لم تجد المحاولات الإماراتية لإثناء السعودية عن دعم التجمع اليمني للإصلاح “الإخواني”، عدوها اللدود على مر التاريخ أي صدى لدى الرياض، حتى إنه في كثير من الأحيان هددت أبو ظبي بفك التحالف بينهما دون جدوى، ما يعنون لفصل جديد من فصول الصراع الإماراتي السعودي على اليمن.
توافق منقوص
توافق الدولتين الكبريين بالخليج بشأن ضرورة التدخل باليمن لدعم شرعية الرئيس عبد ربه منصور هادي ضد الانقلاب الحوثي، لم يكن تفاهمًا كاملاً، بل اتفاق ضمني على حفظ مصالح الدولتين أولاً، ومنع أي منهما عن الانفراد بقيادة العالم السني ثانيًا، والمكاسب الاقتصادية ثالثًا، في ظل الاختلاف بخصوص النفوذ وآليات السيطرة العسكرية، حتى إن أبو ظبي شككت رسميًا في بداية الأمر في جدوى الحملة العسكرية بقيادة المملكة “عاصفة الحزم”، واصفة إياها بـ“المغامرة”، حينما صرح المستشار السياسي لولي عهد أبو ظبي، الأكاديمي الإماراتي عبد الخالق عبد الله، بأن عملية عاصفة الحزم لا تعدو سوى “مغامرة سعودية.”
الجيش الإماراتي باليمن
حسابات أخرى
السؤال الآن.. إذا كانت الإمارات غير متحمسة للمشاركة في عاصفة الحزم، فلماذا لم تكتف بالمساندة الجوية لطائراتها، ودخلت إلى الحرب البرية في عدن بهذا الزخم غير المسبوق؟
تاريخيًا يعرف عن الإمارات أنه من النادر أن تقوم بالدفع بقوات برية إلى مناطق الصراع، حتى في صراعها على الجزر الثلاثة مع إيران، لم تفعل ذلك، لكن بداية ظهور هيمنة للقوات السعودية على الأوضاع في الجنوب، عبر دعم المقاومة والجيش الشرعي، ضد الحوثيين وقوات صالح، أدى إلى الإخلال بحالة التوازن التي تسعى إليها الإمارات في اليمن، حيث إن المصلحة الإماراتية تقتضي استمرار الصراع في اليمن، واستنزاف كل من السعودية والحوثيين على حد السواء، ومنع الحسم لصالح أي منهما، لأن سيطرة المملكة على الجنوب اليمني يعني كارثة بكل المقاييس بالنسبة للإمارات، لأنه سيحقق للسعودية امتيازات اقتصادية كبرى، وهو ما سيزيد من فرص هيمنة السعودية على مجلس التعاون، وإقصاء أكبر للدور الإماراتي، ناهيك عن جدلية زعامة العالم السني التي تتقاسمها السعودية مع تركيا، وتسعى الإمارات للعب هذا الدور بدلاً من تركيا.
الإخوان باليمن
فزاعة الإخوان
نقطة مفصلية أخرى تزيد من اشتعال الموقف بين الجانبين، هو تجاهل المملكة للعداء التقليدي بين الإمارات والإخوان المسلمين، والمتأصل منذ سبعينيات القرن الماضي، بعد انتشار نفوذ الجماعة في الإمارات في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، لا سيما في قطاعي التعليم والقضاء، قبل أن تسعى دولة زايد لتحجيمهم وإقصائهم، وهي الأجندة التي حملتها معها إلى اليمن، بينما لا تمانع السعودية في التعامل مع حزب التجمع اليمني للإصلاح “الإخواني”.
الإطاحة ببحاح.. السعودية تقطع اليد الطولى لأبوظبي
بحاح والأحمر
بعد السيطرة على عدن، بدأ الخلاف يتعمق بين الجانبين، حيث اعترضت الإمارات على تعيين السعودية نايف البكري التابع لحزب الإصلاح “الإخوان المسلمين”، كما رفضت تعيين حمود المخلافي محافظًا لتعز، أيضًا لانتمائه للإخوان المسلمين، قبل أن تقنع المملكة الرئيس هادي بالإطاحة بنائبه خالد بحاح “الموالي لأبوظبي” من منصبه، وليس هذا فحسب، بل عينت السعودية بدلاً منه الجنرال علي محسن الأحمر، مما وسع هوة الخلاف بين أبو ظبي والرياض، ويعد الأحمر من أبرز مؤسسي “الإصلاح”، الأمر الذي اعتبر إشارة للإمارات بألا مستقبل لها في اليمن، أضف إلى ذلك اعتماد هادي قيادات إصلاحية بمناصب مختلفة، كان أحدثها تعيينه عبد الله العليمي مديرًا لمكتبه خلفًا لمحمد مارم، الذي أطاح به وعينه سفيرًا لليمن في القاهرة، بالإضافة لإعلان رغبته في التقارب السياسي مع التجمع اليمني للإصلاح، على الرغم من معارضة الإمارات، ما دفع بأبوظبي للتهديد بوقف دعمها ومساندتها للمجالات الخدمية والاجتماعية المتعددة في عدن.
ورقة القبائل والسلفيين
من جهة أخرى استطاعت الإمارات أن تحقق اختراقًا لجهة استمالة القبائل المدعومة من السعودية، بالإضافة لبعض الناشطين الفاعلين بالجنوب للترويج لفكرة الانفصال، عبر مؤتمرات بعدة دول عربية بدأتها بمصر تحت عنوان “عدن تتحدث” لتوثيق جرائم الحوثيين بالصور، وهي الورقة التي لا تحبذها السلطات في السعودية، فاليمن دولة حدودية للسعودية وأي دعوات انفصالية فيها قد تلقي بظلالها السيئة على المملكة واستقرارها.
حيث قامت الإمارات بفتح الباب أمام شخصيات يمنية تطالب بانفصال الجنوب عن الشمال، والذين تستضيفهم الإمارات على أراضيها، مثل نائب الرئيس اليمني الأسبق علي سالم البيض، وحيدر أبوبكر العطاس أول رئيس وزراء بعد تحقيق الوحدة مع الشمال، والقيادي بحزب رابطة أبناء الجنوب عبد الرحمن الجفري، وجميعهم ينادون بفك الارتباط عن مركزية صنعاء، والعودة بالجنوب إلى ما قبل عام 1990 الذي شهد إعلان الوحدة بين الشمال والجنوب.
كما تدعم أبو ظبي التيارات السلفية بالجنوب، وأبرزها هاني بن بريك الذي يقود قوات الحزام الأمني في عدن، والمدن المحيطة بها، وهو الأمر الذي بدأ يثير ريبة المملكة، خاصة أن الإمارات بدأت في التوغل في ملعب السعودية المتخصص بالجماعات السلفية، محاولة لمناطحتها في فكرة قيادة العالم السني.
مدينة النور
إذا كان هذا الجانب السياسي هامًا في مسببات الأزمة بين المملكة والإمارات، فإن الجانب الاقتصادي يعتبر أكثر أهمية ، قياسًا على المخاوف الإماراتية من مشروع “مدينة النور”، الذي يتضمن بناء مدينة وجسر يربط بين اليمن وجيبوتي، أي بين قارتي آسيا وإفريقيا، مما يشكل ممرًا تجاريًا عالميًا هامًا، قد يؤثر على الدور الريادي الذي تلعبه الإمارات عبر ميناء دبي، وهو ما يشكل مصدر قلق للإمارات، ويفقدها أهم ركائزها الاقتصادية المعتمدة على ميناء دبي.
عنصر اقتصادي آخر يتمثل في “حقل واعد” النفطي اليمني، الممتد من محافظة الجوف في اليمن وحتى صحراء الربع الخالي، الذي تسعى السعودية للسيطرة عليه بمفردها، لزيادة إنتاجها النفطي إضافة إلى تأمين تصدير نفطها عبر بحر العرب، بدلاً من مضيق هرمز على الخليج العربي.
المكلا في الصورة
كل هذه العوامل دفعت بالإمارات للتوجه إلى حضرموت، والتركيز عليها، في محاولة لتعويض خسارتها في عدن، وللحفاظ على ما تبقى من مكتسبات، وبدأت أبوظبي في التواصل مع الشخصيات والفعاليات في المكلا، والعمل على تقديم الخدمات، لإرضاء سكانها، لكنها لا زالت تواجه غريمها التقليدي حزب “الإصلاح”، الذي احتفظ بدوره في أثناء احتلال “القاعدة” للمكلا، واستمر بأداء الدور نفسه في أثناء سيطرة الإمارات عليها، مما يعني أن المواجهة بين المملكة وأبوظبي بدأت رحاها في الدوران الآن.