يمكن التكهن بقرب انتهاء الحرب في اليمن، بناءً على معطيات واقعية حيث تدور المعارك، فالتقدم المستمر للقوات الحكومية يعطي الضوء الأخضر لقرب الخلاص من رحى حرب ضروس شملت اليمن على مدى عامين سابقين وما زالت.
صحيفة الفورين بوليسي المعنية بالسياسة الخارجية الأمريكية وضعت زمنًا أقصاه منتصف العام القادم لانتهاء حرب اليمن كما وصفتها، لكن التنبؤ الأمريكي الذي قد يكون مبنيًا على تقارير استخباراتية مُزمّنة تعرض لاهتزاز ارتجاعي بعد نتائج الانتخابات الرئاسية التي رجحت كفة الحزب الجمهوري على مستوى الاستحقاق الانتخابي العام مما قد يُسرع من الدفع قدمًا لإنهاء الحرب اليمنية بوسائل عدة.
الشعب اليمني يرفع علامة النصر
ستنتهي الحرب حتمًا سواء بالحل السياسي الشامل وفق ضمانات دولية لكل الأطراف أو بالحسم العسكري الحكومي الذي يشهد وتيرة متسارعة للانقضاض على محافظات استراتيجية بغية استعادتها وإعادتها لحضن الشرعية.
بانتهاء الحرب، سيتوقف الاقتتال، لكن الآثار المُدمرة والكارثية ستستمر في تأدية مهامها على أكمل صورة، فآلاف الأسر فقدت من يعولها، والآلاف فقدوا وظائفهم ومصادر دخلهم الوحيدة، كما أن شوارع هُدّمت بسبب الحرب، ناهيك عن السقوط الاقتصادي المريع الذي فاقم الوضع الإنساني وأحدث فجوة لم تُردم بعد على مستوى البلاد فتفشت المجاعة وانتشر العوز وسط تزايد مريع لنسب الفقر المدقع في كل المحافظات اليمنية.
ولأن حرب اليمن أخذت في اعتبارها نواحي عدة، فالطائفية والمذهبية والسلالية ودعوات التقزيم ذات المرجعية الدينية المخلوسة من شواهد الواقع كانت ذات وقع شديد، فزادت من حدة التوتر المجتمعي محدثة شروخًا اجتماعية لن تندمل على المدى القريب نتاج النزعة الفضفاضة واللكنة الشريرة ذات الخطاب التهجمي والداعي لسفك الدماء وطمس الهويات وقتل الأبرياء وهدم المنازل.
إن الآثار اللامادية للحرب تسري بين اليمنيين كالنار في الهشيم، وهو ما يتطلب وقفة حقيقية وفعّالة لإيجاد حلول مرحلية مُزمّنة تعمل على ترميم ما طالته بشاعة النعرات والوسائل الانتهازية التي استخدمت للنيل من الإنسان اليمني وأرضه، وهو ما يتضح جليًا من خلال عمليات الاستهداف الممنهجة للمدن التي رفضت تلك المشاريع المتمردة على الحق الإنساني والكوني والنائية بمضمونها عن النواميس الوجودية.
فقُتل الأطفال والنساء والشيوخ، وحُوربت المعيشة حد منع دخول الماء والغذاء والدواء، كما أن العمليات العسكرية اتخذت منحى عشوائيًا لا هدف له سوى إحداث العدد الكبير من الضحايا، وهو ما تؤكده بعض الوسائل المستخدمة من ألغام تم زراعتها بكل دقة وبواسطة لجان متخصصة، وكذا عمليات القنص العشوائي التي تسببت في مقتل العشرات عوضًا عن قصف الأحياء السكنية المكتظة بالأسلحة الثقيلة من قذائف الهاون وقذائف الدبابات وصواريخ الكاتيوشا وراجمات الصواريخ وأسلحة أخرى فتاكة ومحرمة دوليًا على الأقل في حرب المدن وهو ما تؤكده أرقام الضحايا على مستوى القتلى والجرحى وكذا عدد المنازل المُهدّمة والشوارع المطموسة بفعل الاستخدام المفرط للأسلحة الثقيلة.
هناك نهاية وشيكة لحالة الفوضى المسيطرة، لكن آثارها لن تنتهي بالسهولة المتوقعة، بل ستتسع الرقعة لتشمل المزيد من الضحايا وهو ما يحتّم على المعنيين بالغد اليمني محليًا وإقليميًا وضع حلول طويلة الأمد ومواكبة للمتغيرات أولًا بأول كي تتحقق التطلعات الشعبية المستقبلية بصورة سلسة وآمنة تبعث الاطمئنان وتفتح نوافذ الأمل لعودة كاملة للحياة الطبيعية في كل الأحياء والمدن دون استثناء.
لن يطلب غالبية اليمنيين أكثر مما يكفيهم شر مخلّفات الحرب، ولن يألوا جهدًا في النضال لنيل كل ما يعينهم على تجاوز هذه المرحلة العصيبة من تاريخ بلدهم، وقد أوشكوا على تحقيق ذلك، وأقسى ما يحتاجونه اليوم هو الدفع بمزيد من وسائل الدعم المتنوعة للخلاص وفتح صفحة أخرى عنوانها الترميم والتأهيل وإعادة البناء.