حالة من القلق والترقب تسيطر على الشارع المصري منذ الإعلان عن سقوط واحدة من أكبر شبكات تجارة الأعضاء البشرية أمس الثلاثاء، والتي ضمت 41 متهمًا، فضلاً عن تورط بعض المستشفيات والمراكز الطبية الكبرى التي كانت محل ثقة وتقدير من المصريين.
قد يرى البعض أن هناك مبالغة في رد الفعل الشعبي حيال هذه الجريمة، خاصة وأنها ليست الأولى التي تم الكشف عنها خلال السنوات الماضية، في ظل مستنقع الفساد الذي تغرق فيه مصر منذ عقود طويلة دون أن يحرك ذلك ساكنًا لدى السلطات الحاكمة من جانب أو الشعب من جانب آخر، إلا أن المثير للقلق هذه المرة أن المتورطين في هذه القضية ليسوا من السماسرة الجهلاء الباحثين عن الثراء بأي ثمن دون وازع ديني أو أخلاقي رادع لهم، بل هم أطباء كبار وأساتذة جامعات أجلاء، يشار لهم بالبنان في العلم والمهنية، وهو ما يضع المواطن في خندق من الرعب والهلع حيال الخدمات الصحية التي تقدم له، فهل تحول المصريون إلى سلع تباع بـ”القطعة” لمن يدفع أكثر؟ وهل يأمن المرضى على أجسادهم إذا ما غابوا عن الوعي جراء التخدير عند إجراء أي من العمليات الجراحية لهم؟
سقوط أكبر شبكة لتجارة الأعضاء
كشفت هيئة الرقابة الإدارية (إحدى الجهات الرقابية في مصر) عن واحدة من أكبر شبكات الاتجار في الأعضاء البشرية، المتخصصة في سرقة أو شراء بعض أعضاء المرضى أو الفقراء، وبيعها للأثرياء داخل مصر وخارجها بملايين الدولارات، فضلاً عن إجراء عمليات جراحية لنقل الأعضاء أو سرقتها في أماكن غير مؤهلة، مما تسبب في وفاة بعض الحالات.
بحسب بيان الهيئة، فقد أعترف المتهمون بحصولهم على الأعضاء البشرية من المواطنين البسطاء من خلال وسطاء يقومون بالاتفاق معهم ويحصلون منهم على موافقات مكتوبة بنزع أعضائهم البشرية المطلوبة مقابل مبلغ زهيد من الجنيهات أو الدولارات
الهيئة في بيان لها أكدت أن الشبكة تضم 41 متهمًا، منهم 12 طبيبًا و8 ممرضين وعدد من أساتذة الجامعة والوسطاء، الذي تمكنوا من تحقيق ثروات طائلة من خلال تلك العمليات غير المشروعة، مضيفة أن الفريق المكون لهذه الشبكة، يضم أطباء من كليتي الطب بجامعتي القاهرة وعين شمس ومستشفى أحمد ماهر التعليمي ومعهد الكلى ومعامل ومعاهد خاصة.
وبحسب بيان الهيئة، اعترف المتهمون بحصولهم على الأعضاء البشرية من المواطنين البسطاء من خلال وسطاء يقومون بالاتفاق معهم ويحصلون منهم على موافقات مكتوبة بنزع أعضائهم البشرية المطلوبة مقابل مبلغ زهيد من الجنيهات أو الدولارات.
وأوضح مصدر داخل الهيئة أن مراقبة الشبكة استمرت لأكثر من 6 أشهر لضبط كل أعضائها، وتم ضبطهم متلبسين وبحوزتهم أجهزة كمبيوتر مدوَّن عليها العمليات التي أجروها وأحراز ضمّت ملايين الجنيهات وسبائك ذهبية، مضيفًا أن كل تلك العمليات تمت في عدد من المستشفيات الخاصة بمنطقة الهرم بالجيزة، بعضها مرخص، والآخر غير مرخص، مؤكدًا أن كل أوراق القضية تحت تصرف النيابة العامة حاليًا.
الأموال التي ضبطت مع أعضاء شبكة تجارة الأعضاء
ليست الأولى
وكما ذكر في مقدمة الموضوع أن المبالغة في رد الفعل حيال سقوط هذه الشبكة مفاده الصدمة في الأسماء المتورطة في الجريمة هذه المرة، وإلا فالقضية نفسها ليست وليدة اليوم، وليست الأولى، بل سبقها عشرات الجرائم الأخرى، نكتفي بذكر بعض ما وقع منها خلال هذا العام فقط.
في يناير 2016، تم ضبط “مافيا” للاتجار بالأعضاء البشرية بمنطقة الخليفة، تتكون من 4 سيدات ورجل، منهم سيدتان قاما ببيع كليتهما، مقابل 17 و20 ألف جنيه للواحدة، ثم انضموا للتشكيل العصابي من أجل استقطاب آخرين لبيع أعضائهم البشرية نظير مبالغ مالية.
وفي أبريل 2016، عثر على جثث تسعة صوماليين، في إحدى شواطئ مدينة الإسكندرية، وقد سُرقت أعضاؤهم، وكانت هذه الأسرة الصومالية قد جاءت إلى مصر بغية الهجرة إلى أوروبا، إلا أنه تم اختطافهم من قبل مجهولين، وسرقة أعضائهم مثل الكبد والقلب والكلى.
وفي يونيو 2016، تم ضبط تشكيل عصابي، تخصص في تجارة الأعضاء البشرية، حيث ضبطت سمسار لتجارة بيع الأعضاء وبرفقته شخص آخر يساعده في اختيار الشباب، وإقناعهم بإتمام عملية بيع الأعضاء البشرية في موعدها، وإتمام التحاليل اللازمة للعملية، مقابل منحهم 15 ألف جنيه للكلية الواحدة.
وفي أغسطس 2016، كشفت الأجهزة الأمنية، عن ضبط تشكيلين عصابيين استغلا حاجة الفقراء للمال، واستوليا على أعضائهم البشرية، اتخذت منطقة السيدة زينب مقرًا لهم، وأقر أعضاء هذه العصابة في اعترافاتهم أمام النيابة، عن قيامهم باجتذاب الفقراء والمغتربين والمتعسرين ماديًا للتبرع بأعضائهم، ووعدهم بالتوظيف في شركات مقابل رواتب جيدة.
في أبريل 2016، عثر على جثث تسعة صوماليين، في إحدى شواطئ مدينة الإسكندرية، وقد سُرقت أعضاؤهم، وكانت هذه الأسرة الصومالية قد جاءت إلى مصر بغية الهجرة إلى أوروبا، إلا أنه تم اختطافهم من قبل مجهولين، وسرقة أعضائهم مثل الكبد والقلب والكلى
وفي سبتمبر 2016، تم الكشف عن تورط طبيب وممرض وموظفة بمستشفى “أم المصريين” الحكومية بالجيزة، حيث كان يحصل فيها المتبرع على مبلغ مادي في حدود الـ12 ألف جنيه، إضافة إلى ما تم كشفه في منطقة المرج بالقاهرة، بعد أن أبلغ بعض الأهالي الشرطة عن صدور أصوات مشاجرات متكررة في شقة سكنية يقطنها رجال ونساء غرباء عن المنطقة، ووقتها داهم الأمن المنزل واكتشف وجود ثلاجات ممتلئة بأعضاء بشرية.
مصر الأولى عربيًا
في تقرير اعتبره البعض “صادمًا” نشرته المجلة البريطانية لعلم الإجرام «British Journal of Criminology» عن تجارة الأعضاء البشرية في مصر، أغسطس الماضي، كشف عن بعض الأرقام والإحصائيات الكارثية عن حجم هذه التجارة، حيث توصل إلى احتلال مصر مركزًا متقدمًا بين الدول المتورطة في هذا النوع من التجارة غير المشروعة، وأنها تعتبر من أكبر الأسواق في تجارة الأعضاء البشرية في العالم.
وفي نفس السياق، كشفت منظمة الصحة العالمية من خلال دراسة صادرة عنها مؤخرًا أن مصر تعد مركزًا إقليميًا للاتجار بالأعضاء البشرية، وصنفت مصر ضمن أعلى خمس دول على مستوى العالم في تصدير الأعضاء البشرية مع كل من الصين والفلبين وباكستان وكولومبيا، وتعتبر مصر الأولى على مستوى الشرق الأوسط والمنطقة العربية.
مصر الأولى عربيًا وضمن الخمسة الكبار عالميًا في تجارة الأعضاء البشرية
الأطفال والأفارقة أبرز المستهدفين
سماسرة هذه التجارة نظرًا لما يتقاضونه من مبالغ طائلة مقابل الحصول على الأعضاء البشرية، لا بد أن تكون بحالة جيدة من الناحية الصحية، لذا المستهدف من قبلهم لا بد وأن يتمتع بصحة جيدة، بحيث تخلو هذه الأعضاء المراد الحصول عليها من أي من الأمراض التي تقلل من فرص نجاح عملية النقل.
التقارير الوارد من الداخل والخارج تشير إلى أن أباطرة هذه التجارة يبحثون عن الأطفال وصغار السن ابتداءً، لما يتمتعون به من نضارة في أعضائهم ومن ثم تباع بأثمان غالية مقارنة بغيرها، علمًا بأن هناك الملايين من صغار السن في الشوارع والعشوائيات لا يجدون قوت يومهم ومن ثم لا يجدون غضاضة في التبرع بجزء من أجسادهم في مقابل الحصول على المال كما سيأتي ذكره لاحقًا.
أما النوع الثاني المستهدف من قبل سماسرة تجارة الأعضاء البشرية فهم المهاجرون الأفارقة، فوفقًا لتقارير دولية، فإنّ 10 آلاف شخص يعبرون إلى أوروبا عبر البحر المتوسط من السواحل المصرية، ولكن حالات التبليغ للسلطات المصرية عن بيع الأعضاء البشرية نادرة، وهو ما أكدته صحيفة “التايمز” في تقريرها المنشور سبتمبر الماضي تحت عنوان: “تجار الأعضاء البشرية في مصر يغرون المهاجرين الأفارقة بالجنس والمال”، قالت فيه: إن سماسرة يعرضون مبالغ كبيرة من المال مقابل شراء كلى المهاجرين الأفارقة، في الوقت الذي تتظاهر فيه المستشفيات بعدم معرفتها بتلك الصفقات”.
أما النوع الثاني المستهدف من قبل سماسرة تجارة الأعضاء البشرية فهم المهاجرون الأفارقة، فوفقًا لتقارير دولية، فإنّ 10 آلاف شخص يعبرون إلى أوروبا عبر البحر المتوسط من السواحل المصرية، ولكن حالات التبليغ للسلطات المصرية عن بيع الأعضاء البشرية نادرة
الصحيفة تطرقت في تقريرها إلى زيادة الطلب على شراء الكلى، كاشفة أن سعرها في بعض الأحياء وصل إلى 100 ألف جنيه إسترليني، وهو ما دفع التجار إلى اللجوء إلى فتيات الليل لإضفاء مزيد من الإغراء على صفقات بيع الأعضاء.
وعن أساليب إغراء الأفارقة لبيع أعضائهم بجانب المال، نقلت الصحيفة عن أحد سماسرة بيع الأعضاء، والذي يعمل قوّادًا أيضًا، قوله “الوصول إلى اتفاق لا يكون سهلًا، نجلب لهم النساء حتى يشعروا بأنهم في حالة جيدة”.
الفقر وغياب التشريعات أبرز الأسباب
حين نعلم أن ما يقرب 25 مليون مواطن مصري لا يجدون قوت يومهم، حسبما أشار تقرير للجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء والذي كشف عن أن 27.8% من السكان في مصر فقراء، لا يستطيعون الوفاء باحتياجاتهم الأساسية من الغذاء وغيره، وأن 57% من سكان ريف الوجه القبلي فقراء مقابل 19.7% من ريف الوجه البحري، حينها نقف على أبرز أسباب هذه الكارثة.
وبحسب تصريحات اللواء أبو بكر الجندي رئيس الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، خلال مؤتمر”عن الدخل والإنفاق والاستهلاك في مصر”، نسبة الفقر 27.4% في حضر الوجه القبلي، وتقل النسبة إلى 9.7% في حضر الوجه البحري، موضحًا أن نسبة الفقراء في مصر وصلت إلى أعلى مستوياتها في محافظتي سوهاج وأسيوط بنسبة بلغت 66%، تليهما محافظة قنا بنسبة 58%، وأقل نسبة للفقراء في مصر في محافظة بورسعيد بنسبة 6.7%، تليها محافظة الإسكندرية بنسبة 11.6%، وأن 18% من سكان القاهرة من الفقراء، وهو ما يفسر لجوء سماسرة تجارة الأعضاء إلى الأقاليم والمناطق الريفية وصعيد مصر، استغلالاً لحالة الفقر المدقع الذي يعانون منه.
تقرير رصد بيع الأطفال لأعضائهم وبالتحديد الكلى فقط، حيث باع طفلان كليتيهما مقابل 15 ألف جنيه لأحدهما، و25 ألف جنيه للآخر
وفي بحث ميداني أجراه المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية بعنوان “صور الاتجار بالبشر في المجتمع المصري” رصد بيع الأطفال لأعضائهم – من خلال عينة مكونة من 400 طفل – وبالتحديد الكلى فقط، حيث باع طفلان كليتيهما مقابل 15 ألف جنيه لأحدهما، و25 ألف جنيه للآخر، والاثنان من الذكور في الفئة العمرية من 15 إلى 18 عامًا والاثنان من الذين تسربوا من مرحلة التعليم الابتدائي.
الفقر وغياب التشريعات أبرز أسباب انتشار هذه الجرائم
وفي نفس السياق تأتي مسألة غياب التشريعات القانونية والدستورية التي تجرم مثل هذه الجرائم وتحجم من اتساع رقعتها كأحد أبرز أسباب تمدد هذه الظاهرة ة وانتشارها، فرغم صدور بعض القوانين المعدلة والتي تجرم هذه الممارسات في 2010، فالخبراء أشاروا إلى أنها غير كافية للسيطرة على تلك الجرائم التي تمثل سبة في جبين المصريين، وتسيء لسمعتها في الداخل والخارج.