شركة الشحن ميرسك تفخر بجهودها تجاه الإنسان عبر العالم
“ميرسك” هي إحدى أكبر شركات الشحن في العالم. شركة دنماركية الأصل تساهم في الاقتصاد الدنماركي بأكثر من ١٥٪ من عوائد الدولة، توظف أكثر من ١٢١ ألف شخص عبر العالم، وتعمل في ١٣٠ دولة وبلغ دخلها ٥٩ مليار دولار في العام الماضي فقط، ميرسك تفخر دائما ومن عدة أوجه بكونها واجهة الاقتصاد الدنماركي الحديث: إنساني، متنوع ومستنير.
لكن ما الذي يجعل شركة بهذا الحجم تحارب -عبر شركائها- في الولايات المتحدة ضد إقرار قانون لإصلاح نظام المساعدات الإنسانية الأمريكية؟ هذا ما تكشف عنه مجلة فورين بوليسي في تقرير نُشر مساء أمس.
لمعرفة الإجابة يجب أن نعود للخلف قليلا، فالولايات المتحدة لديها تقليد عريق تفخر به يتمثل في إيصال الغذاء إلى أفقر سكان العالم الذين يعيشون في ظل ظروف شديدة القسوة. هذا الطعام أنقذ الملايين عبر العالم عندما كانت حياتهم على المحك، لكن عملية تقديم تلك المعونات هي عملية معيبة للغاية ويعتريها قصور شديد.
حاليا يتم شراء المساعدات الغذائية من الولايات المتحدة ثم يتم شحنها عبر آلاف الأميال إلى مناطق المساعدات من سوريا إلى جنوب السودان، لكن تكلفة شحن هذه الأغذية ضخمة للغاية، ولذلك فإن هذا النظام يصب بشكل كامل في صالح شركات الشحن، فيما يخسر دافعو الضرائب والمحتاجين نتيجة هذا النظام!
فالأموال التي يتم إنفاقها على الشحن، تُعد من ضمن تكلفة المساعدات، التي يتحملها دافع الضرائب الأمريكي بالإضافة إلى متلقي تلك المساعدات.
إن كل دولار يُنفق على المساعدات، يذهب نصفه على الأقل إلى الشحن وتكاليف النقل بدلا من إنقاذ المحتاجين!
ليس هذا فحسب، لكن شراء المساعدات من الولايات المتحدة وضخها في البلدان المتضررة يؤثر بشكل سلبي مباشر على أسواق الغذاء المحلية حيث يضطر المزارعون والتجار المحليون إلى خفض أسعار منتجاتهم، وبالتالي تظل تلك الدول بحاجة للمساعدات!
لتصحيح هذا الأمر يدرس الكونغرس عدة إصلاحات قانونية من شأنها أن تجعل نظام المعونة الغذائية أكثر مرونة وكفاءة، من خلال شراء نسبة أكبر من الغذاء من الأماكن الأقرب جغرافيا للمناطق المتضررة، هذا الاقتراح حصل على دعم كبير من المنظمات الإغاثية التي قالت إنها ستطعم ٤ مليون شخص إضافي أو حتى ١٠ ملايين بحسب بعض التقديرات.
لكن ميرسك، بالإضافة إلى البحرية الأمريكية والنقابات الزراعية شنوا هجمة شرسة على تلك الإصلاحات! البحرية الأمريكية وميرسك هما المسؤولين عن الشحن، والنقابات الزراعية هي المسؤولة عن توفير شحنات الغذاء، الأمر يتعلق إذا بالأرباح، مقابل حياة الملايين الذين قد يستفيدوا من تقليص نفقات الشحن.
إن النظام الرأسمالي العالمي الذي تتحكم فيه مجموعة من الشركات الكبرى وجماعات الضغط مثل النقابات المستفيدة وغيرها يؤكد دوما على أولوية الأرباح متجاهلا تماما العامل البشري في المعادلة، وهو ما ينبغي أن يعمل العالم على تغييره!