ترجمة وتحرير نون بوست
على الرغم من أن الدول الخليجية أنشأت منظمة إقليمية سياسية واقتصادية للتعاون فيما بينها وأطلقت عليها اسم “مجلس التعاون الخليجي”، فليس من المستغرب أن يطغى التوتر والتنافس على العلاقات بين أعضائها، ومما لا شك فيه أن هذه الاختلافات سيسلط عليها الضوء خلال قمة مجلس التعاون الخليجي، التي تقام في دورتها السنوية السابعة والثلاثين، وانطلقت يوم الثلاثاء في المنامة عاصمة البحرين.
إن قادة دول مجلس التعاون الخليجي لا يقتصرون على هذا اللقاء السنوي، بل يجتمعون في العشرات من الاجتماعات رفيعة المستوى في كل سنة لمناقشة العديد من القضايا المتعلقة بالمنطقة، في المقابل، تتصف هذه القمة بصبغة أكثر شمولية، حيث تجسد مبدأ الوحدة والتكتل العربي لهذه الدول، وتمثل فرصة للقادة الأعضاء للتداول بخصوص أولويات السياسة المشتركة بين بعضهم البعض.
من خلال قراءة استباقية لمستقبل العلاقة السعودية المصرية، من الملاحظ أن القاهرة ستسعى لاستغلال أي فرصة سانحة أمامها لتعمق التوتر بينها وبين الرياض خاصة فيما يتعلق بسياساتها الخارجية تجاه سوريا
ستُبرز القمة مدى التماسك والانسجام الذي يجمع الدول الأعضاء، وسيعكس ذلك حرصها الواضح على رسم صورة “مزخرفة” بعناية وتسويقها فيما يتعلق بالعلاقات الوثيقة التي تربط المجموعة بعضها ببعض، ولكن لا ينفي ذلك ضرورة تعاطي الدول الأعضاء مع الانقسامات الكامنة داخلها، والتي لطالما وُجدت بين دول مجلس التعاون الخليجي.
إن أبرز دليل على أن دول مجلس التعاون الخليجي ليست متماسكة كما تدعي، هو العلاقة المتوترة التي تجمع بين كل من الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية، فعلى الرغم من الرؤى الاستراتيجية المشتركة للبلدين، إلا أن جوًا من التوتر يطغى على العلاقة بينهما.
إن العلاقة بين السعودية والإمارات يشوبها التوتر نتيجة لتأزم الخلاف بينهما بشأن أفضل السبل للتفاوض بخصوص نهاية الصراع القائم في اليمن، نظرًا لأن كلا البلدين قد وقفتا جنبًا إلى جنب في وجه المتمردين الحوثيين في حرب اليمن، وما قد يعمق الفوارق بين البلدين، هو مثابرة الإمارات لإحراز قفزة اقتصادية نوعية من خلال جهودها المكثفة لبعث مشاريع اقتصادية متنوعة.
إن عمل الإمارات الدؤوب لتحقيق تطور اقتصادي، يرشحها لأن تتبوأ منصبًا رياديًا داخل الكتلة الخليجية، فالنهضة النوعية التي حققتها الإمارات تمثل تحديًا أمام السعودية، التي لطالما عرفت بأنها حجر الأساس والعنصر الريادي التقليدي ضمن دول مجلس التعاون الخليجي.
وقد تفاقم الصراع غير المعلن بين الدولتين، مؤخرًا، حيث تحولت مصر إلى مصدر خلاف آخر بين أبو ظبي والرياض، وفي الإطار ذاته، وخلال عطلة نهاية هذا الأسبوع، من المتوقع أن يجتمع كل من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي والعاهل السعودي لإيجاد حلول وإعادة ربط العلاقات بين الدولتين بعد فترة الكساد والتوتر التي سادت علاقتهما.
جاءت هذه المبادرة لإعادة جسور التواصل بين القاهرة والرياض، تحت رعاية أبو ظبي، وبالاعتماد على مصادر موقع ستراتفور، فإن الاجتماع المزمع انعقاده قد انهار بعدما رفض السيسي الالتزام بمطالب الملك سلمان لعقد المصالحة فيما بينهما، كما طلب الملك سليمان من السيسي أن يدين علنًا الرئيس السوري بشار الأسد وأن يتعهد بسحب دعمه للجيش التابع له ولكن السيسي رفض رفضًا قاطعًا هذا الطلب.
من وجهة نظر الملك سلمان، فإن عناد السيسي ورفضه للمصالحة طبقًا لشروطه، يعكس اهتمامه باستمرارية وتواصل حكم الأسد في سوريا بدلاً من أن يبرهن على حاجته للدعم المالي السعودي له، وأعرب الملك سلمان عن انزعاجه من طريقة تعامل القاهرة للرياض المستندة بالأساس على المصلحة المادية، حيث إن السيسي يعتبر الرياض آلة نقدية لاستنزاف المساعدات المالية عوض أن تكون حليفًا استراتيجيًا ضروريًا.
إن عمل الإمارات الدؤوب لتحقيق تطور اقتصادي، يرشحها لأن تتبوأ منصبًا رياديًا داخل الكتلة الخليجية
وتجدر الإشارة إلى أن الواقع السياسي والاقتصادي يثبت أنه ولأول مرة بعد عدة سنوات، أصبحت مصر تتمتع بفسحة مالية تسمح لها بتحقيق أهداف سياستها الخارجية بغض النظر عن موقف الرياض منها، ففي الفترة الماضية، عقدت مصر اتفاقًا مع صندوق النقد الدولي والتمست المساعدة الاقتصادية من مصادر أخرى.
وفي الإطار نفسه، لعبت دول مجلس التعاون الخليجي دورًا بارزًا في تمويل مصر وتوفير حصة كبيرة من المساعدات المالية لها، في المقابل، لم تكتف مصر بهذه المساعدات، حيث ناشد السيسي مجموعة واسعة من المقرضين الدوليين لدعمه بغية أن يوسع من قائمة حلفائه الاقتصاديين.
وبين الدفعة الأولى من القرض التي صرفها صندوق النقد الدولي والمساعدات المكثفة الواردة من دول مختلفة التي قامت بمد مصر بمساعدات مالية، بلغ احتياطي مصر من النقد الأجنبي رقمًا قياسيًا منذ خمس سنوات، قُدّر بنحو 23.1 مليار دولار في شهر تشرين الثاني/ نوفمبر المنصرم.
ومن المفارقات، أن الرئيس المصري يعي جيدًا أن استقرار مصر يُعدّ أولوية بالنسبة لقادة دول مجلس التعاون الخليجي مما لا يعطي خيارًا للرياض، على الرغم من تذمر الملك سلمان من سياسة الرئيس المصري وتعامله مع المملكة العربية السعودية، سوى أن تواصل محاولاتها لإخراج مصر وإنقاذها من أزمتها الاقتصادية وضائقتها المالية.
خلال الأشهر القليلة المقبلة، ستطفو العديد من المشاكل على سطح العلاقات بين دول مجلس التعاون الخليجي، على غرار الفتنة المندلعة بين المملكة العربية السعودية ومصر، مما سيضيّق الخناق على دولة الإمارات العربية المتحدة وبقية دول مجلس التعاون الخليجي للحفاظ على التحالفات الاستراتيجية في المنطقة وخاصة مع مصر.
في نيسان/ أبريل، أهدى السيسي عربون التزام تجاه المساعدات المالية المقدّمة من الرياض، من خلال توقيع اتفاقية تُلزم مصر بتحويل ملكية جزيرتين في البحر الأحمر للمملكة العربية السعودية، ومع تغير الظرفية الاقتصادية في مصر، التي تزامنت مع إدانة شعبية وقانونية للاتفاق الذي تسمح بمقتضاه الحكومة المصرية للسعودية ببسط نفوذها على جزء من ممتلكاتها، ركن السيسي إلى إعادة حساباته وموازنة خياراته فيما يخص الاتفاق مع الرياض.
إن أبرز دليل على أن دول مجلس التعاون الخليجي ليست متماسكة كما تدعي، هو العلاقة المتوترة التي تجمع بين كل من الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية
تتمثل الأولوية، الآن، بالنسبة للرئيس المصري، في استجداء الدعم الشعبي للموافقة على جملة من الإصلاحات التي قد اقترحها بدلاً من أن يخضع لضغوطات الرياض للحصول على الدعم المادي، وتجدر الإشارة إلى أن القضاء المصري كان بمكانة حليف ثابت للرئيس عبد الفتاح السيسي، في مساعيه ولو كان ذلك عن غير قصد.
في يوم 21 حزيران/ يونيو الماضي، وبعد أن أبطل القضاء المصري اتفاقية الجزيرتين في البحر الأحمر، عمدت المحكمة العليا المصرية إلى المراوغة وتأجيل حكم نهائي في القضية، مما فتح المجال أمام السيسي لمواصلة المفاوضات المطولة مع الملك السعودي وفي الوقت ذاته، مهد القضاء الطريق أمامه لاسترضاء الشعب المصري ومحاولة الفوز بدعمه.
ومن خلال قراءة استباقية لمستقبل العلاقة السعودية المصرية، من الملاحظ أن القاهرة ستسعى لاستغلال أي فرصة سانحة أمامها لتعمق التوتر بينها وبين الرياض خاصة فيما يتعلق بسياساتها الخارجية تجاه سوريا.
في حين حققت الحكومة السورية والقوات الموالية لها نصرًا بينًا في أرض المعركة، تعمل مصر على أن تكون بجانب الطرف المنتصر في الحرب خاصة أن السيسي وجد في بشار الأسد حليفًا له في مكافحة الإخوان المسلمين وأبرز شريك وداعم للحكم العسكري.
تتصف هذه القمة بصبغة أكثر شمولية، حيث تجسد مبدأ الوحدة والتكتل العربي لهذه الدول، وتمثل فرصة للقادة الأعضاء للتداول بخصوص أولويات السياسة المشتركة بين بعضهم البعض
من المرجح أنه في كل خطوة تخطوها مصر في اتجاه تأكيد دعمها التام لحكومة بشار الأسد، سواء من خلال التدريبات العسكرية المشتركة أو شحنات الأسلحة المصدرة لدعم مقاتلي النظام، ستثير مصر غضب وانزعاج المملكة العربية السعودية، ونتيجة لذلك، ستجد الإمارات العربية المتحدة صعوبة في حل النزاع وسيتسبب ذلك في حالة فزع داخل صفوف قادة الإمارات.
تتوارى خلف رسائل الوحدة والوفاق التي ستسود الواجهة العامة لقمة دول مجلس التعاون الخليجي هذا الأسبوع، حالة من التوتر والمنافسة بين عدد من أعضائها، كما تنتشر هذه الحالة “خلف الكواليس” بهدوء تام.
في أعقاب هذا الاجتماع، ستواجه دول مجلس التعاون الخليجي تحديات لإثبات تماسكها ووحدتها من خلال التعامل مع قضايا حساسة جدًا مثل تلك المتعلّقة بمصر واليمن والتي ستكون كاختبار لمدى نجاح هذه القمة.
المصدر: ستراتفور