أوفي 8 ديسمبر 2016، عقد الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح اجتماعًا مع كتلتيه البرلمانية والحكومية، ودعاهم إلى مواجهة الانفصال الذي قال إن الرئيس المدعوم دوليًا عبده ربه منصور هادي يعمل عليها.
صالح وهو لاعب أساسي في السياسية والحرب الأهلية الطاحنة هناك، حذر أعضاء حكومته من قرب انفصال البلاد، يقودها هادي في المحافظات الجنوبية الشرقية، وتوعد بأن يلحق بهم الهزيمة ويفشل من يريد تجزئة وتقسيم اليمن كما أفشلهم في صيف 94، وقال في مقابلة أخرى في نفس اليوم لقناة BBC ، إن تقسيم إلى اليمن إلى شطرين من المستحيل حدوثه، والقوى التي تراهن عليها غير وارد، واليمن عبر التاريخ موحد، ولا يستطيع أحد أن يفصل اليمن عن بعضها.
منذ أن بدأت عاصفة الحزم في نهاية مارس 2015، كانت هناك ترجيحات وتخوفات من قبل بعض الأطراف السياسية اليمنية من أن تنتهي الحرب بيمنيين أو أكثر، واحدة بالشمال وثانية بالجنوب الغربي، وأخرى بالجنوب الشرقي، وتجزئة اليمن وفق أهواء جيرانها الأثرياء، لعدة أسباب.
أولًا: حينما بدت عاصفة الحزم في 26 مارس 2015 والرئيس اليمني كان في طريقه إلى عمان عبر البر، بدت وكأنها تدعم الفصائل المتطرفة في الجنوب ككل لإفشال التقدم الحوثي نحو الجنوب، لكن الضربات الجوية العنيفة التي استخدمها تحالف عاصفة الحزم بقيادة المملكة العربية السعودية، لم تحسم الأمر في حينها، بل جعلت الحوثيون يسيطرون على المحافظات الجنوبية بسرعة قصوى وفي غضون ثلاثة أيام، لكن التدخل البري في صيف 2015 التي قادته الإمارات، ودعمت الانفصاليون بمختلف فئاتهم، سواء أولائك الذي تدعمهم إيران أو السعودية، أو أبوظبي نفسها، وفي نفس الوقت كان العامل الحاسم في المعركة ليس الانفصاليون بالرغم من الدعم اللامحدود الذي حصلوا عليهم، وإنما كانت القوات الإماراتية البرية إلى جانب جماعات جهادية أخرى كتنظيم القاعدة وداعش قاتلوا جنبًا إلى جنب، سرعان ما اختلفوا بعد أن حققوا هدفهم المشترك في طرد الحوثيين من عدن.
ثانيًا: بعد أن تحقق هدف التحالف العربي التي تقوده المملكة العربية السعودية، وخصوصًا الإمارات العربية المتحدة العضو الفاعل بل البارز في الجنوب اليمني، بدأت الفصائل الانفصالية لاسيما تلك المدعومة إماراتيًا بممارسة واقع جديد على الأرض، وكأنها دولة جديدة، المتمثل بطرد أبناء الشمال من كل المحافظات الجنوبية، واتهامهم بالعناصر الاستخباراتية لصالح ما أسمتها دولة الجمهورية العربية اليمنية ( اسم قديم لليمن قبل الوحدة)، وعملت على ترحيلهم إلى محافظاتهم الشمالية، إضافة إلى ما يتعرض له أبناء الشمال من معاملة غير آدمية عند اعتزامه السفر إلى خارج اليمن عبر مطار عدن الدولي.
ثالثًا: التعيينات في المرافق الحكومية والسفارات اليمنية التي بدأ بها الرئيس عبده ربه منصور هادي المدعوم دوليًا في اتخاذها، وتبدو كما لو أنها تمهيدًا للانفصال، لاسيما وأن تلك الشخصيات التي يعينها قريبة منه من مسقط رأسه من محافظة أبين، أو من الجنوب بشكل عام.
خلال الفترة الأخيرة عمل على استبدال كل السفراء الذين ينتمون إلى المحافظات الشمالية، بشخصيات جنوبية داعية للانفصال، وهذه السفارات هي ( الولايات المتحدة الأمريكية، والمملكة المتحدة البريطانية، جمهورية فرنسا، جمهورية ألمانيا، مملكة اسبانيا، مملكة هولندا، بولندا، جمهورية التشيك، جمهورية كوبا، مملكة ماليزيا، الجمهورية التركية، الجامعة العربية، جمهورية مصر العربية، الجمهورية الجزائرية، الجمهورية التونسية، المملكة المغربية، جمهورية السودان، دولة الكويت، الإمارات العربية، دولة قطر، مملكة البحرين، دولة جيبوتي، المملكة العربية السعودية).
سفراء يمنيون يرفعون أعلام الأنفصال
العديد من تلك السفارات عملت إلى أحياء يوم 30 نوفمبر(هو عيد وطني تحتفل به اليمن كل عام، وهو اليوم الذي غادر فيها آخر جندي بريطاني في اليمن عام 1963)، ليس برفع أعلام اليمن كما يجب أن يكون، وكسفارة تتحدث عن أبناء اليمن شماله وجنوبه، وإنما كان الاحتفال لدولة أخرى، الجنوب العربي، ورفع فيها الأعلام التشطيرية.
فيديو ويظهر فيه السفير اليمني في الولايات المتحدة الأمريكية يحتفل مع انفصاليين رافعين أعلام الدولة المزعومة
رابعًا: إعلان ما سمي ” حكومة الإنقاذ” في اليمن التي شكلها مناصفة بين المؤتمر الشعبي العام وهو أكبر الأحزاب السياسية في اليمن، مع الحركة الحوثية التي تحكم فرضت حكمها على المحافظات الشمالية بعد مغادرة الرئيس هادي اليمن.
الخطوة الأخيرة وبالرغم أن من يرأسها هو الدكتور عبد العزيز بن حبتور سياسي وأكاديمي جنوبي، وأيضًا معظم فريقه من الجنوب، إلا أن العديد أبدى تخوفه من أن يكون إعلان حكومة في صنعاء في ظل وجود حكومة أخرى مدعومة دولية هو تكريسًا للانفصال.
خامسًا: قرار الرئيس اليمني عبده ربه منصور هادي، بنقل البنك المركزي إلى محافظة عدن، والاستحواذ على المبالغ التي طلبتها إدارة البنك المركزي بصنعاء من شركة روسيا طباعتها لتغطية عجز نقص العملة المحلية، وتوزيع الرواتب لموظفي الدولة، إلا أن حكومة الرئيس هادي استحوذت عليها بحكم قانونيتها الدولية، وتعمل على توزيع رواتب الموظفين أو العسكريين المواليين لها فقط.
الأسباب آنفة الذكر، إضافة إلى حديث الرئيس اليمني السابق، جعلت العديد يدرك أن إعلان الانفصال بات قاب قوسين أو أدنى، ولهذا هناك احتمالية أن تأتي حرب أخرى قادمة بين الشمال والجنوب، سيكون عنوانها التحرير، وقبل كل ذلك، هل يستطيع هادي أن يعلن الانفصال، وما هو الموقف الأممي، وخصوصًا دول مجلس التعاون الخليجي وعلى رأسها الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية.
الرئيس اليمني عبده ربه منصور هادي، يبدو أنه لا يريد أن يفرط بالسلطة إطلاقًا، إلا تحت ضغط دولي أو خاسر في الحرب على غرار الحرب الأهلية الجنوبية عندما كانت فصائل عدة تتقاتل على السلطة في نهايات ثمانينات القرن الماضي التي غادرها بعد خسارة فصيله إلى الشمال، ولهذا يريد أن يضمن بقائه في السلطة في حال وأن فشلت عاصفة الحزم بإقصاء الحوثيين وصالح من المشهد السياسي في اليمن، وقد يعلن الانفصال تحت ذرائع أخرى.
هادي أعلن في آخر لقائه مع المبعوث الأممي إلى اليمن إسماعيل ولد الشيخ أحمد عن جملة من الشروط التي وصفت بالتعجيزية، وهو نفي الرئيس اليمني علي عبدالله صالح إلى خارج اليمن، وكذلك زعيم الحركة الحوثية عبدالملك الحوثي، إضافة إلى شرط أكثر غرابة، وهو عدم مطالبته بتسليم السلطة إلا إلى رئيس منتخب قد لا يأتي في القريب المنظور بسبب أيضًا الشرط الآخر فيه، عدم مطالبته بإجراء انتخابات رئاسية إلا بعد أن يتم الانتهاء من إعداد دستور جديد، وتقسيم اليمن إلى أقاليم، بعدها سيجري انتخابات رئاسية يشرف عليها شخصيًا.
الانفصال يضر بالرياض
المملكة العربية السعودية، أمام واقع متغير أيديلوجيًا يفرض عليها الحفاظ على الوحدة اليمنية، ومعصية مؤسسها، في نصيحته التي أسداها الملك عبد العزيز، المعروف بابن سعود، عندما كان على فراش الموت عام 1953، ويُفترض أنه قال: “لا تدعوا اليمن يتّحد (أبدًا)”، اليمن هو المشكلة التي ربما لن يتم حلها إلا بعد تفكيكه.
فالمملكة التي كانت تحبذ من بداية عاصفتها (عاصفة الحزم) الانفصال في اليمن، توصية لمؤسسها الملك عبدا لعزيز، لكن يبدو أنها تقبلت نصيحة أخرى ودرستها بعناية، أن الانفصال الحالي قد يسبب لها مشاكل إقليمية وأمنية.
فالمشاكل اﻹقليمية، عندما يعلن الجنوب الانفصال بعد الحرب التي قادتها السعودية، هي المتهم اﻷول بتسبب التصدع العربي أمام شعوب المنطقة، إضافة إلى أن الانفصال في اليمن قد يفتح المجال أمام الانقسامات داخل الوطن العربي وإعادة خارطة الشرق اﻷوسط من جديد، وبذلك قد تكون أسدت خدمة مجانية ﻹإسرائيل والولايات المتحدة اﻷمريكية وبريطانيا برسم الخريطة مجانًا لطالما عجزوا عن تنفيذها منذ اتفاقية “وعد بلفور”.
صحيح أن القرارات اﻷممية دائمًا ما تدعو إلى الحفاظ على وحدة اليمن، لكن ذلك لن يصمد طويلاً في حال انبعث قرار بريطاني أو غربي وتم التوافق عليه، والدعوة إلى الاستماع إلى مطالب الشعب في تقرير مصيرهم السياسي والاقتصادي.
موقف “التعاون الخليجي”
صحيح أن البيان الختامي لقمة دول مجلس التعاون الخليجي التي عقدت يومي 6 و7 من شهر ديسمبر الجاري، أكد على الالتزام الكامل بوحدة اليمن واحترام سيادته واستقلاله ورفض أي تدخل في شؤونه الداخلية، لكن الإمارات العربية المتحدة، تغرد خارج السرب، فيها تسعى أن تجد لها موطئ قدم في الجنوب، وأن ترسخ وجودها الدائم هناك لمنع أي تهديد سعودي يعرقل من طموحاتها التجارية في هذا الجزء الاستراتيجي الهام من اليمن.
وبينما هي كذلك تسعى لتقوية الانفصاليين (جناح اﻹمارات) عسكريًا وشرطيًا ومدنيًا، إضافة إلى أنها تستضيف شهريًا مجموعات مدنية لتعمل على تدريبهم في مختلف الجوانب الاقتصادية والشرطية والعسكرية، لضمان توفير كوادر من الجنوب ﻹدارة المرحلة القادمة مع بعد الانفصال (إن تم) دون مشاكل.
الموقف الدولي
الغرب يريد هذا الخيار، وهذا ما يؤكده حديث أدمند براون السفير البريطاني في اليمن، عندما قال: لا نستطيع أن نقول للجنوبيين ليس من حقكم أن تطالبوا بالاستقلال في المستقبل إذا ما كانت هذه رغبتهم، لكن نصيحتي لهم أن تقسيم اليمن بالقوة كنتيجة للأزمة الحالية ليس من الجيد أن يقول الجنوبيون لنا الجنوب، ويبقى الحوثيون وصالح لهم الشمال، أعتقد أن الخطوة الأولى هي تحقيق الاستقرار في البلاد ككل”.
وكأنه يريد القول: لا نحب أن نحرج السعودية في الوقت الحالي، ولكن نحن ندعمكم فيما بعد، وبعد أن تهدأ الحرب اﻷهلية في اليمن، وقد تقدم بريطانيا المشروع بنفسها إلى اﻷمم المتحدة حول قرار تقرير المصير في الجنوب.
لكن إن حدث الانفصال بالفعل في اليمن، فإن هذا قد يدع الشمال بالفعل يسقط أو ربما يرتمي في الحضن اﻹيراني، ويكون في الشمال زيدية وشيعة بفضل التأثير اﻹيراني لمواقفها الحالية، وهو ما قد يزيد الخطورة على المملكة العربية السعودية، لا سيما مع تنامي الحشد الشعبي في العراق، إضافة إلى أن المملكة أيضًا تعاني من مشاكل أمنية (غير معلنة) في حدها الجنوبي والمنطقة الشرقية بسبب العنصرية التي تتبعها تجاه تلك الطائفة الشيعية، وهو ما يجعل أمنها في خطر، وربما يشجع الدعوات إلى الانفصال وبدعم أيضًا غربي وبريطاني تحديدًا وبحراك إيراني طائفي ﻷبناء المناطق الجنوبية والشرقية.
الانفصال في اليمن، قد يساعد أيضًا في عودة الخصوم السياسيين إبان تسعينات القرن الماضي، وقد يزيد من السباق على الحكم في عدن، لتعود الحرب اﻷهلية من جديد، وهو ما قد يغرق الجنوب في بحر من الدماء مجددًا ويهدد الملاحة الدولية، وهو اﻷمر الذي سيعمل على تدويل باب المندب، وإبعاده عن السيادة اليمنية، وقد تكون إيران أو اﻹمارات اﻷقرب لذلك، وهذا الهدف اﻹضافي من السعي اﻹماراتي الحثيث لفصل اليمن (شمال وجنوبًا).
الخلاصة
دعوة صالح لكتلتي البرلمان والحكومة باليقظة لمواجهة انفصال محتمل، تنذر بانفصال محتمل يقوده هادي منفردًا أو ربما مع الإمارات العربية المتحدة، وهو ما يعني أن موجة عنيفة من الصراع الداخلي قادم، وبات على الأبواب، إضافة إلى انقسام داخل قيادة عاصفة الحزم قد نشاهده خلال الأشهر القادمة، نتيجة لهذا التحرك.
ويفضل للملكة العربية السعودية أن تقابل الضغوط الدولية عليها للقبول بالتسوية السياسية ممثلة بمبادرة جون كيري للحل السياسي في اليمن، بحنكة سياسية وسعة صدر، والسماح لهادي بمغادرة الحياة السياسية، وأن ترعى هذه المبادرة كما رعت مبادرتها السابقة التي تخلى الرئيس السابق علي عبدالله صالح عن الحكم، فإن القادم قد يكون مزدحمًا بالمشاكل الصعبة لن تستطيع الرياض مجاراتها، وقد تنشغل بها، وتترك الجزء الجنوبي للسقوط تحت مظلات عديدة، ومعها يسقط الشمال للجهات التي تتخوف منها، وتخرج الرياض من هذه الحرب متحملة أعباء وخسائر فادحة لا تستطيع تعويضها.