أذاعت فضائية الجزيرة منذ أسبوع الفيلم الوثائقي”العساكر.. حكاية التجنيد الإجباري في مصر” الذي قام بإخراجه المخرج الشاب عماد الدين السيد، وذلك وسط حالة كبيرة من الجدل صنعتها وسائل الإعلام المصرية الموالية للنظام، والتي استنفرت قبل أيام من عرض الفيلم لمهاجمته والرد عليه قبل أن يُعرض بعدما اتهمت فريق الفيلم بمحاولة تشويه الجيش المصري، وهو ما استدعى حالة التراشق الإعلامي مع دولة قطر بصفتها مالكة لقناة الجزيرة، وذلك بعدما كانت قد هدأت هذه الحالة بعض الشئ.
وعقب عرض الفيلم ازدادت حالة الجدل حول قضية الفيلم التي تتناول حياة المجندين المصريين داخل الجيش المصري، حيث نقل الفيلم شهادات متواترة عن مجندين تتحدث عن معاملتهم السيئة من قبل الضباط وصف الضباط، وكذلك تكليفهم بأعمال مدنية دون الاهتمام بمسألة التدريب.
وسط هذه الحالة التي خفت حدتها بعد أيام من إذاعة الفيلم كان لنون بوست حوار خاص مع مخرج الفيلم المثير للجدل عماد الدين السيد، وهو الشاب الذي لطالما عُرفت أفلامه بإحداث ضجة لا سيما أفلام “المندس” و “تحت المنصة” وهي أفلام وثائقية سابقة أخرجها السيد وحظيت بمتابعات ونقاشات عدة، لكن ما حدث مع فيلم العساكر لم يكن يتوقعه عماد الدين السيد بحسب حديثه لنون بوست الذي دار حول كواليس إعداد الفيلم، وردود الأفعال بعد عرضه.
نص الحوار:
متى ظهرت فكرة الفيلم ومتى بدأتم العمل عليها؟
أكد عماد الدين السيد أن فكرة الفيلم بدأت حينما اعتاد على الاستماع من أصدقائه ومحيطه عن التجنيد وحكاياته، وما يحدث بداخله من معاملة سيئة وعدم تدريب وغيرها من الحكايات المتتالية والأشياء المتعارف عليها لمن التحق بالتجنيد الإجباري في مصر، ومن هنا اهتم السيد بالموضوع وبدأ بالاستماع أكثر إلى هذه الروايات.
ومن هنا قرر السيد ربطها بفكرة أساسية قوامها لماذا يُقتل الجنود المصريين في سيناء وغيرها في الهجمات المختلفة التي تتم عليهم، دون أن يكون لدى المجند القدرة على الدفاع عن نفسه بشكل كافي، ومن خلال هذه الشهادات المروية عن ضعف التدريب داخل التجنيد الإلزامي يمكن الخروج بإجابة عن هذا السؤال، هذه الإجابة هي بسبب ضعف تدريب هؤلاء الجنود قتاليًا، أو ما يُسمى بضعف الكفاءة الفنية أثناء المواجهات أمام عناصر مسلحة تستخدم حروب العصابات كداعش في سيناء على سبيل المثال، بحسب تصريحات مخرج الفيلم.
وعلى هذا بدأ مخرج فيلم “العساكر” توثيق رحلة شاب مصري التحق بالتجنيد الإجباري في الجيش المصري، وتخرج منه وهو غير مؤهل أو مدرب على القتال، ما يتسبب في موته أثناء المواجهات.
ما تفسيرك لما حدث من جانب النظام المصري والإعلام الموالي له قبل وبعد إذاعة الفيلم؟
تعجب عماد السيد مخرج الفيلم أثناء حديثه مع نون بوست من ردة فعل الإعلام المصري على الفيلم، حيث أن هذا الأمر في وجهة نظره أفاد الفيلم وأضره في نفس التوقيت، حيث جراء هذه الضجة حقق الفيلم مشاهدات خيالية لم يكن يتوقعها المخرج الشاب أثناء إعداده للفيلم، بينما أضرت هذه الضجة بالفيلم، من حيث رفع سقف توقعات المتابعين المنتظرين للفيلم، إذ توقعوا وجود حرب حقيقية بين الجزيرة ومصر، وستقوم القناة بتسريب معلومات خطيرة عن الجيش المصري عبر فيلم “العساكر”، بحسب وصف السيد.
السيد: ربما يكون الخوف قد انتاب النظام المصري، والأجهزة الإعلامية الموالية له قبل مشاهدة الفيلم، من أن يحتوي على “أسرار حربية”
لا يجد المخرج أي مبرر لهذه الضجة، ويُرجح أنه ربما يكون الخوف قد انتاب النظام المصري، والأجهزة الإعلامية الموالية له قبل مشاهدة الفيلم، من أن يحتوي على “أسرار حربية” سيتم كشفها أو ما شابه، بالحديث عن جرائم كبرى تحدث داخل الجيش، حيث تعاملوا بمنطق محاولة إخفاء شئ ما عن الجمهور.
هل توقعت منذ البداية أن يحدث الفيلم كل هذه الضجة؟
لم يتوقع المخرج أن يحدث فيلم يتحدث عن مجموعة من الحكايات فقط عن التجنيد الإجباري كل هذه الضجة، حيث يؤكد عماد السيد أن الفيلم عبارة عن حكايات تتناول مسألة التجنيد الإجباري في مصر، وقد كان هدف الفيلم الرئيسي إظهار هذه الحكايات فقط، والتي يعرفها الجميع في مصر ممن التحقوا بالجيش لقضاء فترة التجنيد، ولكنها لا تظهر في وسائل الإعلام، وإنما يكتفى بذكرها على استحياء بشكل عابر في مشاهد درامية بالأفلام والمسلسلات.
السيد: إذا نُشر الفيلم دون كل هذه الضجة، كان يمكن أن يثير نقاش هادئ بين الجمهور بطريقة بناءة لإصلاح وضع ما
ويضيف المخرج: “ما أحببنا إظهاره في الفيلم هذه الحكايات التي تتحدث عن سوء معاملة المجندين، وقلة الكفاءة لديهم الناتجة عن عدم التدريب، وهو ما يودي بحياتهم في النهاية كما ظهر في نهاية الفيلم”.
“توقعت حين نشر الفيلم أن انتشاره سيكون على أساس إثارة الذكريات لدى المصريين أثناء قضائهم لفترة التجنيد داخل الجيش، وهو ما سيثير تساؤلات عن المشاكل التي يواجهها المجندون داخل الجيش، ما سيؤدي لحلها أو على الأقل لفت الانتباه إليها” هذا ما كان يتوقعه عماد السيد قبل نشر فيلم العساكر.
ويرى السيد أنه ربما إذا نُشر الفيلم دون كل هذه الضجة، كان يمكن أن يثير نقاش هادئ بين الجمهور بطريقة بناءة لإصلاح وضع ما، وليس بالطريقة التي صارت عقب نشره بعد التخويف من الفيلم، ورفع سقف التوقعات حول مدى خطورته.
هل أتى الفيلم بالفعل دون التوقعات؟
يرى عماد الدين السيد أن مسألة “تخييب الفيلم لتوقعات البعض” كما أظهرتها وسائل التواصل الاجتماعي عبر الجدل والاختلاف من جهة بعض النقاد والمتخصصين الذين تابعوا الفيلم نسبية، حيث أشاد البعض منهم به، فيما اختلف الآخرون معه على صعيد أكثر من زاوية، إلا أن المخرج يرى من جهة أخرى أن الفيلم حقق نجاحًا جماهيريًا على صعيد “الناس العادية” كما يُطلق عليهم عماد في حديثه، حيث أنه بمتابعة الهاشتاج الخاص بالفيلم على مواقع التواصل يمكن رؤية وجهة نظر جماهيرية واضحة أيدت الفليم، وروت مزيدًا من الحكايات المتعلقة بموضوعه، بحسب تعبيره
السيد: الفيلم رسالة للحفاظ على كرامة المجندين لأنها من كرامة أي جيش
وبهذا يعتقد المخرج أن الفيلم نجح على مستوى الجمهور، بعدما أعاد الفيلم ذكريات الجماهير عن الجيش، عن طريق صنع الفيلم حالة من التدوين عن فترة التجنيد في مصر بعد قيام الآلاف بالكتابة عن تجاربهم الشخصية حول هذه الفترة من حياتهم، وتأكيد البعض على أن ما رواه الفيلم هو جزء بسيط من الواقع داخل التجنيد، كما قام الفيلم أيضًا بدور توعية المقلبين على فترة التجنيد عما سيواجهونه في المستقبل داخل هذه التجربة، بحسب تصريحات مخرج الفيلم.
يواصل عماد الدين السيد حديثه بالقول: “كل هذا يدلل على صناعة “حالة ضخمة” داخل الرأي العام بإثارة مشكلة تمس كل الشباب في المجتمع المصري غير مطروقة النقاش، وهو ما يعزز فرضية نجاح الفيلم على المستوى الجماهيري بعدما أدرك الشباب أن هناك مشكلة داخل التجنيد الإجباري في مصر يجب حلها”.
هل وصلتك تهديدات أو ما شابه من أي جهات بعد عرض الفيلم؟
أكد عماد الدين السيد مخرج فيلم العساكر تعرضه لتهديدات عديدة، عبر مواقع التواصل الاجتماعي وغيرها، بعدما حدث في بعض وسائل الإعلام المصرية التي اعتبرته “خائنًا وعميلًا” عن طريق وصلات من الهجوم الحاد، حتى قبيل عرض الفيلم، كما تم تقديم عدة بلاغات إلى السلطات المصرية ضد مخرج الفيلم، وهو ما أصاب المخرج عماد الدين السيد بـ “قلق في فترة ما” بعد كل هذا الهجوم بحسب وصفه.
ولكن يوضح عماد السيد أن هذا القلق كان منبعه الأساسي من إمكانية “إساءة فهم رسالة الفيلم” وتأويلها على غير مرادها، كإظهار منفذي الفيلم بأنهم ضد الجيش المصري، وضد التجنيد الإجباري، وما إلى ذلك من رسائل حاول الإعلام المصري بثها عن الفيلم قبل عرضه، وهو ما اتضح غيره تمامًا -بحسب ما يرى عماد- بعد إذاعة الفيلم الذي انحاز للمجندين “العساكر” الذين يتعرضون لمعاملة قاسية للغاية دون أي سبب واضح، بالإضافة لمسألة انعدام التدريب الذي يؤهلهم للدفاع عن أنفسهم على الأقل.
لماذا لم يقدم الفيلم وجهة النظر المقابلة من داخل الجيش المصري؟
يؤكد عماد الدين السيد ردًا على مسألة عدم وجود وجهة نظر تمثل الطرف الآخر، أن فريق إعداد الفيلم حاول طيلة فترة الإعداد التواصل مع لواءات داخل الجيش المصري سواء في الخدمة أو متقاعدين، وهو ما وجه بالرفض الشديد سواء لحساسية اسم “الجزيرة” داخل مصر أو لأسباب توتر العلاقات المصرية القطرية في الفترة الأخيرة.
ويواصل عماد حديثه بالقول: “حتى أن بعضهم وافق على التصوير في البداية، وبعد إتمام المقابلة قاموا بإلغائها وبالتراجع عنها، فكان الحل أمام فريق الإعداد في الاعتماد على المصادر الإعلامية الرسمية، مثل اللقاءات التي ظهرت في الفيلم لقيادات في الجيش تتحدث عن بعض القضايا التي يُثيرها الفيلم، كعمل المجندين داخل مشروعات مدنية أو التدريب وما إلى ذلك”.
السيد: حرصنا طيلة فترة الإعداد على إيجاد صوت آخر للرد، ولكن باءت هذه المحاولات بالفشل، لحساسية الموضوع الذي يتناوله الفيلم
ويضيف: “ولكننا حرصنا طيلة فترة الإعداد على إيجاد صوت آخر للرد، ولكن باءت هذه المحاولات بالفشل، لحساسية الموضوع الذي يتناوله الفيلم”، حيث يعتبر عماد السيد أنهم نجحوا في صناعة فيلم من “اللا شئ” بحسب وجهة نظره، بسبب ندرة المصادر والمعلومات التي تتحدث في هذه القضية بتفاصيل دقيقة، وكذلك بسبب استحالة حديث أفراد داخل القوات المسلحة المصرية لوسائل الإعلام دون قرار سياسي، وهو ما اضطروا معه لإخفاء هوية المصادر (من المجندين) وتغيير أصواتها واللجوء إلى كل إجراءات حمايتهم.
وكذلك يتحدث السيد عن الصعوبات التي واجهتهم في الحصول على مواد من داخل الوحدات العسكرية التي يمنع فيها التصوير من الأساس، وبالرغم من ذلك فقد نجحوا جزئيًا في الحصول على بعض الصور لمجندين داخل الوحدات، ولكنها كانت محدودة للغاية، وهو ما اضطروا معه لحل “المشاهد التمثيلية” لصعوبة توثيق بعض الموقف بمصادر حقيقية كسوء معاملة الجنود من قبل الضباط أو صف الضباط، حتى أن الإعلام المصري سُمح له بالتصوير داخل الوحدات العسكرية في محاولة لإظهار صورة مثالية مغايرة لما قد يكون في الفيلم.
كل هذه العوامل أعطت انطباعًا لدى البعض أن الفيلم “ضعيف معلوماتيًا” بحسب توصيف مخرج الفيلم، لكنه عاد ليؤكد أن ما تم إخراجه في الفيلم هو أقصى المتاح، مضيفًا أن فريق الفيلم كان يمتلك العديد من الحكايات والقصص “الصعبة” داخل الجيش لكنهم أثاروا سلامة المصادر التي روتها لهم، واكتفوا بعرض الحكايات المتواترة التي حدثت لكثيرين داخل الجيش، ما سيعطي مصداقية لها، وفي نفس الوقت تحقق شرط الحفاظ على أمن وسلامة المجندين الذين أدلوا بها.
ما أبرز العقبات التي واجهتكم أثناء إعداد الفيلم؟
حصر المخرج عماد الدين السيد العقبات التي واجهتهم أثناء إعداد الفيلم في صعوبة الحصول على رد من ممثل للجيش، وكذلك تجهيل المصادر للحفاظ على أمنهم وسلامتهم وهو ما يضعف المصداقية بالطبع، حيث أكد أن ذلك كان الشرط الأساسي لمن رضي من المصادر بالمشاركة، كذلك عقبة الجانب التوثيقي لما يحدث من انتهاكات بحق المجندين والتي تحدث عنها الفيلم.
السيد: فريق الفيلم لجأ إلى الاعتماد على أسلوب “التواتر” في حكايات الفيلم لتوثيق المعلومات الواردة فيها
وهو ما لجأ بفريق الفيلم بحسب تصريحات المخرج إلى الاعتماد على أسلوب “التواتر” في هذه الحكايات لتوثيق المعلومات الواردة فيها، بحيث يؤكد نفس الحكاية العشرات من المجندين الذين مروا بتجارب متشابهة، لذا شعر البعض أن هذه الحكايات ليست بالجديدة بالنسبة لهم، ولكن في النهاية هذه هي المرة الأولى التي تخرج فيها هذه الحكايات بهذه الصورة للعلن على وسائل الإعلام، حسب توصيف السيد.
ما تقييمك الشخصي للفيلم بعد عرضه والملاحظات التي ظهرت عليه سلبًا وإيجابًا؟
يرى مخرج الفيلم عماد الدين السيد أنه من الأفضل أن تُترك عملية التقييم للجمهور، لكنه في ظنه أن الفيلم “سيعيش” لمدة طويلة لارتباطه بقضية هامة كقضية التجنيد الإجباري في مصر، والتي يعيشها الغالبية العظمى من جمهور الشباب في مصر.
السيد: القضية التي يعالجها الفيلم ليست وقتية وستنتهي، وإنما سيظل الفيلم له جمهوره باستمرار من المجندين والمقبلين على فترة التجنيد
لذا فإن القضية التي يعالجها الفيلم بحسب وجهة نظره ليست وقتية وستنتهي، وإنما سيظل الفيلم له جمهوره باستمرار من المجندين والمقبلين على فترة التجنيد وغيرهم، كما سيظل الفيلم عالقًا في أذهان من يتساءلون حول أسباب مقتل الجنود المصريين في سيناء بكل هذه السهولة، إلى أن تحل هذه المشاكل، ويكون الفيلم جزءًا من التاريخ التوثيقي لهذه الفترة في مصر.
ختم عماد الدين السيد حديثه مع نون بوست بتمنيه ألا يفهم البعض رسالة الفيلم بصورة خاطئة، وعلى الجميع التأكد أن الفيلم ليس “ضد الجيش” أو “إهانة” له، حتى أنه بشكل شخصي ليس ضد فكرة التجنيد الإجباري، وإنما كان الفليم لأجل عدم إزهاق أرواح المجندين المصريين بسهولة في سيناء، وحتى يعود الجيش المصري لوظيفته الأساسية في تدريب وإعداد المجندين، وفي النهاية يختم المخرج حديثه: “الفيلم رسالة للحفاظ على كرامة المجندين لأنها من كرامة أي جيش”.