تعتبر قضية قطاع غزة على المستوى الإقليمي أحد محددات السياسات للعديد من الأطراف، أبرزها بالطبع الكيان الإسرائيلي، وكذلك السلطة الفلسطينية، ومن ناحية أخرى الطرف المصري الذي لا يمكن إغفاله من المعادلة.
يُشارك النظام المصري فعليًا في حصار قطاع غزة منذ أكثر من 3 سنوات، بعد تحول المشهد السياسي المصري بالانقلاب العسكري الذي قاده الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي، ومعه بدأت موجات العداء للقطاع وللحركة التي تحكمه حركة المقاومة الإسلامية حماس، والتي تم الزج بها في الصراع الداخلي المصري، بصفتها رافد من روافد جماعة الإخوان المسلمين.
ومنذ أن بدأ هذا التحول حتى أحكم النظام المصري حصاره على قطاع غزة بإغلاق معبر رفح بصورة شبه دائمة، وكذلك التركيز على مسألة هدم الأنفاق التي يعتبرها بعض سكان قطاع غزة شريان الحياة بالنسبة إليهم للهروب من الحصار الخانق التي تفرضه دولة الاحتلال الإسرائيلي منذ أكثر من 10 سنوات.
تغيرات في الموقف المصري
ومع ذلك رُصد مؤخرًا أنه ثمة تحول في هذا الموقف المصري تجاه القطاع بشكل تدريجي، بدأ بفتح معبر رفح بشكل متكرر لعبور المسافرين من وإلى القطاع.
وقد شهد الشهر الماضي دعوة غير مسبوقة من النظام المصري لرجال الأعمال والصحفيين، وحتى بعض العناصر من الفصائل الفلسطينية المقاومة، لحضور مؤتمر اقتصادي في منتجع العين السخنة الساحلي في مصر.
وكذلك عقدت مباحثات بين أمين حركة الجهاد رمضان شلح و شخصيات بارزة أخرى من القطاع مع مسؤولين أمنيين في القاهرة، وتبع الزيارات مباشرة زيارة من صحفي فلسطيني مشهور لمقر جريدة الأهرام المصرية المملوكة للدولة.
مصر طوال العقد الفائت فوتت كل مناسبة لاستغلال هذه الفرصة بإبقائها على الحصار، الذي تقوده دولة الاحتلال الإسرائيلي.
يُشير داود عبدالله في مقال نشره بموقع ميدل إيست مونيتور إلى أن عدد هذه اللقاءات وظروفها الودية تؤشر بشكل ما على تحول في السياسات. الوفود الزائرة تمثل نسبة مهمة من الأصوات المطالبة بتحسين العلاقات مع مصر، وعلى الرغم من أن أحداث الشهر الماضي التي تدل على احتمالية وجود بداية جديدة مع القطاع، إلا أن الطريق أمامها ما زال طويلا وشائكًا، بحسب وجهة نظره.
ويبدو أن مصر قررت الدخول إلى القطاع عبر البوابة الاقتصادية، وذلك بمؤتمر العين السخنة في الشهر الماضي، الذي أحيا النقاش المتجدد حول إقامة منطقة تجارة حرة بين مصر وغزة، تلك الفكرة التي نوقشت قبل عشر سنوات في عهد نظام مبارك، لكنها لم تر النور قط.
وقد حاول الرئيس السابق محمد مرسي إحياء الفكرة كبديل لتجارة الأنفاق، التي ازدهرت نتيجة الحصار، لكنه أُجبر على التخلي عن الفكرة؛ بسبب الضغوط الإعلامية التي واجهها، متهمة إياه بأنه يحاول ضم غزة وفصلها عن فلسطين.
أسباب اقتصادية
الوضع الاقتصادي المصري يحتم الخروج بأفكار جديدة لمواجهة هذا التردي، قد يكون منها الانفتاح على قطاع يمثل سوقًا كبيرًا يضم 2 مليون نسمة، بينما لا يمتلك أي قدرة تصنيعية، ما يعني وجود فرصة مناسبة لدفع الاقتصاد المصري للأمام قليلا.
يبدو أن مصر قررت الدخول إلى القطاع عبر البوابة الاقتصادية، وذلك بمؤتمر العين السخنة في الشهر الماضي
ولكن مصر طوال العقد الفائت فوتت كل مناسبة لاستغلال هذه الفرصة بإبقائها على الحصار، الذي تقوده دولة الاحتلال الإسرائيلي.
والمحصلة النهائية أن دولة الاحتلال هي المصدر الأول لفلسطين، بينما تحتل مصر المركز التاسع، على الرغم من أن غزة، التي تُقدر ودائعها البنكية بتسعة مليارات دولار وتجارة سنوية تٌقدر بعشرة مليارات، بإمكانها أن تصبح شريكا تجاريًا مهمًا.
في النهاية عودة مثل هذه العلاقات مع مكونات القطاع ستكون على أساس من البرجماتية التي يُنصح بها النظام المصري في التعامل مع قطاع غزة، إلا أن الأمر لن يكون تطبيقه بهذه السهولة إلا بالاتفاق مع الاحتلال الإسرائيلي الذي تشهد علاقاته بالنظام المصري الحالي ازدهارًا وتنسيقًا منقطع النظير.