يبدو أن محمود عباس رئيس السلطة الفلسطينية ورئيس حركة فتح التي تم تجديد رئاستها له قبل أيام، أطلق رصاصة رحمته على ندّه محمد دحلان القيادي الفتحاوي المفصول من الحركة، حيث أفادت القناة العبرية العاشرة مساء أمس “بأن مستندًا من لجنة التحقيق التي شكلها الرئيس الفلسطيني محمود عباس بشأن وفاة الرئيس السابق ياسر عرفات، يتهم دحلان بالتورط باغتيال عرفات، عبر إدخاله أدوية مسممة مع وفد أجنبي جاء لزيارة عرفات في أثناء تلقيه العلاج في مستشفى قرب العاصمة الفرنسية باريس، إذ إن عناصر دحلان الذين رافقوا الوفد اعترفوا بذلك”.
هذه التسريبات الخطيرة والتي تأتي في وقت حساس، عقب مؤتمر حركة فتح السابع وإعادة انتخاب عباس رئيسًا للحركة فيه، إضافة لتشديد الخناق على التيار الدحلاني المنافس له داخل الحركة، خصيصًا بعد أن أظهرت النتائج الأولية لانتخابات اللجنة المركزية لحركة فتح تعزيز رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس نفوذه داخل الحركة، وذلك بعد إقصاء الشخصيات المقربة من دحلان، توضح تمامًا شعور الرجل – أي عباس – بخطر كبير من قبل دحلان والذي تقف في ظهره حكومات مصر والخليج وبعض الحكومات الغربية، لكي يتقلّد رئاسة السلطة خلفًا لعباس والذي يعتبر منتهي الصلاحية لدى إسرائيل وحكومات هذا المحور.
محمود عباس كان قد صرح في الذكرى الـ12 لاغتيال ياسر عرفات التي أحياها الفلسطينيون قبل أسابيع، أن عرفات اغتيل مسمومًا وأنه يعلم من يقف وراء تسميمه، وسيكشف عنه خلال المؤتمر السابع لحركة فتح الذي اختتم أعماله السبت الماضي.
القناة العبرية العاشرة نقلت عن هذا المستند الذي تم الكشف عنه في أثناء المؤتمر السابع لحركة فتح “أن دحلان متهم من قبل اللجنة ذاتها بتجنيد ضباط وقادة بارزين في الرئاسة الفلسطينية في حينه من أجل تنفيذ انقلاب عسكري في الضفة الغربية للإطاحة بخليفة عرفات، كما ويتهمه المستند بالتورط بما يعرف بالحسم العسكري الذي أدى إلى إنهاء حكم السلطة الفلسطينية وحركة فتح في قطاع غزة في العام 2007، بعد صدامات مسلحة بين عناصر السلطة وفتح بقيادة دحلان من جهة، وحركة حماس وكتائبها القسام من جهة أخرى، والذي أسفر عن مقتل وإجلاء مئات الفتحاويين من قطاع عزة”.
وكان دحلان قد شغل في بداية عهد الرئيس محمود عباس منصب رئيس جهاز الأمن الوقائي في غزة إلى جانب عضويته في اللجنة المركزية لحركة فتح، حتى اضطر لمغادرة غزة في أعقاب الحسم العسكري، لتسوء علاقته بعباس منذ ذلك اليوم.
وقام عباس بفصل دحلان من اللجنة المركزية، قبل أن يقود “حملة تطهير” لمناصريه الذين يشغلون مناصب في السلطة وعلى رأسهم ياسر عبد ربه الذي كان مديرًا لهيئة الإذاعة والتلفزيون، وعلل عباس هذه الخطوات بـ”تورط دحلان بقضايا مالية وجنائية”، في حين يرى دحلان أن السبب الحقيقي لذلك هو التأييد الجارف الذي يحظى به في الشارع الفلسطيني خصوصًا في المخيمات، مما يؤهله ليكون خليفة لمحمود عباس، الأمر الذي يراه الأخير تهديدًا لكرسي الرئاسة.
ما خيارات دحلان؟
دحلان في معرض رده على تصريحات لمحمود عباس قبل نحو ثلاثة أسابيع قال فيها الأخير إن الأول يعرف من قتل عرفات، قال إن عباس يخلط الأوراق، واتهمه بـ”المتاجرة الرخيصة بقضية استشهاد الرئيس عرفات”.
وقال دحلان في منشور على صفحته بـ”فيسبوك”: “ينبغي التوقف فورًا عن المتاجرة الرخيصة بقضية استشهاد عرفات، ولقد آن الأوان لوضع ملف التحقيقات في سياقها القانوني والعملي، لكشف كل خبايا كبرى جرائم العصر بدلًا من التلاعب والتوظيف الرخيص والمغرض الذي يمارسه البعض بصورة موسمية، وبهدف التلاعب بعواطف شعبنا الفلسطيني العظيم”.
إلى ذلك، يرى مراقبون أن المؤتمر السابع والانتخابات التي جرت بداخل حركة فتح مؤخرًا، أظهرت عباس زعيمًا أوحد لفتح، وكرست نفوذه في مفاصلها وفي المقابل ظهر ضعف حضور دحلان في صفوفها وعدم قدرته على منافسة عباس والتيار التقليدي في الحركة.
المرحلة المقبلة ستشهد حالة من التحريض المتبادل وستطرح قضية اغتيال الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات وربما توجه اتهامات صريحة لدحلان باغتياله ويقدمه عباس للمحاكمة
وعززت كذلك نفوذ عباس في قطاع غزة والذي يعد معقلًا لدحلان من خلال فوز القيادي أحمد حلس وهو ما يؤهله لإعادة ترتيب الوضع الداخلي لفتح في غزة لصالح عباس لكونه شخصية على تناقض مع محمد دحلان.
وكان أبو مازن استبق عقد المؤتمر بحملة واسعة لتصفية وجود المقربين من دحلان داخل المجلس الثوري وأعضاء المجلس التشريعي وصلت في بعض الأحيان إلى اشتباكات مسلحة داخل مناطق في الضفة الغربية كما حصل في مخيم بلاطة في مدينة نابلس.
كما يرى محللون أيضًا أن محمد دحلان فقد الكثير من الخيارات لمواجهة نفوذ عباس داخل حركة فتح خاصة بعد شن حملة شعواء عبر وسائل إعلام عربية ودولية واستعانته بالرباعية العربية للضغط على عباس باتجاه عودته للمشهد الفتحاوي، كما لم يعد بإمكان دحلان العودة لمنظمة التحرير ولا حركة فتح وعليه الانتظار لواحد من أمرين الأول إما للمؤتمر الثامن لحركة فتح وإما لخروج عباس واختفائه من المشهد السياسي وتغلغل أنصاره في فتح مرة أخرى.
ويرى محللون ومتابعون للشأن الفلسطيني أن المرحلة المقبلة ستشهد حالة من التحريض المتبادل وستطرح قضية اغتيال الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات وربما توجه اتهامات صريحة لدحلان باغتياله ويقدمه عباس للمحاكمة ويحكم عليه غيابيًا لتعطيل أي محاولة لحضوره مرة أخرى للمشهد.
عباس ربما كسب هذه الجولة في الصراع مع دحلان، لكن في الوقت ذاته سيظل هذا الصراع مفتوحًا، وربما الظروف تتغير لتأتي في صالح دحلان وتياره في لحظة ما، خصيصًا أن عباس سيكون في مواجهة الرباعية العربية التي أظهرت ميولًا لوجود دحلان في المشهد، وربما لم يرقها إفرازات مؤتمر فتح الأخير، وما رافقه من تصفية لتيار دحلان.