الأول قد جد على مقربة من مقر السفارة الأمريكية في دمشق، ولذلك أرسل السفير روبرت فورد، أطرافًا أمنية للبت في القضية، وتوصل إلى أن “التفجيرات الانتحارية تشبه إلى حد كبير نوعية العمليات التي تقوم بها جماعة تنظيم القاعدة في العراق”، ولكن هذا لا يعطيه الحق في اتهام جهة أو أخرى.
وبعد تفجيرات 6 من كانون الثاني/ يناير في دمشق و10 من شباط/ فبراير 2011 في حلب، أعلم مدير الاستخبارات القومية جيمس كلابر، في منتصف فبراير/ شباط، الكونغرس أن كل الأدلة تؤكد ضلوع تنظيم القاعدة في هذه التفجيرات، ولذلك فإننا نعتقد أن تنظيم القاعدة قام بتوسيع نطاق عمله وتمكن من الانتشار في سوريا.
وكانت هذه هي المرة الأولى التي يَتّهم فيها مسؤول أمريكي رفيع المستوى بشكل علني تنظيم القاعدة في العراق بتورطه في تنظيم مؤامرة ضد نظام بشار الأسد، كما يعارض هذا التقييم تمامًا الفرضية التي قدمتها المعارضة والتي تقول إن الأسد هو الذي يقف وراء هذه التفجيرات.
وأشار أنصار المعارضة إلى أنه في ذلك الوقت لم تعلن جبهة النصرة وجودها في سوريا، فقد أعلنت عن وجودها في سوريا بعد شهر كامل من حدوث التفجيرات، وعلى الرغم من أن جبهة النصرة أعلنت ضلوعها في انفجار 10 من شباط/ فبراير، إلا أن العلي نفى أن تكون هناك أية أدلة تثبت إدانتها.
وقال العلي وهو مسؤول أمني بارز سابقا ويساند الآن المعارضة، إنهم لم يسمعوا أبدًا اعترافًا من جبهة النصرة يؤكد ضلوعهم في مثل هذه التفجيرات، ناهيك عن أنها غير قادرة على القيام بمثل هذه العمليات، كما أكدوا على أن التفجيرات دائمًا ما تتزامن مع الزيارات الدبلوماسية وذلك بهدف دعم إدعاءات الأسد.
في الهجوم الأول الذي شُنّ على دمشق في 23 من كانون الأول/ ديسمبر تم اصطحاب وفد من كبار الدبلوماسيين التابعين للجامعة العربية ليشاهدوا الضرر الذي تكبده النظام.
وقد صرح محمد نور خلوف، الذي كان في ذلك الوقت لواءً في الجيش السوري التابع لوزارة الدفاع وحتى وقت قريب كان يشغل منصب وزير الدفاع المكلف بالحكومة السورية المؤقتة، أن “النظام السوري لطالما حمّل تنظيم القاعدة مسؤولية التفجيرات”.
أما الانفجار الذي جد في مطلع كانون الثاني/ يناير سنة 2012، تزامن مع اجتماع للجامعة العربية، كما تزامنت أيضًا محاولة تفجير الشارع الذي يقع فيه مقر مكتب العلي مع زيارة وفد مشترك بين الأمم المتحدة ومنظمة التعاون الإسلامي.
وعن التفجير الذي أثار جدلاً كبيرًا في 18 من تموز/ يوليو والذي استهدف الوفد المرافق للأسد الذي كان في زيارة إلى مبنى الأمن القومي الخاضع يخضع لحراسة مشددة، أعلنت جماعة متطرفة تعرف باسم لواء الإسلام، تبنيها للانفجار، وقد كان من بين القتلى كبار أعضاء مجموعة الأزمات التابعة للأسد على غرار وزير الدفاع الجنرال داود راجحة ونائبه عساف شوكت شقيق الأسد، ووزير الدفاع الأسبق الجنرال حسن تركماني.
وتوافق تبني هذه المجموعة لهذا التفجير مع ادعاءات الجيش السوري الحر، قبل أن يتراجع فيما بعد عن هذه الاتهامات، في المقابل، يظن خلوف أن “إيران هي التي تقف في الحقيقة وراء هذا التفجير“.
وصرح خلوف أنه لم يكن في مكان الحادث، ولكنه وفقًا لمصادره فإن النظام السوري قد غيّر توقيت ومكان الانفجار، فمن المعتاد أن يُقام هذا الاجتماع في مكتب تركماني، لكن في يوم الأربعاء أعلم الأعضاء بأن هناك عطب في مكيّف الهواء مما استوجب تغيير مكان الاجتماع.
وخلال هذا الاجتماع، توجه وزير الداخلية محمد إبراهيم الشعار، نحو مكتب هشام اختيار رئيس جهاز المخابرات والأمن الوطني، وعندما دخل كان يحمل حقيبة قام بوضعها بجانب الجدار وذهب ليغسل يديه، وفي ذلك الوقت؛ انفجرت الحقيبة وقتلت أو بالأحرى شوهت جميع الرجال الذين كانوا ملتفين حول الطاولة”.
كان خلوف من بين الذين هرعوا إلى مكان الحادث لنقل الجرحى إلى المستشفى حيث قال إن وزير الدفاع توفي على الفور، بينما فارق شوكت الحياة قبل وصول سيارة الإسعاف، أما تركماني فمات بعد يومين متأثرًا بجراحه ولم ينج من هذا الانفجار إلا أمين حزب البعث.
وأفاد خلوف أنه على اقتناع تام أن المسؤولين الإيرانيين ضغطوا على الأسد ليقوم بتصفية ثلة من كبار مساعديه المسؤولين عن العلاقات الدولية، فداوود راجحة مسيحي وكانت تربطه علاقات وطيدة مع الدول الغربية، في حين أن علاقات شوكت كانت مع فرنسا. كما كانت تربط تركماني علاقة وطيدة بتركيا.
كما صرح خلوف للمراسل أن الأسد تم إعلامه بأنهم كانوا يخططون لانقلاب ضده، ولذلك عقب الانفجار، قال إن لا أحد يستحق منحه ثقته إلا إيران.
كما وجّه بربندي، الدبلوماسي السوري السابق الذي يعيش حاليًا في واشنطن، أصابع الاتهام إلى إيران وقال “الإيرانيون يكرهون شوكت، شقيق الأسد، وذلك لأنهم يعتقدون أنه كان مسؤولاً عن موت عماد مغنية، وهو شخصية بارزة في حزب الله اللبناني اغتيل في دمشق سنة 2008 في عملية يقال إن كلاً من الولايات المتحدة وإسرائيل قاموا بالتخطيط لها“.
كما صرح بربندي أن الإيرانيين يخشون من أن كبار مساعدي الأسد كانوا بصدد دراسة الاقتراح التركي الذي يقضي بإعادة النظر في هيكلة السلطة وبالتالي تخلي الأسد عن منصبه كرئيس ليصبح رئيس وزراء، ويواصل بربندي قائلاً: “الإيرانيون يعتقدون أنه إذا تم اعتماد هذا المقترح، فإنهم سيفقدون السيطرة على الأسد”.
ويفيد تفسير آخر لما حصل، بين الوفد المرافق للأسد، إن أفرادًا من عائلته قالوا: “مجموعة الأزمات اقترحت على الأسد الإقدام على خطوة تقوم على مبدأ التصالح وذلك بهدف إطفاء فتيل الانتفاضة”.
ونقلت الصحيفة عن مصدر مقرب من العائلة في القصر الجمهوري، ناصر، وهو مسؤول استخباراتي رفيع سابق في رأس العين، شمال سوريا، أن كلا من “شوكت ورفاقه حثوا الأسد على الذهاب إلى درعا، التي تعدّ مهد الانتفاضة والاعتذار عن قتل المتظاهرين الشبان، لكن الأسد “تشاور مع اللجنة الأمنية الخاصة به المتكونة من والدته وشقيقه وعلي مملوك، وهو أمني بارز في المخابرات وأحد المقربين السابقين من والده حافظ الأسد، بشأن هذه الخطوة”.
كما صرح ناصر أنهم أعلموه بأن “انقلابًا سيحدث، وأنه لا ينبغي عليه أن يضحي بهيبة العائلة”، كما أخبروه أنه لو كان حافظ الأسد مكانه، لما كان ليقدم على مثل هذا الفعل، كما نوه ناصر إلى أن مملوك كان من المقربين من إيران وغداة موت شوكت ترأس مملوك جهاز المخابرات بأكمله.
ووفقًا لكل من مخلوف والعلي، فإن “مساعدي الأسد مَنَعوا إجراء أي تحقيق عن التفجير”، وصرح العلي قائلاً “لقد أرسلت ضابطين من وحدتي ليشاركوا في التحقيق، لكن لم يسمح لهم بالحصول على أي وثيقة”، ويذكر أنه على غير المعتاد، أجرت المديرية العامة للأمن بالتعاون مع وكالة الاستخبارات التحقيقات، برئاسة حافظ مخلوف، أحد أبناء عم الأسد وإلى الآن لم يتم التصريح بأية نتائج.
كما صرح روبرت فورد السفير الأمريكي السابق في سوريا “القصف لا يزال لغزًا محيرًا، وأنا لا أظن بأننا نعلم كيف تم تنفيذه”، ومن بين كل التفجيرات التي حدثت في عهده، تمكن العلي من جمع الأدلة اللازمة حول مؤامرة اغتيال وحيدة، إلا أنه تم اعتباره فيما بعد أحد المشتبه فيهم عن نفس القضية.
وفي تلك الليلة من شهر آذار/ مارس سنة 2012، وإثر تجاهل العلي للأوامر التي تطالبه بالتوقف في الحاجز المنصوب أمام مقر قيادته، جدت ثلاث عمليات انتحارية ما بين الساعة6:40 و7:30 صباحًا، ولم يلحظ العلي أي شيء، ليستفيق على اتصال وزير الداخلية الذي كان يستفسر عما يحصل.
وفي وقت لاحق من صباح ذلك اليوم، وعند توجّه العلي إلى مقر الأمن الجنائي بهدف التحقيق في الانفجار، توجه له أحد مساعدي الأسد، والذي ينتمي إلى الطائفة العلوية من بلدة الأسد، القرداحة، وهمس له في أذنه، وتجدر الإشارة إلى أن الذعر والخوف دبّ في قلوب عائلة الشاب بعد أن قرأوا على الإنترنت خبر تدمير مكتب العلي.
كما حضر أيضًا في مقر الأمن الجنائي الجنرال سالم علي وهو الذي أمر العلي بفتح الشارع، وصرح العلي أنه عندما قابله سأله بسخرية “هل ما زال سيتوجّب عليّ فتح الشارع المغلق؟”، بدا سالم علي محرجًا وأجابه “كانت تلك أوامر الرئيس”.
واختتم العلي المقابلة بقوله: “الشخص الذي قام بالعملية الانتحارية الثالثة كان فلسطينيًا وقد تم الإفراج عنه من سجن صيدنايا، وتم إحباط عمليته من قبل حاجز أمني بالقرب من مبنى الأمن الجنائي ولذلك فجر نفسه في حي التضامن”.
كما قال: “أظن أنه تلقى الأوامر ليذهب إلى الجنة عن طريق تفجير نفسه، ومن أعطاه الأوامر، والذي لا أعرفه، إما شيخ أو قائد ديني له علاقات مع المخابرات”.
المصدر: الدايلي بيست