الحكومة المغربية التي لاحت بوادر تشكيلها في الأفق تستقبل أول الغيث وتهدي الشعب المطحون خبر إعدام مجانية التعليم كهدية ستطيب بها خاطر المجلس الأعلى للتعليم، وهي لا زالت تعيش مخاض الولادة بعد “البلوكاج” الذي زمر له المزمرون وطبل له “المداويخ”، مشروع إعدام مجانية التعليم في انتظار مباركته وإصباغ الإطار القانوني عليه من طرف حكومة لم تفرغ بعد من قسمة كعكة انتخابات 7 من أكتوبر، ولا زالت تنتشي بطعم محاصصة الوزارات وتسمية رئاسة المجالس والظفر بريع الدواوين والمستشارين.
أطفال مغاربة يتوجهون إلى مدارسهم
حكومة تصريف أعمال ظل رئيسها المعتكف المتباكي لأيام، لا يصرف شيئًا، في خلوة روحانية، وهو المكلف بأمانة تصريف أشغالها حتى تشكيل حكومة جديدة قديمة، حتى لا تتوقف عجلة البلاد وتتعطل مصالح العباد، شهدناه منذ أيام يفتقد الحد الأدنى لـ”بروفايل” رجل الدولة حينما كان يعبر عن محنة حقيقية ألمت به، متظاهرًا أن لا محنة هو فيها بعد زيارة شبيبته التضامنية له ببيته، وبعدما كذب عالم السياسة منطق الرياضيات بالنسبة إليه، وهو يقول بالحرف “ماكانشوفش علاش غنخرج من الدار … دبروا لمخاخهم” وهو يشتكي عدم تمرير أنشطته الرسمية بالكوب 22 بمراكش على شاشات قنواتنا الرسمية اليتيمة، ويشتكي قطاع إعلام لا زال وزيره الخلفي معهود له هو الآخر بتصريف أعماله، بعدما انتقد وزيره سابقًا في العدل تحضيرات انتخابات السابع من أكتوبر وهو أحد أهم الأوصياء عليها.
رئيس حكومة يشتكي التحكم ويدافع عنه إلى أخمص قدميه، سيقدم أول هدية للشعب المغربي، ولن يلتفت لمسؤوليته التاريخية والأخلاقية أمام الله وأمام الشعب المغربي، وللأسف سيساهم في دق مسمار آخر في نعش القطاعات الاجتماعية بالمغرب – مجانية التعليم – بعد إلغاء مجانية الصحة والتطبيب، وسيقدم رؤوس المغاربة الذين وضعوا الثقة في أحزاب بالوكالة بنسبة تصويت إجمالية لم تتجاوز 23% وكان له نصيب الريادة فيها، وهي النسبة التي ساهم في إنعاش حصيلتها كائنات مخزنية أزلية من فصيلة “الشيوخ والمقدمية”.
عبد الإله بنكيران رئيس حزب العدالة والتنمية ورئيس الوزراء
إلغاء مجانية التعليم هدية ستسلم على طبق من ذهب للوبيات التحكم والرأسمالية المتوحشة باسم الإصلاح والتنمية المعطوبة، وإردافه إلى قطاع الصحة، علمًا بأن أهم مؤشرين تقاس بهما التنمية البشرية هما الصحة والتعليم وسيتم إقبارهما بعدما ولى زمن رفع شعارات ويافطات مجانية الصحة والتعليم بالبند العريض، وظلت الجهات الرسمية تتغنى بترانيمهما.
للأسف ستشكل حكومة العدالة والتنمية في نسختيها الأولى والثانية قنطرة مثالية، وبيئة خصبة لبيع المغاربة “صوبة وبالعرام” في سوق السياسة الوسخ، عنوانها البارز استهداف الطبقات المتوسطة والتراجع عن المكتسبات لتمرير إصلاحات ظلت لوبيات التحكم تمني النفس لتحقيقها، منذ عقود من الزمن، باحثة عمن يحمل شماعتها، ووجدت ضالتها فيمن تبناها على عجل ودون مقابل، اللهم مناصب برلمانية ووزارية إلى زوال، في تجنٍ سافر على الحد الأدنى من الالتزام بأخلاقيات السياسة التي لا دين ولا أخلاق لها، ولم تتق الله في الشعب المطحون وأبانت عن وجهها البشع.
وهنا نسوق نماذج الإصلاحات المفضوحة كإصلاح صندوق المقاصة، حيث بات مسلمًا أن حكومة العدالة والتنمية ومن يسير في كنفها، آياتها الوقوف عند ويل للمصلين، والمثال الحي للإصلاحات المزعومة حين عجزت الحكومة المحكومة عن إرغام الشركات العابرة للقارات والمتعددة الجنسيات، تحديد ثمن قار للمحروقات يتناسب وحجم انخفاض سعر البترول في السوق العالمية.
في حين هي من ادعت تحرير القطاع والتزمت بإصلاحه، لكن لماذا يقف الإصلاح عاجزًا حين يتعلق الأمر بوضع تسعيرة وطنية موحدة؟ حكومة تركت المغاربة يصارعون قدرهم المحتوم في مناخ لتحرير الأسعار ظلت تحتكره شركات جشعة، تعرف أرقام معاملاتها لغة وحيدة وهي الزيادة والصعود ولا تعرف للهبوط أو النزول سبيلاً، وصندوق آخر مثقوب، مسروق ومنهوب، هو صندوق التقاعد، فعوض ربط المسؤولية بالمحاسبة وتقديم ناهبي المال العام للقضاء وتحديث للإدارة وعقلنتها وتخليقها، دائمًا الحل السحري والمتاح بأقل الخسائر هو الحائط القصير، الموظف الصغير، تستخلص الفاتورة من جيبه ويقتص العجز من سنوات عمره، وعلى النقيض من ذلك تقف الإصلاحات عند صندوق تقاعد البرلمانيين والوزراء متصلبة، لا تتحرك قيد أنملة، لكونها مجرد “جوج فرانك”.
اللهم افقر الفقراء وزد الأغنياء غنى في بلد الاستثناء.
بصريح العبارة إعدام مجانية التعليم هو قناة من أجل إعادة ضخ واستخلاص وسداد أموال الإصلاحات العرجاء، التي كانت وسيلة لغاية تحصيل قروض البنك الدولي والبنك الأوروبي وباقي البنوك العالمية التي مولت تلك الإصلاحات في الظاهر بمنطق الإملاءات، ولكنها ذهبت إلى جيوب لصوص المال العام، والمحصلة إعلان صريح لفشل منظومة التربية والتعليم بالمغرب، بعد أن فرخ نفس النظام جيوشًا من المثقفين العاطلين، والدليل ما وقع في برنامج المخطط الاستعجالي الأخير بقطاع يقتضي التأني أكثر من العجلة، وطالما اعتبره النظام ثاني أولوية وطنية بعد الوحدة الترابية، وهل ستكرر أزلية “أكل الثور الأسود يوم أكل الثور الأبيض”.
ولمن يراهن على ذاكرة المغاربة القصيرة نسوق لغة الأرقام التي لا تعرف المزايدة، حيث وافق البنك الدولي للإنشاء والتعمير يوم 8 من يونيو 2010 على منح المغرب قرض بقيمة 60 مليون دولار لدعم تنفيذ “المخطط الاستعجالي لإصلاح التعليم 2009-2012 وقع عليه المدراء التنفيذيون للبنك، والرقم التعريفي للمشروع هو P117838، كما نسرد حجم القروض الخيالية المحصل عليها لتحقيق مؤشرات التأثير ومؤشرات الإنجاز، حيث نستحضر ثقل المؤسسات المقرضة والموزعة يين البنك الإفريقي للتنمية بـ75 مليون يورو، الوكالة الفرنسية للتنمية بـ50 مليون يورو، البنك الأوروبي للاستثمار بـ200 مليون يورو، البنك الدولي بـ80 مليون أورو، وتسهيلات الاستثمار من أجل القرب بـ20 مليون يورو، بالإضافة إلى مساعدة مقدمة من اللجنة الأوروبية محددة في 93 مليون يورو، وبالإضافة كذلك إلى الميزانيات المخصصة كل سنة لوزارة التربية والتكوين.
هذه “البزولة” أو البقرة الحلوب التي ظلت تضخ القروض وتصب في أفواه زبانية الأكاديميات الجهوية والنيابات الإقلمية للتربية والتكوين، حيث أصبح الملاحظ بأن مكاتب وتجهيزات بعض الأكاديميات أصبحت تتجاوز من حيث الأبهة و”البريستيج “مكاتب تجهيزات رؤساء الدول المتقدمة، وتحول مدراء أكاديميات ونيابات إلى “طاشرونات” أقرب منهم الى رجالات تربية وتكوين وتنظير.
وعلى النقيض من ذلك ظلت نسبة مهمة من مدارس العالم القروي تفتقر إلى أبسط أبجديات وشروط التعليم الكريم من مراحيض وماء وكهرباء، ناهيك عن الطرق والمسالك، في حين ترك مصير نساء ورجال التعليم في يد نقابات انتعشت عل عظمة ريع التكاليف والتفرغات المشبوهة وتمييع المشهد النقابي وتحقيره وشيطنته وإفراغه من محتواه بإضرابات مجانية خف صيتها مع ربط نظرية بن كيران الأجرة مقابل العمل، وضاع النضال الزائف، نقابات هددها “مروض العفاريت والتماسيح” بريعها التي تسبح فيه، لتمرير قانون تقاعد بئيس، سجلنا من خلاله تواطؤ الجميع في مشهد درامي يعلن إفلاس المشهد السياسي والنقابي المغربي.