ترجمة وتحرير نون بوست
وُجّهت اتهامات لمركز أبحاث بريطاني يقدم نفسه على أنه سلطة عالمية في مجال الشؤون العسكرية والدبلوماسية حيث خاطر باستقلاليته بعد أن بيّنت وثائق مسربة أن المركز تلقى 25 مليون جنيه إسترليني بطريقة سرية من العائلة المالكة البحرينية، التي لطالما تعرضت لانتقادات بسبب ارتكابها لانتهاكات في مجال حقوق الإنسان.
وتظهر الوثائق السرية، التي اطلعت عليها صحيفة الغارديان، أن “حكام البحرين القمعيين” تبرعوا بأموال للمعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية الواقع في لندن، وذلك على مدى السنوات الخمسة الماضية، وتُبين الوثائق أيضًا أن مركز الأبحاث والعائلة المالكة اتفقا على “اتخاذ كل الخطوات الضرورية” للحفاظ على سرية التبرعات، التي تمثل أكثر من ربع دخل المعهد.
وظهرت هذه الوثائق في الوقت الذي تؤدي فيه رئيسة الوزراء، تيريزا ماي زيارة بيومين لمملكة البحرين لمناقشة شؤون التجارة في مرحلة ما بعد البريكسيت، ومن المقرر أن يلقِي وزير الخارجية بوريس جونسون خطابًا في العاصمة البحرينية، المنامة، وذلك يوم الجمعة في مؤتمر نظمه المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية، ودفعت تكاليفه العائلة الحاكمة في البحرين، وتكفلت العائلة أيضًا بتكاليف إقامة الوفد في فيلات فندق “ريتز كارلتون”.
وقد تحصلنا على الوثائق السرية من قِبل “البحرين ووتش”، وهي منظمة مستقلة تسعى إلى تعزيز الديمقراطية والعدالة الاجتماعية في البلاد، وتؤمن المنظمة أن هذه التبرعات السرية تقوّض استقلالية المعهد الذي يُقرّ بأنه منظمة غير حزبية، وأنه يوفّر معلومات موضوعية حول قضايا الأمن في العالم، في المقابل، نفى المعهد كل التهم المنسوبة إليه.
وقال المعهد الذي يقع مقره الرئيسي على الضفة الشمالية لنهر التايمز في وسط لندن، إن “مهمته تتمثل في تعزيز سياسات سليمة للارتقاء بالسلام والأمن العالمِيين، والحفاظ على العلاقات الدولية”، كما أنه عادة ما يتم الاستشهاد بأقوال المتخصصين التابعين للمعهد في وسائل الإعلام.
وقد تم استخدام التبرعات البحرينية لتمويل مكتب المعهد في البحرين ولتغطية تكاليف المؤتمرات السنوية بشأن السياسة في الشرق الأوسط التي يحضرها رؤساء دول وشخصيات مهمة أخرى، ويطلق على هذه المؤتمرات، التي تنظم على مدى ثلاثة أيام في دول الخليج اسم “حوار المنامة”، حيث سيفتتح حوار هذه السنة يوم الجمعة القادم.
وكشفت الوثائق أن المعهد اتفق مع العائلة الحاكمة على الحفاظ على سرية التبرعات التي قُدمت لحوار المنامة، وقد بلغت قيمة التبرعات 14.9 مليون جنيه إسترليني منذ سنة 2011، وذلك وفقًا لما أشارت إليه الوثائق.
جون شيبمان، المدير العام للمعهد الدولي للدراسات الإستراتيجية
اتفق وزير خارجية البحرين والمدير العام للمعهد جون شيبمان، على أنه “لا يجب الكشف عن محتوى مذكرة التفاهم أو أي معلومات ذات صلة بطرف ثالث إلا إذا تم الحصول على موافقة خطية من الطرف الآخر، ويجب على كلا الطرفين أن يتخذ جميع الخطوات اللازمة للحفاظ على سرية جميع الوثائق المتعلقة بمذكرة التفاهم، ولا يجوز الكشف عن هذه المعلومات لأي طرف آخر”.
أما سلالة آل خليفة، التي تحكم مملكة البحرين منذ استقلالها عن بريطانيا سنة 1971، فقد كانت محل انتقادات واسعة بسبب التدهور الذي يشهده مجال حقوق الإنسان، فخلال زيارة تيريزا ماي للبحرين، سلط الناشطون الضوء على القمع الذي تمارسه البحرين ضد الصحفيين والناشطين المؤيدين للديمقراطية.
كما انتقد هؤلاء الناشطين حكام البحرين بسبب حلّهم للحزب السياسي الرئيسي في البلاد فضلاً عن تعذيب الناشطين واضطهاد أنصار المعارضة ورجال الدين، ففي سنة 2011، تم قمع المطالبين بالديمقراطية. وفي شهر أيلول/ سبتمبر من نفس السنة، وقّعت العائلة المالكة البحرينية على الاتفاق السري لتمويل حوار المنامة، الذي يعقده معهد الدراسات منذ 10 سنوات.
أشاد شيبمان والطرف البحريني بالمؤتمر السنوي معتبرين إياه “دعامة مركزية” للنقاشات عن الأمن في منطقة الشرق الأوسط، فهو يتيح للوفود القادمين من 30 دولة الحديث عن “القضايا الإقليمية الحساسة”، وكان الهدف المشترك هو “توحيد موقف حوار المنامة باعتباره المؤسسة الأمنية الإقليمية التي تقود مناقشات متعددة الجنسيات وتعزز الاستقرار في دول الخليج”.
وكجزء من مذكرة التفاهم، وافق النظام البحريني على دفع مبلغ مليون جنيه إسترليني في شكل تبرع أولي، على أن يتم دفع 3.5 مليون جنيه إسترليني لتغطية تكاليف الحوار من سنة 2013 حتى هذه السنة، وتحدثت الحكومة البحرينية حول هذه المبالغ، مؤكدة على أن الاتفاق لم يكن “خارجا عن المألوف لأجل متندى بهذا الحجم والأهمية”.
أما “البحرين ووتش” فقد صرّحت أنه يجب “على كل منظمة ألا تقلق بشأن تلقي تبرعات بذلك الحجم من قبل متبرع واحد، ولكن ينبغي أن يقلقوا أكثر لأن المانح هو حكومة استبدادية لها سجل مروع في مجال حقوق الإنسان، ويبدو أن الحكومة البحرينية على استعداد لمنح مبالغ أكبر للمعهد ولحوارات المنامة، لأنها تسمح للحكومة بتقديم نفسها في صورة دولة حديثة وليبيرالية وملائمة للأعمال التجارية، وذلك في تناقض واضح مع أدلة التعذيب وسوء المعاملة والحرمان من الحقوق السياسية التي تم توثيقها من قبل منظمات لا تحصى ولا تعد، وعلى الرغم من أن المعهد سيدّعي أنه حافظ على استقلاليته، فالوقائع تشير إلى خلاف ذلك، حيث إن نحو 30% من الوفود البحرينية المشاركة في حوار المنامة لسنة 2015 هم من عائلة آل خليفة الحاكمة”.
وقال المعهد في بيان له إن “الاتفاق مع النظام البحريني يعطي المعهد الحرية لتطوير جدول الأعمال ودعوة المشاركين بما يتماشى مع الأولويات التي يعتبرها المعهد مهمة للتشجيع على نقاشات قوية بخصوص القضايا الإقليمية ولتسهيل الاتصالات الديبلوماسية الهامة”، وأكد المعهد أن المؤتمرات التي ينظمها في البحرين وآسيا “أضفت مزيدًا من الشفافية في النقاش بشأن الدفاع والأمن في المناطق المعنية، وألهمت المناقشات الدولية المتطورة عن القضايا المعقدة التي تواجهها هذه المناطق”، وأضاف المعهد أنه “تلقى، على مدى عدّة سنوات، تمويلاً من مجموعة كبيرة من الحكومات للمؤتمرات والقمم الدولية الكبرى”.
كما تم أيضًا توقيع مذكرة تفاهم ثانية سنة 2013، وقد التزمت الحكومة البحرينية على إثرها بدفع ما يعادل 2.6 مليون جنيه استرليني سنويًا، وذلك لتمويل مكتب المعهد في المنامة، لمدة 10 سنوات، وذُكر في الاتفاق أن مملكة البحرين والمعهد يعترفان بنجاح إنشاء مقر إقليمي للمعهد في البحرين، فضلاً عن المنافع المشتركة التي يوفرها المكتب”.
ويقول المعهد إن اتفاق إنشاء المكتب منحهم الحرية في اختيار أجندة البحوث وتطوير برنامج منشوراتها، وتوظيف الباحثين الذين يختارهم المعهد ونشر ما يتوصلون إليه بشكل مستقل.
المصدر: الغارديان