تبدأ اليوم الثلاثاء قمة دول مجلس التعاون الخليجي الـ37 في العاصمة البحرينية المنامة وتستمر ليومين لمناقشة 37 ملفًا على أجندة القمة، حيث تحظى هذه القمة باهتمام واسع لما تمر به المنطقة العربية خصوصًا والعالم عمومًا.
تتزامن هذه القمة مع جولة قام بها الملك سلمان بدأها من الإمارات وقطر والكويت والبحرين، ومن جانب آخر تشهد حضور رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي كضيفة شرف في القمة ومن المقرر أن تعقد ماي قمة خليجية بريطانية غدًا الأربعاء، وتعد ماي أول رئيس وزراء لبريطانيا وأول امرأة تحضر قمة خليجية وثاني زعيم أوروبي يحضر القمة بعد فرانسوا هولاند الذي حلّ كضيف شرف على القمة في الرياض في مايو/ أيار العام الماضي.
ملفات ساخنة على طاولة القادة الخليجيين
تتركز أجندة قمة المنامة على عدد من الملفات الساخنة في المنطقة العربية كالأزمة في سوريا واليمن وليبيا وارتداداتها على دول الخليج العربي، ومناقشة القضايا المحلية فيما يتعلق بالتحديات الأمنية والاقتصادية والاجتماعية.
إذ سيبحث المجتمعون تراجع الدور الأمريكي في الخليج وتغير أولوياته بالتركيز على آسيا ومحاولة حصار الصعود الاقتصادي الصيني فضلاً عن دخوله مرحلة جديدة بوصول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، والتعامل مع التحدي الإيراني المتغول في المنطقة من خلال دعم ميليشيات لها في كل من سوريا والعراق ولبنان واليمن.
حضور تيريزا ماي دلالة على تحول خليجي للاعتماد على القوة البريطانية في المنطقة بعد تراجع الدور الأمريكي
وتناقش القمة التحديات الاقتصادية أمام مجلس التعاون الخليجي عقب الهبوط الكبير في أسعار النفط واضطرار حكوماتها إلى اتخاذ إجراءات تقشفية لمواجهة تبعات المرحلة المقبلة، إذ من المتوقع أن يسعى القادة المجتمعون لإيجاد مصادر جديدة للدخل من خلال تنويع القاعدة الإنتاجية والخدمية لسد العجز الذي امتد إلى موازنات أغلب الدول، بالإضافة إلى إعادة طرح فكرة الاتحاد الخليجي مرة أخرى.
أبرز التحديات التي تمثلها إيران بالنسبة لدول الخليج هو التحدي الأمني، حيث يرى رئيس قسم الإعلام المتخصص في جامعة الإمام بالرياض عبد الله العساف أن التوتر في العلاقات الخليجية الإيرانية يعد توترًا سياسيًا واستراتيجيًا، ويرى الاتفاق النووي مع مجموعة 5+1 أنه ضوء أخضر للتمدد في محيطها العربي، وتحقيق حلمها الفارسي بمحاصرة الجزيرة العربية من الجهات كافة، وتعزز تخوف الدول العربية بعد تلميحات بانسحاب الأسطول الأمريكي الخامس من المنطقة وتراجع الدور الأمريكي وتغير أولوياته الاستراتيجية بالتركيز على آسيا ومحاولة حصار الصعود الاقتصادي الصيني.
الاتفاق النووي بين إيران ودول الـ5+1 يعد ضوءًا أخضر للتمدد في محيطها العربي
وأن المشروع الإيراني في منطقة الخليج تحديدًا يستهدف كل دولة على حدة في تركيبتها الاجتماعية والأمنية والسياسية والاقتصادية ومحاربة قيام سوق نفطية خليجية مشتركة، وذكر أن هناك أربعة سيناريوهات ممكنة لتطور العلاقة بين الخليج وإيران، فإما أن تؤول الأمور إلى حرب بالوكالة ومحاولة كل طرف استنزاف الطرف الآخر، أو الذهاب لمواجهة مباشرة وهو أمر مستبعد لكلا الطرفين فإيران جربت حرب الثماني سنوات مع العراق والتي استنزفتها بكل المقاييس.
أما السيناريو الثالث فهو إمكانية التقارب والانفتاح، ويرى العساف على الرغم من صعوبة تحقيقه نظريًا فإنه الخيار الأفضل للطرفين، في حين يقف السيناريو الرابع وهو المد والجزر كما يسميه العساف، الأقرب نتيجة عدم التوصل لحل الخلافات الساخنة بين الطرفين.
التحدي الاقتصادي الأكثر إشكالية في الخليج
يقف التحدي الاقتصادي الأكثر إشكالية وهو ما بعد عصر النفط والتحولات الاقتصادية الدولية التي تفرض نفسها على دول الخليج العربي، ومن المتوقع أن يهيمن الاقتصاد وإشاكالياته على القمة، حيث ضغطت التحديات الاقتصادية في فترة السنتين الماضيتين بعد هبوط أسعار النفط منتصف العام 2014 لقرابة 60% ولمواجهة هذه التطورات في أسعار النفط فإن القادة سيحاولون إيجاد مصادر دخل جديد من خلال تنويع القاعدة الإنتاجية والخدمية لسد العجز الذي امتد إلى موازنات أغلب الدول بسبب هبوط الأسعار، وتعزيز المشاركة بين القطاعين الحكومي والخاص في دول الخليج وإتاحة مجال أكبر أمام القطاع الخاص في خدمة الاقتصاد وتوليد فرص العمل.
علمًا أن مجلس التعاون حقق إنجازات في المجال التجاري والصناعي من بينها الموافقة على مشروع قانون النظام الموحد لمكافحة الغش التجاري وإعادة مشروع قانون نظام المنافسة الموحد لدول المجلس إلى لجنة قوانين.
ويرى أحد الباحثين أن تراجع أسعار النفط وإيراداته يعد فرصة لتفعيل كل سياسات التنويع التي أطلقتها الحكومات الخليجية في الخطط الاقتصادية طول الأعوام الماضية والتي باتت ضرورة ملحة في المستقبل.
تيريزا ماي أول رئيس وزراء لبريطانيا وأول امرأة تحضر قمة خليجية
ومن أهم السياسات الضرورية الموصى بتطبيقها زيادة نسبة المواد النفطية المصنعة والمحولة ذات القيمة المضافة في إجمالي الصادرات النفطية وتعزيز دور القطاع الخاص في المجالات الصناعية والخدمية إضافة إلى وضع نظام ضريبي وخفض الدعم وإصلاح سوق العمل وتنويع القطاعات الرئيسية للاقتصاد والاهتمام أساسًا باقتصاد المعرفة والمواد البحرية وتكنولوجيا تحلية المياه والطاقات المتجددة والنظيفة، كما من المتوقع أن يتمخض عن القمة رؤية واضحة بشأن ضريبة القيمة المضافة المزمع تطبيقها في العام 2018 وعرض السلع التي سيتم استثناؤها.
وعن حضور تيريزا ماي القمة الخليجية فيمكن قراءته على أنه تحول خليجي للاعتماد على القوة البريطانية في المنطقة بعد تراجع الدور الأمريكي في عهد أوباما واحتمال تراجعه بشكل أكبر في عهد الرئيس المقبل ترامب، كإجراء لمواجهة المد الإيراني في المنطقة من جهة، إذ سيعكس اللقاء المرتقب بين ماي وقادة دول الخليج غدًا الأربعاء الإرادة الحقيقية في فتح المزيد من مجالات التعاون وتدشين مرحلة جديدة زاهرة في العلاقات بين الجانبين ومن جهة أخرى تعزيز الدور المحوري الذي يقوم به الجانبان على الصعيدين الإقليمي والدولي.