ترجمة وتحرير نون بوست
هذا المقال كتابة مشتركة بين ألين فوير وأندرو هيجينز
يهدف ماثيو هايمباخ مؤسس حزب العمال التقليدي إلى الحفاظ على مكانة البيض في الحضارة الغربية، وعلى محاربة المواقف المعادية للمسيحية، كما يعتقد أن فلاديمير بوتين يُعتبر الرئيس المثالي وقائد العالم الحرّ ومصدر إلهام شخصي له ولحزبه.
أثار دونالد ترامب خلال حملته الرئاسية، دهشة العديد من اليساريين والمؤسسة السياسة الخارجية بسبب مديحه وثنائه على بوتين وانتقاده لجهود إدارة أوباما التي حاولت عزل ومعاقبة روسيا بسبب السياسات التي اتبعتها في شبه جزيرة القرم وشرق أوكرانيا.
إن قائد مجموعة حزب العمال التقليدي هايمباخ الذي يعتقد بتفوق العرق الأبيض وبمناهضة الهجرة، يرى على غرار كل القومين والداعين لتفوق العرق الأبيض والنازيين الجدد، أن بوتين بمثابة “الفارس المغوار ورمز للقوة والنقاء العرقي وأفضل مدافع عن القيم المسيحية التقليدية في العالم”، خاصة في ظلّ تنامي تهديد المتطرفين والمهاجرين والنخب العالمية.
وفي هذا السياق، يقول سام ديكسون المحامي السابق لمجموعة “كيو كلاكس كلان” وهي الحركة اليمينية المتطرفة التي تدعم القومية البيضاء وتتبنى مجموعة من المواقف العنصرية والمعادية للمهاجرين، إنه يرى دائمًا روسيا بمثابة حارس عند البوابة، يقف في الأمام من أجل حماية شعبنا، وأضاف أنه يرى بوتين بمكانة “المدافع عن العالم المسيحي”، مشيرًا إلى أنه معجب جدًا بالشعب الروسي ويعتبره من أقوى الشعوب البيض على وجه الأرض.
ظهر هذا الانبهار والعشق تجاه بوتين لدى بعض السياسيين المنتمين لليمين المتطرف في أوروبا، والذين يملك الكثير منهم علاقات وثيقة مع مجموعات داعمة لنفس توجهاتهم في الولايات المتحدة، وساعدت هذه العلاقات عبر الأطلسية على نشر وجهة النظر التي ترى بوتين نموذجًا مثاليًا.
وذكر زعيم الحزب الوطني الديمقراطي في ألمانيا الذي يترأس جماعة يمينية متطرفة أن المستشارة أنجيلا ميركل “خائنة” لأنها فتحت الباب أمام ما يقارب من مليون مهاجر من سوريا وأماكن أخرى خلال العام الماضي، وأضاف زعيم الحزب الوطني الذي يُدعى أودو فويكت أنه بحاجة إلى مستشار مثل بوتين، أي شخص يعمل على حماية ألمانيا وأوروبا، مثلما يعمل بوتين على حماية روسيا.
اتُهمت إدارة أوباما المصالح الروسية بالتدخل في الانتخابات الرئاسية عن طريق نشر أخبار زائفة واختراق أجهزة الكمبيوتر اللجنة الوطنية الديمقراطية ورسائل البريد الإلكتروني عن طريق القيادي البارز في الحملة الانتخابية هيلاري كلينتون، جون بودستا.
ولكن جهود روسيا التي تسعى إلى التحريض على تفوق البيض وإلهام الجماعات اليمينية المتطرفة الموجودة في الولايات المتحدة وأوروبا، قد تثبت، في نهاية المطاف، مدى قدرتها على التأثير وتغيير العديد من المعطيات العرقية في الولايات المتحدة.
وقد ساعدت مؤسسات الفكر والرأي التي تحظى بتمويلات روسية بالإضافة إلى الكنيسة الأرثوذكسية ووسائل الإعلام التي تسيطر عليها الدولة، مثل شبكة آرتي الإخبارية التلفزيونية ووكالة سبوتنيك للأنباء إلى وصول بوتين، في السنوات الأخيرة، إلى المجموعات المحافظة والقومية في الخارج عن طريق إيهامهم بأنه يقف معهم ضد الناشطين في مجال حقوق المثليين وغيرها من قوى الانحلال الأخلاقي.
استعمل بوتين هذه المركزية العنصرية أولاً عندما كان يناضل من أجل حصوله على فترة ولاية ثالثة في روسيا في أوائل سنة 2012، حيث إنه لم يقدم روسيا في ذلك الوقت فقط على أنها قوة عسكرية تستحق الاحترام الدولي، بل أيضًا “كنموذج حضاري” له القدرة على حصول على دعم الأشخاص الذين ضاقوا ذرعًا من تآكل القيم التقليدية، والذين يعيشون داخل روسيا وخارجها.
وفي نفس هذا السياق، قال المحلل في مركز أبحاث “بوليتيكال كابيتال” في بودابست، بيتر كروكو إن “الكرملين قد وفّر، أيضًا، الدعم المالي واللوجستي للقوات اليمينية المتطرفة في الغرب”، وعلى الرغم من أن حركة “من أجل مجر أفضل” المعروفة باسم “يوبيك” والعديد من المجموعات أخرى قد اتُهمت بتلقي أموال من موسكو، فعديد من المعلومات كشفت أن الجبهة الوطنية في فرنسا حصلت على قروض قيمتها أكثر من 11 مليون دولار من البنوك الروسية.
وبالإضافة إلى أن روسيا تدعم كل الجماعات اليمينية المتطرفة، بغض النظر عن بعض المواقف، تعتقد أنه يجب إقصاء كل النخب التقليدية التي تدعم العولمة والمؤسسات العابرة للحدود مثل حلف الناتو والاتحاد الأوروبي، ولكن يعتقد المحلل كروكو أن “بوتين هو من بين الأشخاص الذين يطمحون إلى صنع الفوضى في أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية”.
ريتشارد سبنسر من معهد السياسة الوطنية وهو ينظم حلقة نقاش في واشنطن الشهر الماضي
ولكن هايمباخ ينفي أي نية عنصرية لحزبه الذي يستخدم شعار العولمة “كسمّ” والقومية “كترياق”، ويسوق لمصطلح “النخبة الدولية”، في كثير من الأحيان، كرمز لمعاداة السامية.
كما أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لم يروّج شخصيًا لفكرة تفوّق البيض، بل أصر مرارًا وتكرارًا أن روسيا هي مساحة شاسعة من الأرض ترحب بمختلف الأديان والمجموعات العرقية التي تمتد من بحر البلطيق إلى المحيط الهادئ، ولم يظهر بوتين أي علامة تدل على عدائه لليهود، وهو الأمر الذي أثار غضب بعض الجماعات القومية الأكثر تطرفًا في روسيا.
وفي الواقع، إن أجندة بوتين السياسية ليست إيديولوجية بحتة، لكنها تسعى بالأساس إلى تحقيق أهداف استراتيجية أخرى، مثل زعزعة الاستقرار في أوروبا وحلف الناتو، أو إجبار الاتحاد الأوروبي على إلغاء العقوبات التي اتخذت في حقه بعد الاعتداءات التي شنها على شبه جزيرة القرم وشرق أوكرانيا.
لكن هذا لم يمنع مدير موقع “ألتارناتيف. كوم” ومدير معهد السياسة الوطنية ريتشارد سبنسر، من الإشادة بدور بوتين في الدفاع عن البيض، أما كبير الاستراتيجيين الجديد لدونالد ترامب، ستيفن بانون، الذي كان قد دخل سباق البيت الأبيض من خلال صحيفة “برايبارت” التي تعتبر منبرًا لليمين المتطرف في الولايات المتحدة الأمريكية، كانت له وجهة نظر مختلفة عن بوتين في خطاب ألقاه سنة 2014، عندما قال إن “كل الطوائف المسيحية واليهودية الغربية يجب عليها أن تدعم مواقف بوتين التقليدية على الرغم من أنه يدير نظام كليبتوقراطي”.
أنتج سبنسر، الذي عقد مؤتمرًا أثار جدلاً كبيرًا في واشنطن في نوفمبر/ تشرين الثاني، شريط فيديو، في العام الماضي، ادعى فيه أن التوافق بين ترامب وبوتين قد يوحد كل مجموعات القوقازية الأمريكية، في نهاية المطاف، من أجل بناء عالم أبيض موحدٍ.
وفي هذا الصيف، ردد سبنسر هذه التصريحات، في حوار أجراه مع مجلة نايشين، قائلاً إنه “يعتقد أنه يجب أن نؤيد مواقف روسيا، لأنها تعتبر القوة الكبيرة التي تدعم البيض في العالم”.
وفي مقابلة الأسبوع الماضي، احتل اسم سبنسر عناوين الصحف، وذلك بسبب تعبيره عن تأييده لترامب، خلال مؤتمر نظّمه، بعد هتافه باسم ترامب بأعلى صوته، وقد أشار خلال نفس هذا المؤتمر إلى أن بوتين هو “الزعيم الطبيعي في عالم غير طبيعي، يريد الحفاظ على أمته وشعبه، ويعترف بضرورة الحفاظ على بعض الأعداء وبعض التقاليد، مثل الكنيسة والدولة”، كما اعترف سبنسر أن بوتين لا يريد الكشف عن إيديولوجياته، لكنه شخص يمكن الاقتداء والإعجاب به.
يتجنب المعجبون ببوتين في أوروبا، عمومًا، الإعراب عن تأييدهم لنظرية تفوق البيض، على الأقل في العلن، ولكنهم يشيدون بكبريائه القومي ووجهة نظره المعادية للتطرف والهجرة والعادات الجنسية التقليدية.
ويدعم زعيم اليمين المتطرف الألماني، فويكت بشدة الموقف المعادي للسياسيات المثلية ويعتبره بمثابة الأمل بالنسبة للعرق الأبيض؛ مشيرًا إلى أن حزبه يدعم بنسبة 100% موقف بوتين المتعلق بالمثلية الجنسية.
وفي هذا السياق، أشار زعيم الحزب الفلامنكي المتطرف فلامس بيلانج، الذي يدعى توم فان غريكان، إلى أن بعض الشعبويين اليمينين في أوروبا لا يميلون للإعجاب بأفكار بوتين، لكنه شخصيًا لديه إعجاب بمواقفه وقيمه التقليدية، وأضاف أن بوتين يعمل جاهدًا للحفاظ على المصالح الروسية، لكنه ليس متأكدًا من أن ذلك “أمر جيّد لبقية العالم”، مبيّنًا أن المؤسسات البلجيكية قد أساءت كثيرًا لبوتين واعتبرته عبدًا للولايات المتحدة الأمريكية، مشيرًا إلى أن “بوتين ليس مؤيدًا لا للبيض ولا السود، لكنه كان يحاول دائمًا أن يبقى في تلك المنطقة الرمادية المحايدة”.
نظّم حزب رودينا السياسي الروسي، في العام الماضي، تجمّعًا لشخصيات وطنية من أوروبا والولايات المتحدة وأماكن أخرى في قاعة مؤتمرات ضيقة في “سانت بطرسبرغ هوليداي” من أجل العمل على توحيد الجماعات اليمينية المتطرفة المتصارعة والترويج لأفكار روسيا المعادية لليبرالية.
كما قال القيادي في حزب “رودينا” فيودور بيريوكوف، إن هذه هي المرة الأولى التي يقوم فيها ناشطون في طليعة “الثورة العالمية الجديدة” بالتكاتف من أجل معاداة الزواج المثلي، والتطرف، والسياسات التمويلية قائلاً: “الكرملين لم يدعم توجهاتنا وتطلعاتنا، لكنه لم يقمْ بإزعاجنا ولا التدخل فينا”.
ومن الجماعات الأوروبية التي حضرت مؤتمر هذا الحزب، ممثلون من بريطانيا ومن الحزب اليميني القومي المتطرف ومن حزب الفجر الذهبي الذي يضم مجموعات فاشية جديدة يونانية، وشخصيات من الولايات المتحدة الأمريكية، وقد حضّر أيضا السيد ديكسون محامي مجموعة “كيو كلاكس كلان” السابق، الذي جاء خصيصًا من أتلانتا وألقى خطابًا انتهى بصرخة مؤيدة لروسيا قائلاً “حفظ الله القيصر”.
كما حضر هذا المؤتمر مؤسس مركز أبحاث تفوق البيض “أمريكان رينيسانس” جاريد تايلور، الذي قال: “أحفاد الأوروبيين البيض يواجهون خطر الانجراف بعيدًا مع وصول موجة من الأفارقة ومن أمريكا الوسطى ومن الآسيويين”.
وفي السنوات الأخيرة، قام السيد تايلور بتوطيد علاقات مع جماعات أوروبية من أجل دعوة مسؤولين من الجبهة الوطنية، ومن حزب “فلامس بيلانج” والحزب الوطني البريطاني لحضور فعاليات مؤتمرات “أمريكان رينيسانس”.
وفي هذا السياق، وضّح تايلور أن “هناك صحوة عالمية لأهمية القومية بين الدول الأوروبية التي شملت حتى الولايات المتحدة”، مضيفًا “إننا نشهد في جميع أنحاء أوروبا، صعود الأحزاب التي ترى أنه يجب على أوروبا الحفاظ على الأوروبيين من أجل بقائها”.
قام السيد هايمباخ بثلاث رحلات إلى أوروبا، في السنوات الثلاث الماضية، والتقى مسؤولين من حزب الفجر الذهبي اليوناني وحزب الوطني الديمقراطي في ألمانيا الذي يترأسه فويكت لمناقشة أساليب القيام بجمع الأموال والاستراتيجيات المتبعة.
وخلال زيارة قام بها إلى عاصمة الجمهورية التشيكية براغ، خاطب هايمباخ أعضاء حزب العمال للعدالة الاجتماعية، الذين يعارضون وجود حلف الناتو والاتحاد الأوروبي، ودعاهم إلى تجريم المثلية، كما قام بتوجيه نداء للجمهورية التشيكية لإعادة ربط علاقات مع روسيا، قائلاً: “نحن الأمريكيين لا يمكننا أن ننفصل عن أخوتنا وأخواتنا الأوروبيين، لأنه يجمعنا دم وتراث ومصير مشترك”.
كما أعرب رئيس الحزب التشيكي توماس فاناس في اتصال هاتفي أجراه الأسبوع الماضي، عن وقوفه إلى جانب بوتين وغيره لمقاومة “القيم الليبرالية الضارة بالعالم الغربي”.
وخلال لقاء أجراه في منزله الموجود في أوهايو، قال هايمباخ إن “زياراته ورحلاته الميدانية لأوروبا ساعدته على تعلّم كيفية جعل الحركة القومية البيضاء في الولايات المتحدة “قوة سياسية حقيقية”، كما تحدث أيضًا عن إنشاء شبكة عالمية واسعة النطاق وصفها باستعمال كلمة شيوعية قديمة، وهي “التقليديين الدوليين”.
ويمكن القول، في الوقت الحالي، إن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يقود تحالفًا عالميًا جديدًا يتكوّن من الجماعات اليمينية المتطرفة، يدعى “الحركة الوطنية للمحافظين في العالم”، وأكد هايمباخ قائلاً: “روسيا أصبحت تحظى بمكانة هامة على الساحة العالمية من خلال دعمها للحركات الوطنية المعادية للنخب الأطلسية”.
المصدر: نيوروك تايمز