عمدت مصر في الآونة الأخيرة للاعتماد على مواردها المحلية في مجال النفط وتخفيض الإنفاق على بند خدمة الطاقة في الموازنة العامة للدولة، فبعد خطوة رفع أسعار البترول وتعويم الجنيه طرحت الهيئة المصرية العامة للبترول مزايدة في مايو/ أيار الماضي للبحث عن النفط واستغلاله في 11 قطاعًا لدعم الاحتياطيات وزيادة الإنتاج المحلي من البترول والغاز، وقد تعزز هذا الأمر لدى الحكومة بعدما قطعت شركة أرامكو السعودية واردات النفط عن مصر بسبب الأزمة الأخيرة بين مصر والسعودية.
الشركات الأجنبية تسيطر على أنشطة التنقيب في مصر
أعلنت وزارة البترول المصرية أمس الجمعة 2 ديسمبر/ كانون الأول أنها قبلت عرض 4 شركات عالمية لا توجد من بينها أي شركة عربية بمزايدة طرحتها للاستكشاف والتنقيب عن النفط والغاز في 6 مناطق بخليج السويس والصحراء الغربية باستثمارات تقدر بنحو 200 مليون دولار، حيث تم منح توقيع 68.2 مليون دولار لحفر 33 بئرًا.
وحسب التقرير الوارد فقد تم قبول العرض المقدم من شركة بريتش بتروليوم لحفر 3 آبار في منطقة شمال شرق رمضان باستثمارات حدها الأدنى 46 مليون دولار ومنحة توقيع 5 ملايين دولار.
وعرض من شركة أباتشي الأمريكية لحفر 10 آبار في منطقة شمال غرب الرزاق باستثمارات حدها الأدنى 60.6 مليون دولار ومنحة توقيع 30 مليون دولار، وعرض آخر من قبل الشركة نفسها لحفر 4 آبار لمنطقة جنوب علم الشاويش باستثمارات حدها الأدنى 12 مليون دولار ومنحة توقيع قدرها 10 ملايين دولار.
ارتفاع أسعار البترول العالمية لا يصب في مصلحة مصر لأنه سيساهم في زيادة الإنفاق على بند دعم الطاقة في الموازنة العامة للدولة
ومن أمريكا أيضًا فازت شركة أبيكس إنترناشيونال إنرجي الأمريكية لمنطقة شمال غرب بدر الدين لحفر 3 آبار باستثمارات حدها الأدنى 17.4 مليون دولار ومنحة توقيع قدرها 1.7 مليون دولار، وحفر 6 آبار من قبل نفس الشركة في منطقة جنوب شرق مليحة باستثمارات حدها الأدنى 26.5 مليون دولار ومنحة توقيع 3.5 مليون دولار. والعرض الأخير الفائز كان لصالح شركة “شل الهولندية” لحفر 7 آبار بمنطقة شمال أم بركة باستثمارات حدها الأدنى 35.5 مليون دولار ومنحة توقيع 18 مليون دولار.
والجدير بالذكر أن متوسط تكلفة إنتاج الزيت الخام من الحقول المصرية يبلغ نحو 7 دولارات للبرميل، ويعد هذا الرقم قليلًا مقارنة بالدول الأخرى، ويرجع ذلك لانخفاض تكلفة العمالة وقرب مناطق الإنتاج من التسهيلات، كما ويقدر الإنتاج المصرى من الخام قرابة 700 ألف برميل يوميًا.
أثر قرار أوبك على مصر
ضغطت خطوة أوبك الأخيرة على مصر كونها من الدول المستوردة للنفط وتعد من المتضررين من ارتفاع أسعار النفط بعكس الدول المنتجة التي تسعى لرفع سعر النفط، حيث تعتمد على إيرادات النفط بشكل كبير في تمويل ميزانياتها المالية.
حيث قررت منظمة الدول المصدرة للبترول (أوبك) خلال اجتماعها في فيينا يوم الأربعاء الماضي، خفض إنتاج البترول لأول مرة منذ عام 2008، بنحو 1.2 مليون برميل يوميًا لينخفض الإنتاج العالمي إلى 32.5 مليون برميل يوميًا، وبسبب هذا فقد توقع محللون أن تؤدي هذه الخطوة إلى زيادة الأعباء المالية على الموازنة العامة في مصر نتيجة ارتفاع أسعار النفط العالمية.
حيث قفز سعر خام برنت فوق مستوى 50 دولارًا للبرميل ومن المتوقع أن يرتفع السعر إلى 55 دولارًا للبرميل عقب انضمام روسيا والدول المنتجة من خارج أوبك للاتفاق إذ سيتم سحب 1.8 مليون برميل يوميًا من الإنتاج العالمي، وتوقع محللون أن سعر 60 دولارًا للبرميل لم يعد مستبعدًا في العام القادم وفق المعطيات الجديدة في الأسواق العالمية.
علمًا أن الحكومة المصرية تواجه ضغوطًا مالية عديدة بسبب تعويم الجنيه المصري لذا فإن أي ارتفاع في أسعار النفط العالمية سيضاعف الضغوط الموجودة على المالية العامة.
وحسب الخبير الاقتصادي في بنك استثمار سي آي كابيتال هاني فرحات، فقد ذكر أن أي ارتفاع في أسعار البترول العالمية “سيكون له تأثير سلبي بالتأكيد على مصر،” وذكر خبير آخر من مجموعة مالتيبلز للاستثمار، أن ارتفاع أسعار البترول العالمية “لا يصب في مصلحة مصر” لأنه سيساهم في زيادة الإنفاق على بند دعم الطاقة في الموازنة العامة للدولة، والذي تسعى الحكومة لخفضه.
يجدر التنويه أن فاتورة الدعم التي تدفعها مصر للمواد البترولية بلغت في 2015 – 2016 نحو 51 مليار جنيه انخفاضًا من 71.5 مليار جنيه في السنة المالية 2014 – 2015.
وكانت الحكومة المصرية قررت بغرض التخفيف عن أعباء العجز المالي وإيفاءًا بشروط صندوق النقد الدولي لإقراضها رفع أسعار المواد البترولية بنسب تتراوح بين 7.1% و87.5% والتي تشمل كل من البنزين والسولار والغاز المنزلي وأسطوانات البوتاجاز ومازوت المصانع، علمًا أن هذا القرار جاء بعد قرار تعويم الجنيه كشرط من قبل صندوق النقد الدولي لإقراض الحكومة 12 مليار دولار على مدى الثلاث أعوام القادمة.
وبالرغم من رفع أسعار الوقود، فإن وزير البترول طارق الملا قال بعد ثلاثة أيام من تعويم الجنيه، إن تكلفة دعم المواد البترولية في الموازنة ستزيد إلى 64 مليار جنيه خلال العام المالي الحاليّ نتيجة تعويم العملة وارتفاع أسعار النفط العالمية.
خطوة أوبك في تخفيض الإنتاج ستؤدي إلى تعجيل رفع الحكومة لأسعار الوقود مرة أخرى قبل نهاية العام المالي الحاليّ
وقال الملا إن الدعم المستهدف في السنة المالية الحالية “كان 35 مليار جنيه على أساس سعر صرف 9 جنيهات للدولار، وسعر برنت 40 دولارًا، لكن مع التعويم وارتفاع أسعار النفط الدعم سيصل إلى 64 مليار جنيه.”
ويشير محللون أن “الحكومة كانت تتوقع أن تتضاعف تكلفة دعم المواد البترولية عليها في ظل متوسط سعر 45 دولارًا للبرميل بعد تعويم الجنيه، لكن يبدو أن هذا المتوسط لن يستمر وسيزيد بعد اتفاق أوبك.”
وإن خطوة أوبك والتي أفرزت رفع أسعار النفط العالمية ستؤدي إلى تعجيل رفع الحكومة لأسعار الوقود مرة أخرى قبل نهاية العام المالي الحاليّ لاستيعاب الزيادة في الدعم التي ستسببها الزيادة في أسعار البترول العالمية وفروق أسعار العملة بعد التعويم كما تشير لذلك المحللة المالية ريهام الدسوقي في أرقام كابيتال.