قالت وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي فيديريكا موغيريني خلال مؤتمر حول المتوسط في روما، مخاطبة الرئيس السوري بشار الأسد: “تستطيع أن تكسب حربًا، لكنك قد تخسر السلام”، وتساءلت موغيريني: “من لديه مصلحة في كسب حرب والحصول على جائزة تتمثل في بلد منقسم ومسلح ويضيق بالإرهابيين، ومعزول على الساحة الدولية؟”، رافضة الاعتبار أن النظام السوري حقق انتصارًا في حلب، وأضافت: “أنا مقتنعة بأن سقوط حلب لن ينهي الحرب”.
هذا الكلام الذي يصرّح به مسؤولو الاتحاد الأوروبي أمام الصحافة تجاه الأزمة السورية وتجاه نظام الأسد، يبدو أن هناك كلام آخر غيره يطرح داخل الغرف المغلقة، حيث تُنسج الصفقات وفق المصالح والأولويات للدول الكبرى، حتى لو كانت بأكبر الأثمان للشعوب، وأقلها لهذه الدول.
فقد كشفت صحيفة “ذي تايمز” أن الاتحاد الأوروبي عرض مساعدة مالية كبيرة لحكومة بشار الأسد “في محاولة أخيرة مستميتة للحفاظ على النفوذ الغربي على نتيجة الحرب في البلاد”، وأشارت الصحيفة البريطانية، استنادًا إلى مصادر مطلعة، إلى أن كبار المسؤولين في الاتحاد الأوروبي اعترفوا، مع اقتراب ذروة معركة حلب، بأن المطالب التي طرحتها الدول الغربية بشأن تنحية بشار الأسد عن السلطة في سوريا “غير واقعية”.
وتحدثت الصحيفة عن شعور متنامٍ في الاتحاد ببقاء الولايات المتحدة على هامش العملية التفاوضية بشأن سوريا في إطار الشراكة الغربية، وبدلاً من الإصرار على رحيل الأسد، عرضت مفوضة السياسية الخارجية في الاتحاد الأوروبي فيديريكا موغيريني، حزمة اقتراحات جديدة لزعماء فصائل المعارضة السورية، خلال الاجتماع معهم منذ أسبوعين، تتضمن تقديم مساعدات مالية كوسيلة لإرضاء جميع الأطراف.
وتوافقت هذه الاقتراحات، حسب “ذي تايمز”، مع قرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي، الداعية إلى تنفيذ عملية “الانتقال السياسي” في سوريا، وأوضحت الصحيفة أن المقترحات الأوروبية تشمل عملية خاصة بإعادة توزيع السلطة في المحافظات السورية، من شأنها تمكين المجموعات المسلحة التابعة للمعارضة “المعتدلة” من الاندماج بقوات الأمن المحلية، بحسب الصحيفة.
كما تقضي المبادرة الأوروبية بالحفاظ على المؤسسات الحكومية المركزية للدولة، لكن “تحت السيطرة الأكثر ديمقراطية” مما كان، أما مصير الرئيس السوري بشار الأسد، فلم تحدده المقترحات الأوروبية.
وتنقل الصحيفة عمن تصفه بأنه مصدر مقرب من المعارضة قوله “ما تريد موغيريني أن تفعله هو تقديم خطة أوروبية – هكذا سيحل الصراع، ثمّة انتقال لكن تفاصيله مبهمة، وبالمقابل إذا وافقت كل الأطراف والتزم الجميع بما يقوله الاتحاد الأوروبي، ستكون هناك كمية ضخمة من الأموال”.
اعتبر قادة الاتحاد الأوروبي، أن إعادة إعمار سوريا – مهما كان بقاء بشار الأسد في السلطة مزعجًا بالنسبة لهم – تشكل الوسيلة الوحيدة لوقف تدفق اللاجئين السوريين إلى بلادهم
الصحيفة قالت أيضًا إن المبادئ الأساسية التي تقوم عليها مبادرة الاتحاد الأوروبي أكدها دبلوماسيون أوروبيون، موضحة أن زعماء أوروبا غيروا مواقفهم من سبل حل الأزمة السورية بسبب مخاوفهم من أنها تدمر تدريجيًا الهيكل السياسي في المنطقة، “لا سيما على خلفية تعزيز أزمة اللاجئين للفوضى الانتخابية في أنحاء القارة العجوز”.
واعتبر قادة الاتحاد الأوروبي، في هذه الظروف، أن إعادة إعمار سوريا، مهما كان بقاء بشار الأسد في السلطة مزعجًا بالنسبة لهم، تشكل وسيلة وحيدة لوقف تدفق اللاجئين السوريين إلى أوروبا.
من جهته، قال دي ميستورا خلال المؤتمر ذاته في محاولة أخيرة وخطاب مستميت: “حان الوقت الآن للبدء بمفاوضات فعلية”، وأضاف متوجهًا بالحديث إلى الأسد: “اتصل بالأمم المتحدة لتقول: أنا مستعد لحكم انتقالي، لمفاوضات فعلية”، وتطرق دي ميستورا أيضًا إلى وعد الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب بإلحاق الهزيمة بتنظيم داعش، وقال: “إذا كنتم تتحدثون عن إلحاق الهزيمة بداعش وليس التصدي لها، فستحتاجون إلى حل سياسي شامل”، لافتًا إلى تجربتَي العراق وليبيا، حيث لا يزال السلام بعيد المنال.
وجدد دي ميستورا دعوة روسيا وإيران إلى استخدام “نفوذهما” لإقناع دمشق بالتفاوض جديًا، منبهًا إلى أن البديل يمكن أن يكون نهاية الحرب، ولكن بداية حرب عصابات رهيبة من دون أي إعادة إعمار”، مؤكدًا أن هذه المفاوضات ينبغي أن تشمل “تقاسمًا للسلطة” محذرًا مما أسماه “أي تقسيم لسوريا”.
وفي موازاة ذلك، قالت مصادر إعلامية إن الاستخبارات التركية نظمت في أنقرة محادثات بين نحو 10 فصائل معارضة بينها الجبهة الشامية وحركة نور الدين زنكي وفيلق الشام وحركة أحرار الشام الإسلامية، ومسؤولين من الجيش الروسي، مشيرين إلى أن المطروح هو تطوير لخطة المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا ذات النقاط الأربع: خروج عناصر النصرة من شرق حلب ووقف القصف وإدخال مساعدات إنسانية وبقاء المجلس المحلي المعارض لفترة موقتة، وأشارت المصادر إلى أن الجانب الروسي اشترط موافقة دمشق على هذا الاتفاق ووقف المعارضة معارك جنوب غربي المدينة، قبل أن يتشدد ويطلب خروج جميع مقاتلي المعارضة.