تجدد الاشتباكات المسلحة في العاصمة الليبية طرابلس بين قوات تابعة لحكومة الوفاق الوطني وأخرى تريد السيطرة على المدينة، يؤكد عدم قدرة فايز السراج على بسط نفوذ حكومته على طرابلس، مع اقتراب موعد انتهاء صلاحية اتفاقية الصخيرات التي انبثق عنها المجلس الرئاسي الحالي برئاسة فايز السراج، الأمر الذي يطرح عديد من الإشكاليات أهمها حاجة ليبيا إلى اتفاق صخيرات جديد.
تجدد الاشتباكات في طرابلس
عشرات القتلى والجرحى خلّفتها الاشتباكات المتواصلة في العاصمة طرابلس، وبدأت الاشتباكات التي وصفت بالأعنف في ليبيا منذ عامين، الثلاثاء.
وعززت المجموعات المسلحة وجودها في أحياء طرابلس بالدبابات والمدفعية والأسلحة الثقيلة والخفيفة، فيما انتشر مسلحون في شوارع طرابلس.
وعرف محيط فندق ريكسوس الحكومي بمنطقة باب بن غشير بالعاصمة طرابلس وقصر الضيافة الرئاسي، أعنف الاشتباكات وشهد تبادل إطلاق النار بالأسلحة الخفيفة والمتوسطة والثقيلة.
وتدور الاشتباكات بين “كتيبة غنيوة الككلي” التي تتخذ من حي أبوسليم مقرًا لها، وكتيبة محسوبة على الجماعة الليبية المقاتلة بقيادة طارق درمان والمتحالفة مع كتيبة صلاح البركي من أجل السيطرة على معسكر 77 وغابة النصر التي يتمركز فيها الأخير جنوب شرق طرابلس.
ويخشى الليبيون من توسع رقعة الاشتباكات الحاليّة في العاصمة مع لجوء بعض الأطراف إلى تحالفات مع مجموعات مسلحة أخرى، مما ينذر بانفجار الوضع في العاصمة برمتها.
وتصاعد التوتر بين الجهتين منذ إعلان دار الإفتاء الليبية مقتل أحد أبرز أعضائها الشيخ نادر السنوسي العمراني الذي كان خطف قبل أكثر من شهر من أمام مسجد في طرابلس في ظروف غامضة.
وكُلفت حكومة الوفاق الوطني المدعومة من الأمم المتحدة بمهمة توحيد الفصائل المتحاربة في ليبيا لكنها وجدت صعوبة في بسط سلطتها في طرابلس ويرفضها صانعو القرار السياسي في الشرق.
عجزت حكومة الوفاق الوطني الليبية المدعومة من المجتمع الدولي عن فرض سلطتها، رغم أنها تحظى أيضًا بدعم بعض المجموعات المسلحة.
وفي الآونة الأخيرة حاولت حكومة غويل التي خلفتها حكومة الوفاق العودة، إذ استعادت السيطرة على فندق ريكسوس الذي كان من المفترض أن يكون مقرًا لهيئة تشريعية جديدة بموجب الاتفاق الذي أوجد حكومة السراج.
انهيار الاتفاق السياسي الليبي
وعقب اندلاع القتال يوم أمس الخميس خرج المفتي المعزول الصادق الغرياني، على شاشات قناة فضائية تابعة له، ليعلن رفضه مجددًا للاتفاق السياسي، قائلاً: “لقد وعدنا المجتمع الدولي باتفاق سياسي يستبعد حفتر”، في إشارة للمشير خليفة حفتر القائد العام للجيش الليبي، مضيفًا “لكن المجتمع الدولي خذلنا ولم يفِ بوعوده ولا يزال حفتر يتقدم بقواته”.
من جهته أعلن رئيس حكومة الإنقاذ السابق المنبثقة عن المؤتمر الوطني عمر الحاسي تأسيس قيادة سياسية أطلق عليها “المجلس الأعلى للثوار لمحاربة الجريمة السياسية”، وطالب الكتائب الموالية له التي وصفها بــ”كتائب الثوار” بالاستعداد لمحاربة الجريمة السياسية وإنقاذ الاقتصاد الليبي.
تشهد العاصمة الليبية صراعات بين جماعات مسلحة بهدف بسط النفوذ أو الانتقام
في سياق متصل، أعرب مارتن كوبلر رئيس بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا عن تشاؤمه إزاء أفق الحل للأزمة الليبية، وذلك في تطور يأتي فيما بدأت ليبيا تقترب من مأزق سياسي ودستوري جديد مرتبط بانتهاء صلاحية اتفاقية الصخيرات التي انبثق عنها المجلس الرئاسي الحالي برئاسة فايز السراج، وقال كوبلر إنه يشعر بالتشاؤم إزاء الأزمة الليبية، مستبعدًا في هذا السياق إمكانية التوصل إلى حل جذري لها خلال الفترة القادمة.
يذكر أن العاصمة الليبية تشهد صراعات بين جماعات مسلحة بهدف بسط النفوذ أو الانتقام، وتنقسم بين مؤيد لحكومة الوفاق الوطني المدعومة من الأمم المتحدة أو لحكومة الإنقاذ المنبثقة عن المؤتمر الوطني العام المنتيهة ولايته أو معارض لهما، وإلى جانب هاتين الحكومتين، هناك حكومة المؤقتة المنبثقة عن مجلس النواب وجميعها تتنافس على إدارة ليبيا.
وتدل عديد من المؤشرات الراهنة على أن ليبيا مقدمة على مأزق جديد ستكون له تداعيات مباشرة على المشهدين السياسي والعسكري، وكذلك على المستوى الاجتماعي، مما دفع العديد من الليبيين إلى التحذير من أن ليبيا ستكون في قادم الأيام على موعد مع سلسلة من التطورات العسكرية والأمنية قد تعيد الأزمة إلى المربع الأول من الانقسام السياسي والاقتتال.
أعلنت وزارة الدفاع الأمريكية الخميس عن تنفيذ غارات جوية ضد مسلحين
من جانبها، أصدرت وزارة الخارجية الفرنسية بيانًا قالت فيه: “فرنسا قلقة للغاية من تصاعد العنف بين المجموعات المسلحة في طرابلس”، وجاء في البيان “فرنسا على اتصال وثيق برئيس وزراء حكومة الوفاق الوطني فائز السراج وتدعم جهوده لاستعادة سلطة الدولة خاصة في طرابلس”.
في سياق متصل أعلنت وزارة الدفاع الأمريكية الخميس عن تنفيذ غارات جوية ضد مسلحين متحصنين في “آخر كتلتين من المنازل” في سرت الليبية، وقال القبطان جيف ديفيس المتحدث باسم البنتاغون أن هؤلاء المسلحين “قليلو العدد لكنهم (..) يقاتلون حتى الرمق الأخير”، وقال البنتاغون إن مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية أصبحوا لا يسيطرون سوى على منطقة صغيرة جدًا في معقلهم السابق في مدينة سرت الليبية.
إزاء هذه التطورات المتتالية، يتساءل عديد من الخبراء، عن جدوى اتفاق الصخيرات المبرم بين الفصائل الليبية المتنازعة وعن حاجة البلاد إلى اتفاق سلام جديد، فرغم المساعي الأممية لإنهاء الانقسام في ليبيا عبر حوار ليبي جرى في مدينة الصخيرات المغربية انتهى بتوقيع اتفاق في 17 من ديسمبر 2015 انبثقت عنه حكومة وحدة وطنية باشرت مهامها من العاصمة طرابلس أواخر مارس الماضي، فإن هذه الحكومة لا تزال تواجه رفضًا من الحكومة والبرلمان اللذين يعملان في شرق البلاد.