اشتهرت مليشيات الحشد الشعبي منذ تشكيلها بانتهاكاتها المتكررة لحقوق الإنسان في العراق، من خلال ارتكابها لفظائع بحق المدنيين في المناطق التي حضرت فيها تلك المليشيات والتي في غالبيتها كانت مناطق عربية سنيَّة، وقد وثَّقت المنظمات الحقوقية الكثير من تلك الجرائم بالشهود العيان ومقاطع الفيديو والتصريحات العلنية لقادة المليشيات التي يتألف منها الحشد الشعبي الشيعي والتي تعلن فيها صراحة توجهاتها الإجرامية والانتقامية من المكون العربي السنَّي دون خشية من عقاب.
عوائل أهل السنة في مخيمات النزوح
ثم جاء قانون الحشد الشعبي الذي قدمته الكيانات السياسية الشيعية لإقراره من البرلمان العراقي وبدفع من النظام الإيراني، ليعطي تلك المليشيات مكافأة على أعمالها الإجرامية، وتحويل تلك المليشيات المسلحة إلى قوة شرعية تعمل تحت غطاء الحكومة العراقية.
استعراض لسرايا السلام إحدى مليشيات الحشد الشعبي
ويتبادر للذهن تساؤل هنا، هل يمكن أن يساهم إقرار قانون الحشد الشعبي بجعل هذه المليشيا قوة منضبطة بتصرفاتها ومسؤولة عن أفعالها بعد أن حوَّل هذا القرار تلك المليشيات إلى قوة شرعية تسري عليها القوانين العسكرية من ناحية الانضباط العسكري ووجوب التصرف بمسؤولية في أثناء أدائها للمهمات التي تُكلف بها؟ وللجواب على هذا السؤال لا بد من معرفة مما يتشكل هذا الحشد؟ ولمن ولائه الحقيقي؟ فالجميع يعرف أن تشكيل الحشد الشعبي جاء على إثر الفتوى التي أصدرها رجل الدين الشيعي علي السيستاني في 13 من يونيو/ حزيران 2014 والتي سميت بفتوى “الجهاد الكفائي” بعد اجتياح تنظيم داعش لمناطق شاسعة من العراق وصلت إلى ثلث مساحة العراق والسيطرة على معظم الحواضر السنيَّة.
وأصبح هذا التنظيم على أبواب بغداد مهددًا بذلك النظام الحاكم فيها (كما يدَّعون)، وتم تشكيل هذا الحشد من مليشيات قائمة وموجودة بالأصل قبل إصدار هذه الفتوى وتتحرك بشكل علني على الأرض العراقية ومدعومة من قوى سياسية شيعية مشاركة بالعملية السياسية الحالية مثل منظمة بدر ومليشيا عصائب الحق ومليشيا سرايا السلام وغيرها من المليشيات الكبيرة منها والصغيرة، ووصل عددها إلى ما يقارب 67 مليشيا، وكان بعض تلك المليشيات تقاتل في سوريا لصالح النظام الحاكم فيها وضد ثورة شعبها التي قامت على نظام الأسد الإجرامي، ولكل من تلك المليشيات والمنظمات الإرهابية تاريخ طويل من الجرائم التي ارتكبوها بحق الشعبين العراقي ومن ثم الشعب السوري.
بعد ذلك أنضم إلى هذا الحشد عديد من أبناء الطائفة الشيعيَّة بسبب حالة الفقر والعوز التي يعيشوها ليتضخم عدد هذا الحشد الشعبي إلى ما يقارب الثمانون ألف مقاتل، يأتمرون بأمر قادة تلك المليشيات ذات الولاء الإيراني.
وبعد أن يتم تدريب المتطوعين عسكريًا لمدة ثلاثة أشهر في إيران، يرجع إلى العراق ليقاتل ضمن صفوف هذا الحشد، وطيلة السنتين الماضيتين، خاض هذا الحشد معارك عديدة في شمال بابل وفي ديالى وصلاح الدين وفي مدن الأنبار وحاليًا في الموصل، وفي جميعها ارتكبت مليشيات الحشد عديد من الجرائم بحق المدنيين هناك، والتي يرتقي الكثير منها إلى وصف جرائم الحرب، بل إنَّ عناصر لتلك المليشيات يتفاخرون بارتكابهم لتلك الجرائم ويوثقونها بالصورة والصوت، بسبب عدم خشيتهم من العقاب الذي يترتب على اقترافهم لتلك الفظائع.
فالحكومة العراقية يديرها أشخاص لهم علاقة وثيقة بتلك المليشيات، وهم من يغطون على جرائمهم ويجدون لهم المبررات التي تجعلهم يشاركون بكل المعارك التي دارت بمناطق العرب السنَّة، بالرغم من المطالبات العديدة من المنظمات الحقوقية بسحب تلك المليشيات والاعتماد على أبناء تلك المناطق من العرب السنَّة لتحريرها من تنظيم داعش، ثمَّ تطور الأمر ووصل إلى أن بدأت تلك المليشيات تتقاتل مع بعضها على المكاسب التي غنمتها من تلك المناطق، كما حدث ذلك في مناطق متعددة من محافظة ديالى.
فإذا كان هذا حال المليشيات التي يتألف منها الحشد الشعبي وهذا تاريخها، فهل من المتوقع أن يتغير سلوكها ليصبح أكثر انضباطًا بعد صدور هذا القانون؟ ما نراه أنَّ صدور هذا القانون جاء ليضفي حصانة إضافية وجديدة على هذه المليشيات زيادة على الحصانة التي كانت الحكومة العراقية تمنحها إياه، بل إننا واثقون أن مليشيا الحشد الشعبي الشيعي ستقوم بزيادة ارتكابها لتلك الجرائم والمحرمات بحق المدنيين من العرب السنَّة.
كما سيكون لهذا الحشد أجندة أخرى تبتغي من خلالها إيران السيطرة على كامل الدولة العراقية والتراب العراقي، ذلك لأن ولاء تلك المليشيات هو للنظام الإيراني جملةً وتفصيلاً، وسنشهد عما قريب تأسيس حرس ثوري عراقي جديد، ورديف للحرس الثوري الإيراني ومشابه له بكل تفاصيله.
من الآن فصاعدًا ستكون الدعوات التي يطلقها الناشطون الحقوقيون والمنظمات الحقوقية والتي تدعو إلى عدم إشراك مليشيا الحشد الشعبي في المعارك مع تنظيم داعش بالمناطق العربية السنيَّة، ليس لها صدى يُذكر أو تأثير قانوني ذو قيمة، نظرًا لأن الحشد الشعبي أصبح جزءًا من المنظومة الأمنية العراقية، وربما سيأتي اليوم الذي تندم عليه الأحزاب الشيعية دعمها لتلك المليشيات وتوفير الحصانة الحكومية لها، لأن استتباب الأمر لهذه المليشيات في العراق، يعني أن الحكومة العراقية برموزها الحالية هي من ستكون فريستها التالية.