هل للملك عذوبة تطغي على عبء المسؤولية، وعظم المسألة أمام الله تعالى يوم الجزاء، ناهيك عن دعوات المظلومين وأنات المتعبين ودماء الأبرياء وجثث الضحايا وأشلاء الطفولة البريئة وتدمير دولة عن بكرة أبيها وتشريد شعبها من أجل كرسي الحكم؟!
هل كل هذه التضحيات الفادحة تتصاغر أمام لذة السلطة ونشوة الإمارة وبهاء القصور وعبق السيادة؟!
ولنقترض أن كل هذا كائن، وأن الأثمان المبذولة شعبيًا تتضاءل أمام سؤدد السلطان، فهل يحكم بشار الآن ويستمتع بزهوة الملك بعد كل هذا الدمار والخراب؟
إن الواقع ليؤكد أن هذا مستحيل، وأن لذة سلطة بشار ذهبت أدراج الرياح، وذهب عنه المغنم وبقي له المغرم.
بشار اليوم محاط بطغمة من قادة جيشه الموتورين الذين دفعهم التهور للسير في هذا الطريق الدموي غير متوقعين ولا مكترثين بهذه العواقب الكارثية، فوصلوا جميعًا لنقطة اللاعودة، وفاتهم قطار الندم، وأي واحد منهم يعلم يقينًا أنه يراهن اليوم على رقبته وليس منصبه، والكل يده على زناد مسدسه وسيطلق رصاصه بلا أدنى تردد ولا رحمة لمن تسول له نفسه من سائر الطغمة بالتفكير بالتراجع حتى ولو عبر كلمات أو مجرد البوح بأنها أمنية لا أكثر ولا أقل.
بل الكل من حول بشار خائف ويعمل في الخفاء، أما أتعسهم فهو بشار نفسه الذي ما زال هو الرئيس إعلاميًا وشكليًا لا فعليًا، وهو الذي ينتصب أمام الكاميرات، وباسمه توقع القرارات، وهو الذي يوصف بالسفاح والديكتاتور وغيرها من أبشع الألقاب التي وصمت سمعته بالعار، ونقشت اسمه بأقذر مداد على صفحات التاريخ المعاصر.
الواقع يؤكد أن بشار لا يستمتع بنشوة السلطة التي دفع ثمنها ضحايا أبرياء، وهو الرئيس الذي لا يعلم من ببابه، حين زاره وزير الدفاع الروسي فجأة وعقد معه اجتماعًا وسط دهشته واستغرابه من هذه الزيارة التي باغتته في قصر ملكه.
بشار لا يعلم عن حال دولته شيئًا كما بثت الكاميرات قادة الروس في قاعدة حميميم الجوية قرب اللاذقية وهم يتفقدون طائراتهم وقواتهم وليس بينهم رتبه عسكرية سورية واحدة من جيش الممانعة والصمود السوري.
بشار الذي لما عرض عليه الرئيس الروسي التنحي رفض وهدد بأن رحيله سيلغي نفوذ الروس في بلاده ومنطقة الشرق الأوسط والبحر المتوسط، وكأنه يعلنها صراحة أنه خادم الروس المطاع، خادم بما تعنيه الكلمة وليس رئيسًا قائدًا حاكمًا سيدًا مطاعًا.
ولا ننسى أن بشار هو الذي رفض بشكل قاطع التدخل الأمريكي في العراق الذي وصل حد الاحتلال بزعمه، وطالب بدعم المقاومة العراقية وتوفير كل مستلزماتها، وتعرض لضغوط عديدة بسبب هذا الاتجاه، ثم أثبتت الوقائع بأنه كان عميلاً روسيًا بامتياز، وها هو يسلم دولته وليس العراق للروس بما يفوق حد الاحتلال إلى تحكمهم في مقدرات البلاد.
ومن سوء طالع بشار أنه كان طبيبًا للعيون ولا شأن له بالسياسة، لكن موت أخيه باسل الأسد جعله في صدارة المشهد السياسي باعتباره الخليفة لكرس الحكم الأسدي، فتطوع بشار الأسد في الكلية الحربية بسلاح المدرعات، ورقي إلى رتبة نقيب في الجيش عام 1994، وفي العام 1999 تم ترقيته إلى رتبة عقيد في الجيش، وفي العام 2000 تولى منصب رئاسة الجمهورية العربية السورية بعد استفتاء شعبي، ورقي إلى رتبة الفريق ليصبح القائد العام للجيش والقوات المسلحة، فليته كان طبيبًا يداوي بصائر الناس بدلاً من لعنة الحكم التي جعلته يدمر مصائر الناس.
هل بقى لشار في الحكم لذة؟ وهل تركت له السلطة أي نشوة؟ وهل يجلب له مخبأه الآمن طمأنينة؟ ثم إلى أين تقوده سدة الحكم؟ إلى السلامة أم إلى الندامة؟ رغم أن الكل يعرف – وهو أولهم – أنه لو نجا من أسر السلطة فلن ينجو من أسر الدماء، وتلك هي طامته الكبرى.