اعتقل الروائي الشاعر الدكتور أيمن العتوم، وقد زعموا أنهم أعتقلوه بسبب رواية اسمها “حديث الجنود”، والمضحك المبكي في هذه الواقعة التي يندى لها الجبين، أن الرواية المتسببة في الاعتقال، منشورة منذ سنتين تقريبًا.
الطغاة لا يقرأون، فمن الواضح أنهم لم يسمعوا بالرواية إلا بعد أن نوقشت في برنامج تليفزيوني – برنامج “خارج النص” المذاع على فضائية الجزيرة – وخيل إليهم من سياق الكلام أنهم قد يكونوا مقصودين بالرواية.
“أمة تحترم الكتاب جديرة بأن تقود العالم، وأمة تدوسه بأقدامها، جديرة بأن تداس هي بالأقدام، وأن تكون ذيل الأمم تابعة ذليلة”.
أيمن العتوم
الطغاة لا يقرأون، لذلك فهم ضعفاء مهزوزي الشخصية، يحسبون كل صيحة عليهم، ينظرون للمثقف برعب مشوب بالحقد، فهم لا يفهمون معظم ما يقول، ويتمنون لو كان في صفهم، فيضطرون أن يسكتوه على سبيل الاحتياط، هذا بالطبع إن لم يبع المثقف مبادئه ويطبل للطاغية، ولكنني أحذر هذا المطبلاتي فهو يجب أن ينزل بمستوى نفاقه للحد الذي يفهمه الطغاه، وإلا حسبوا مدحه ذمًا، وضاع تطبيله في الهواء، وضاع هو وراءه.
غلاف رواية حديث الجنود
الطغاة لا يقرأون، فهم يتبعون أسلوب المنع والمصادرة منذ قديم الأزل، وفي كل زمان ومكان هذه سياستهم – أتواصوا به، بل هم قوم طاغون – هم لا يعرفون أن الخلود يكتب دومًا للروايات المصادرة، طالما تصور الطاغية أنه يستطيع كتم الصوت المناوئ له بالمصادرة ولكنه غالبًا ما يفشل، ويكتشف أنه يفتح بابًا جديدًا لمقاومة طغيانه، فبمجرد أن يعلن الطاغية عن مصادرة كتاب أو منعه تجد أن الطلب يزيد جدًا على الكتاب المصادر، ويتهافت الجميع على معرفة محتواه، وهو بهذا يعطي الكاتب قوة أكبر وشعبية أوسع، وأبلغ دليل على ذلك شهرة روايات جورج أوريل (مزرعة الحيوان و1984) ولكنهم كما قلت لك لا يقرأون.
“أيها القادرون على التحرر من مخاوفكم، اصنعوا تاريخكم بأنفسكم واكتبوا مجدكم بأيديكم، فإن الطاغية الذي يصب البندقية على صدوركم ليس إلا صنمًا من زجاج، إن نظرتم إليه بعين اليقين خر من عليائه متناثرًا متكسرًا“.
أيمن العتوم
قدر الكاتب أيمن العتوم على التحرر من مخاوفه، وعبر عما يحدث للآلاف داخل سجون الطغاة ومعتقلاتهم، صرخ بأعلى صوته كاشفًا عن جرائم بشعة وفظيعة مارسها الطغاة وما زالوا يمارسونها ضد شباب البلاد التي ترزح تحت طغيانهم، والرجل صاحب تجربة حقيقية في سجون الطغاة، لذلك فروياته تنضح بالصدق.
استطاع الشاعر أيمن العتوم أن يصنع تاريخه بنفسه، عندما عبر عن قضايا أمته، ونادى في قصائدة الرائعة القوية على أمته النائمة، وأقرب مثال على ذلك أنه نشر قبل توقيفه بيوم على مدونات الجزيرة قصيدة في غاية القوة والجمال عن شيخ القدس الأسير رائد صلاح، وكانت القصيدة بعنوان “لا تلق سيفك”، وكان يصرخ فيها في وجه الطغاة ويتهمهم بالخسة والتخاذل لسكوتهم عن اضطهاد الشيخ داخل سجون الاحتلال “صمتت زعامات العروبة خسة، ووقفت في ليل الشدائد مفردًا” فما كانت إلا ليلة وحل هو الآخر في سجون الطغاة.