ليلة الأربعاء/ صباح الخميس 5 و6 من ديسمبر/ كانون الأول 2012م ليلة كانت حاشدة، لكن الذاكرة الجمعية للإخوان لم تعد تدرسها وغيرها في الذكرى الرابعة لها فحسب، والتي تمر بهدوء هذه الأيام، فإن كان قد سقط لهم تسعة شهداء في تلك الليلة الدامية مع عشرت أو حتى مئات المُصابين، فإنه لم يمض عليها تسعة أشهر إلا وكانت أكثر مآسي مصر المعاصرة والحديثة قد اكتملت، بمأساة رابعة العدوية والنهضة، وما سبقها وتليها من مذابح بميادين مصرية مختلفة، ليرتفع عدد الشهداء إلى آلاف، لعل إحصائية دقيقة لم تحصها أو تحط بهم إلى الآن، رحمهم الله وأحصاهم وأثابهم بقدر إخلاصهم.
متظاهرون ضد حكم مرسي أمام القصر الجمهوري
في تلك الليلة الدامية كان “متظاهرون” بلغة ذلك الزمان، قد تداعوا إلى القصر الجمهوري، من قوى أعلنت نفسها “ثورية”، ومع تداعيهم للاستجابة لطلبات منافسين للرئيس محمد مرسي بمحاولة الانقلاب عليه، وتجمعهم كل عدة أسابيع على الأكثر في الشوارع وإرهابهم المواطنين، وانسحاب الشرطة في سيناريو للفوضى متكرر، ولما طال العهد والأمد بهم “تجرأوا أكثر”، وبعد أن كانوا يحاولون مهاجمة مبانٍ يُطلق عليها سيادية مثل التليفزيون وفنادق كبرى وتعطيل المواصلات في طول العاصمة على وجه الخصوص، لملموا أنفسهم، معترضين على الإعلان الدستوري الذي أصدره الرئيس مرسي في 22 من نوفمبر/ كانون الأول 2012م بتحصين مجلس الشورى من الحل وقرارته الرئاسية والجمعية الدستورية إلى حين وجود دستور للبلاد.
ورغم اعتراض صاحب الكلمات على منهجية الرئيس مرسي في التعامل مع المشكلات المصرية في سنة رئاسته، بل تصدي الإخوان من الأساس لأمر الرئاسة، لم يكن نائيًا عن كثير من هذه الوقائع والأحداث، وكانت معارضته داخل النطاق الوطني الذي يلين لرأي الجمع ويحاول معهم، وإن آلمه حالهم وفشل محاولاتهم ورؤيته لتخاذلهم عن الأخذ بالأسباب من حيث دروا ومن حيث لا.
ومن شواهد التقصير في ذلك اليوم إعلان مدعي الثورة أنهم سيعتصمون أمام القصر الجمهوري الأربعاء بنهاية الأسبوع (الموافق 5 من ديسمبر/ كانون الأول) ومعرفة الإخوان بالموعد، وتركهم الساحة خالية من قبل ذلك، ونزولهم في نفس اليوم، بعدما كان أنصار السيد البدوي وممدوح حمزة تحديدًا، قد أخذوا أماكنهم واستعدوا للفوضى وبذر بذور الفتنة، عوضًا عن البلطجية الذين كان عددهم الإجمالي يزيد عن ثلث المليون أطلقتهم الداخلية المصرية في أيام الثورة الأولى، وشارك آلاف منهم في الأحداث، ثم ادعت الداخلية أنها غير قادرة على حماية مصر وانسحبت ليلة أحداث الاتحادية، وأعطت نفسها إجازة مدة عمل الرئيس المُنتخب، مع عدم قدرة الأخير عليهم، وانتهاجه النهج الإصلاحي رغم كل الوقائع الدالة على سقوط البلاد في بحر من الدماء قريبًا.
ومع ازدياد الأحداث وتكررها كان المرء يعجب من اعتقاد الإخوان الشديد بأنهم منصورون، وكلما فشلت محاولة مثل الاتحادية، ورغم سقوط شهداء ومصابين كان الأمل يقوى في داخلهم بأن الأمور ستستتب إليهم، ورغم علم الرئيس محمد مرسي نفسه بأن الجيش يساهم بشكل رئيسي في الفوضى الحادثة في البلاد، ووصول تقرير لجنة كلفت بتقصي حقائق محاولة ثورة يناير، والمُتسبب في سقوط الشهداء، رحمهم الله، إليه في 31 من ديسمبر/ كانون الأول، نفس شهر أحداث الاتحادية، وذكر التقرير بوضوح أن وزير الدفاع الذي اختاره ورقاه من لواء إلى فريق وفريق أول في 12 من اغسطس/ أب السابق على التقرير، هو الذي أشرف على نشر مجموعات في الفنادق المحيطة بميدان التحرير، ميدان محاولة الثورة، والأخيرون قتلوا المتظاهرين، أي أن السيسي قاتل من وقت محاولة الثورة لا منذ الانقلاب، إلا أن “حلم الرئيس مرسي وسعه، ورغم وضوح كلمات الدكتور محمد البلتاجي في برنامج العاشرة مساءً قبل تولية السيسي وزارة الدفاع عن أنه لقيه في الميدان قبل “مذبحة الجمل” بساعات وحذره من كون أنصار مبارك في الطريق إليه لإبادتهم، ورغم هذا تم اختيار السيسي، وتم بقاؤه!
ولأن الطريق إلى القتل فُتِح على مصراعيه بأحداث الاتحادية قبل مرور ستة أشهر على تولية الرئيس مرسي، فقد جاءت بعدها بأقل من أربعة أشهر فقط “أحداث المقطم” في 22 من مارس/ أذار 2013م ليصاب العشرات على الأقل من أنصار الإخوان مرة أخرى، ومؤخرًا أسر إلي أحد الرجال المسؤولين عن التأمين في ذلك اليوم أن مسؤول الإخوان عن المقطم، وهو قيادي فاضل للأمانة، لكنه رجل يحفظ القرآن وعلى خُلق لا يؤهله للتصدي للسلاح في أيدي بلطجية ولا حتى مجرد التعامل معهم، ومع ذلك كان مسؤول المقطم هو مسؤول الإخوان للدفاع عن أنفسهم وعن المقر أمام آلاف المُندسين والبلطجية من مدعي الثورة.
وقد كانت أحداث المقطم مثلها مثل الاتحادية ومن قبل محمد محمود الأولى والثانية فقرات في ظهر قيام الثورة المضادة بالتهام الثورة المصرية غفل الإخوان عنها جميعًا، ولم يشاركوا في محمد محمود، بشكل رسمي، حرصًا على وجودهم والانتخابات الخاصة بمجلس الشعب، وهو الوجود الذي تم التهامه من آسف، لكن التخلي عن شباب الثوار في محمد محمود، وأعني المخلص منهم، كان ثمنه باهظًا فيما بعد، وهو ما حذر منه صاحب الكلمات في مقال حينها مع آخرين في مقالات مُشابهة دون جدوى.
كان الإخوان يتعاملون بمبدأ أن الله ناصرهم، دون تمام أخذ بالأسباب لا في التعرض لرئاسة الجمهورية، ولا في التصدي لمشكلات مصر، ومن آسف شديد لم يتسببوا، فحسب، في الوبال لآلاف من أنصارهم من مصابين ومعتقلين وأهالي شهداء اليوم، بل ساهموا في مرير وضع الأمة في هذه اللحظة بتفريطهم في قوتهم وإضاعتها، إلا ما أراد ربي فيما لا يفيد.
وبنفس المنطلق أخبرني نفس الرجل، عضو لجنة تأمين ميدان رابعة فيما بعد، وهو مَنْ أحسبه على خير أن هاجسه كان طول مدة الاعتصام هو كيفية خروج النساء والأطفال حال تحرك الدبابات لفض الميدان، وهو ما أكده مسؤول تأمين الميدان كُله مصطفى الصوفي من أنهم سوف يتجمعون في المستشفى الميداني في مسجد رابعة، ثم يتم فتح ممر آمن لهم، وهو ما لم يحدث، فضلاً عن عدم تأمين المستشفى ذاته، وذكر محدثي أن سلاحًا كان موجودًا في عدد من الخيام على مدار الاعتصام مع الذين يستطيعون استخدامه لكن لقتل القناصة لا المُهاجمين المُسلحين حال هجومهم، أما الأدهى فإن السلاح تم جمعه منهم قبل وقائع مجزرة رابعة بأيام بلا سبب.
أما ما هو أكثر مرارة فإن خبر فض الميدان وصل لمسؤوليّ التأمين في الحادية عشرة من مساء الثلاثاء 13 من أغسطس/ أب 2013 قبل الفض بسبع ساعات كاملة، وكانت المرة الأولى التي يصلهم الخبر فيها، بما يعني جديّته، وكانت الخطة إجلاء المعتصمين قبل “الفض”، وهو ما لم يحدث على الإطلاق، ولم يعرف به إلا القليل جدًا من المُعتصمين فضلاً عن عدم وصول الخبر إلى ميدان النهضة من الأساس، ومحدثيّ في المنفى اليوم لا يعرف سرًا لما حدث، ولم يلتق مسؤوله الميداني بعدها، في وقائع تثير أسئلة مريرة عن كيفية تصدي الإخوان لحكم مصر، ومواجهتهم الأحداث البالغة المرارة مرورًا بالاتحادية ووصولاً إلى رابعة العدوية.