كشفت صحيفة “إيزفيستيا” الروسية أن عسكريين من كتيبتي المهمات الخاصة “الغرب” و”الشرق”، المرابطتين في جمهورية الشيشان جنوبي روسيا، سيتولون حراسة قاعدة حميميم الجوية الروسية في سوريا.
وذكر خبراء عسكريون روس، أن عسكريي هاتين الكتيبتين الذين حاربوا ما أسموه “الإرهابيين في أراضي الشيشان”، وشاركوا في الحرب ضد جورجيا في عام 2008، وتولوا مهمة حماية قوات الهندسة الروسية في لبنان عام 2006، قد اكتسبوا خبرات قتالية واسعة، ولا سيما فيما يخص القيام بعمليات خاصة في المناطق الجبلية، على غرار المنطقة التي توجد فيها قاعدة حميميم، وفي المناطق المأهولة.
جنود من الوحدات الخاصة الشيشانية
ونقلت الصحيفة عن مصادر في وزارة الدفاع أنه قد تم تحويل هاتين الكتيبتين من قوام الجيش إلى الشرطة العسكرية، وإعداد أفراد الكتيبتين لإرسالهم إلى سوريا. وسيتم تزويد المقاتلين بالقبعات الحمراء والعلامات الخاصة بالشرطة العسكرية. وتوقعت الصحيفة، إتمام عملية نشر العسكريين في حميميم بحلول أواخر ديسمبر/كانون الأول الجاري.
فهل تحاول روسيا توريط الشيشان في سوريا، وهي التي تحولت –الشيشان- على يد قديروف إلى ولي وخادم للكرملين، وباتت رسول موسكو إلى كل الخصوم أو الحلفاء في الشرق الأوسط، وحتى العالم؟
معادلة الخادم والمخدوم
تضطلع الشيشان، في الأعوام الأخيرة، بنشاط ديناميكي خارج الحدود الروسية، فهذه البلاد التي كانت أرضاً متمرّدة من قبل، أصبحت الآن من الجمهوريات الأكثر ولاءً للكرملين، حيث باتت تبني عدداً من الروابط الاقتصادية والسياسية، بما في ذلك مع بعض القادة الأكثر نفوذاً في الشرق الأوسط، على رأسها السعودية.
لقد وضع رئيس الشيشان الكاريزماتي رمضان قديروف نفسه في موقع “جندي مشاة” شديد الإخلاص لفلاديمير بوتين مبدياً استعداده لتقديم الدعم – العسكري والسياسي على السواء – لأي مبادرة يطرحها الرئيس الروسي، حيث يظهر قديروف مؤازرة شديدة للعملية الروسية في سوريا، حيث قدّم دعمه للمتطوعين الشيشان الذين يحاربون إلى جانب الأسد، وها هو يرسل عناصر من الأجهزة الأمنية الشيشانية للمساعدة على حراسة المنشآت العسكرية الروسية في سوريا.
وعليه، فيبدو أن موسكو تريد أن تستخدم الطاقات التي يتمتع بها قديروف لتنويع أدوات انخراطها في المنطقة، حيث أن نشاط الرئيس الشيشاني يصبّ أكثر في مصلحة الدولة الروسية بالدرجة الأولى، وفي مصلحة الشيشان بدرجة ثانية، ولما لا يكون ذلك طالما أنه ليس هناك تعارضٌ بين مصالح البلدَين، وإن كانت الأولى المخدوم، والثانية الخادم.
ما الذي يريده قديروف في الشرق الأوسط؟
يقول الكاتب الروسي ماكسيم سوخوف في مقالة نشرت له بموقع “المونيتور” نشرت له قبل أيام: “يحاول قديروف أن يؤدي دور رسول للكرملين، فالرئيس الشيشاني الذي تجمعه روابط شخصية وثيقة بالقادة السعوديين، والمعروف عنه أنه رجل قوي، والذي يتطلع إلى أن يصبح شخصية إسلامية نافذة وذائعة الصيت، هو في موقع يخوّله أن يعبّر بصورة أفضل عن المصالح الروسية أمام السعوديين، وكذلك أن يتفاوض حول المسائل الشائكة بين موسكو والرياض.
ففي 27 تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، زار قديروف السعودية بناءً على دعوة من ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان الذي يتولّى أيضاً وزارة الدفاع ورئاسة مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية. وقد ناقش معه المسائل المتعلقة بمكافحة الإرهاب والتطرف الديني، وكذلك العلاقات بين روسيا والسعودية في المنطقة.
أتت زيارة قديروف حينها في توقيت مناسب: تساعد روسيا الحكومة السورية على التقدّم أكثر على الأرض، وفيما يحاول الأفرقاء الإقليميون المعنيون أن يتصوّروا ما يمكن أن يحمله المستقبل لسوريا لهم بعد الانتخابات الأميركية، يستمر البعض – لا سيما أولئك الذين يشعرون بأن موقعهم لن يتعزز على الأرجح في عهد الإدارة الأميركية الجديدة – في السعي إلى تحسين علاقاتهم مع موسكو.
ويضيف الكاتب الروسي: “لقد ساهم قديروف مؤخراً في الديبلوماسية الروسية في المنطقة. ففي تشرين الأول/أكتوبر 2016، برز دوره إلى الضوء كوسيط رفيع المستوى في عملية الإفراج عن ثلاثة بحّارة روس في ليبيا، بعدما كانت السلطات الليبية قد ألقت القبض على عناصر الطاقم في ناقلة النفط الروسية “ميكانيك شيبوتاريف” في أيلول/سبتمبر 2015 بتهمة تهريب النفط. وقد بُذِلت جهود ديبلوماسية للإفراج عن البحارة، واستغرقت العملية وقتاً طويلاً: جرى الإفراج عن عنصرَين من الطاقم في تشرين الأول/أكتوبر 2015، أي في غضون شهر من القبض عليهم، غير أن تحرير الثلاثة الآخرين استغرق نحو عام كامل.
وقد تباهى الرئيس الشيشاني بدوره في العملية التفاوضية عبر حسابه على موقع “إنستغرام”، مشيراً إلى أن معاونه الشخصي، آدم دليمخانوف، تواصل مباشرة مع رئيس المجلس الوطني الليبي، ورئيس المجلس الأعلى للدولة، ورئيس لجنة التحقيق الليبية طوال مرحلة المفاوضات. “
ويكمل الكاتب: “بالفعل، لا يكتفي قديروف فقط بترويج المصالح الروسية من خلال اتصالاته في المنطقة، بل ينتهز أيضاً الفرصة لجلب الاستثمارات الخارجية إلى الشيشان. فعلى سبيل المثال، التقى خلال زيارته إلى السعودية، ماجد القصبي، وزير التجارة والاستثمار السعودي، والأمير محمد الذي يشغل أيضاً منصب الرئيس المشارك للجنة الحكومية الروسية-السعودية المشتركة. وكذلك ناقش رئيس الوزراء الشيشاني أبو بكر إدلغرييف مطوّلاً مع المسؤولين السعوديين التعاون مع المملكة في مشاريع لإنتاج المحاصيل الزراعية”.
فيلم “ألكسندر روغاتكين”
في شباط الماضي أعلن الرئيس الشيشاني قديروف أن مقاتلي القوات الخاصة الشيشانية متواجدون على الأراضي سوريا بالفعل، حيث نشرت قناة “روسيا اليوم” إعلاناً عن فيلم “ألكسندر روغاتكين” الذي يحكي عن وجود القوات الخاصة الشيشانية في سوريا. ويحكي الفيلم عن وجود مركز تدريب في الشيشان لإعداد المقاتلين الشيشانيين الذين يعملون في الخطوط الخلفية لتنظيم “داعش” ، وهم في الحقيقة يعملون على ضمان نجاح عملية الطائرات العسكرية الروسية في سوريا.
ويقول الرئيس الشيشاني رمضان قديروف، الذي ظهر صوته خلف الكواليس في الفيلم، إنه “تم إرسال أفضل المقاتلين الشيشان لجمع المعلومات حول التنظيم الإرهابي وعدد الإرهابيين، وتحديد أهداف القصف وتسجيل نتائجها“.
وقال قديروف أيضًا أن “عملاء الاستخبارات الشيشان في بداية الحرب في سوريا تم إرسالهم سرياً إلى معسكرات تدريب، لتدريب المقاتلين الذين يعلنون الوهابية”، وأنهم كشفوا أنه كان هناك مدربين من دول حلف شمال الأطلسي”.
القوات الشيشانية
إلى ذلك، حاول قديروف في أكتوبر الماضي نفي وجود مدربين عسكريين من الشيشان في سوريا، مشيرا إلى أن الشيشان مستعدة لدعوة الخبراء السوريين للتدريب في قاعدة القوات الخاصة في الشيشان.
وقال قاديروف حينها: “لا يوجد مدربون من الشيشان في سوريا، ولا يخطط لذلك، إنه ليس من اختصاصنا، إنه من اختصاص القائد الأعلى”. لكن في الوقت نفسه، أكد قديروف أن بلاده مستعدة لدعوة العسكريين السوريين للتدريب في المركز الدولي لتحضير القوات الخاصة في غوديرميس، وعلّق على ذلك: “ولما لا، الدولة السورية هي دولة شريكة لنا، خاصة الآن، هناك إرهابيون ونحن جميعًا نحارب الإرهاب”.