صوّت البرلمان في كوريا الجنوبية اليوم الجمعة 9 ديسمبر/كانون الأول بأغلبية ساحقة لصالح مساءلة رئيسة البلاد “باك جون هاي” بتهمة الفساد الناجمة عن غض الطرف عن تدخل مقربين منها في شؤون الدولة رغم أنهم لا يتقلّدون وظائف رسمية.
وتدعي المعارضة أن الرئيسة ضالعة في وضع وتنفيذ خطة للضغط على الشركات الكبرى للتبرع بملايين الدولارات لتمويل مؤسسات مملوكة لإحدى صديقاتها، وقال متحدث باسم حزب المعارضة الرئيسي إن أحزاب المعارضة اتفقت على تقديم الاقتراح للبرلمان لمساءلة الرئيسة.
وصوت أعضاء البرلمان في اقتراع سري حيث أيد 234 عضوًا مساءلة الرئيسة بدعم من بعض أعضاء حزب ساينوري المحافظ الحاكم والذي تنتمي له رئيسة البلاد تمهيدًا لعزلها، مقابل 56 عضو عارض الاقتراح مع العلم أن الاقتراح كان بحاجة لـ200 صوت من أصوات أعضاء المجلس الذي يبلغ عددهم 300 لإقراره. وانطلقت هتافات الترحيب خارج البرلمان عند إعلان نتيجة التصويت، ورفع متظاهرون لافتات تقول “النصر للشعب” و”جمهورية كوريا الجديدة“.
وبناءًا على موافقة البرلمان لمساءلتها وتأييد عزلها، يجب أن تؤيد المحكمة الدستورية هذه الخطوة خلال 180 يومًا لتقديم حكمها في هذا الشأن، ما يعني أن الأزمة السياسية التي تعيشها البلاد لأسابيع يمكن أن تمتد إلى شهور.
أول رئيس ينحى عن منصبه في كوريا
تولى رئيس الوزراء هوانج كيو آن مهام عمل الرئيسة فور صدور قرار البرلمان بشكل مؤقت إلى أن يصدر حكم المحكمة، وذكر هوانج كيو بعد توليه لمنصب الرئاسة مؤقتًا “إن احتمال إقدام كوريا الشمالية على القيام بعمل استفزازي احتمال قوي” بعد أن أيد البرلمان مساءلة الرئيسة باك تمهيدًا لعزلها.
وفي اجتماع لمجلس الوزراء قالت باك “أقبل صوت البرلمان والشعب وآمل من كل قلبي أن يتم حل هذه البلبلة على نحو سليم“ وأضافت “سأرد بهدوء بموجب الإجراءات التي كفلها الدستور والقانون على مراجعة المحكمة الدستورية للمساءلة والتحقيق الذي يجريه المدعي الخاص”، إذ سبق أن ادعت خلال الأسبوع أنها ستنتظر حكم المحكمة الدستورية رافضة مطالب لها بالتنحي على الفور.
وكانت الرئيسة عينت “كيم بيونج جون” -وزير سابق- في منصب رئاسة الوزراء، لكن الخطوة التي تتطلب موافقة البرلمان قوبلت بغضب من المعارضة التي وصفتها بأنها محاولة لصرف الانتباه عن الأزمة.
مئات الآلاف شاركوا في مظاهرات تطالب الرئيسة بالتنحي
واستبقت باك أيضًا تصويت البرلمان على اقتراح المعارضة وقالت في تصريحات لها أثناء اجتماعها مع رئيس البرلمان إنها مستعدة للتخلي عن بعض السلطات، وسحب مرشحها لمنصب رئيس الوزراء إذا أوصى البرلمان بمرشح آخر، كما أبدت استعدادها السماح لرئيس الوزراء الجديد بالسيطرة على الحكومة وأشارت إلى استعدادها للتخلي عن بعض السيطرة على شؤون الدولة، وهو مطلب مهم من مطالب أحزاب المعارضة، وذلك في مسعى منها لنزع فتيل الأزمة. ويجدر التنويه أن معظم السلطات التنفيذية في كوريا الجنوبية تتركز في أيدي المكتب الرئاسي، إذ يعد منصب رئيس الوزراء شرفيًا عادة.
اتهمت باك التي تقضي فترة ولاية مدتها 5 سنوات تنتهي في شباط/فبراير 2018 بالتواطؤ مع صديقة ومساعد سابق للضغط على أصحاب شركات كبرى لدفع تبرعات لمؤسستين أقيمتا لدعم مبادراتها السياسية، إلا أن باك نفت كل التهم الموجهة إليها وارتكاب أي مخالفات لكنها اعتذرت عن عدم توخي الحرص في علاقتها مع صديقتها تشوي سون سيل.
أعضاء حزب الرئيسة يقدمون اعتذارًا للشعب في البرلمان
القصة بدأت عندما تم توجيه اتهام لصديقة مقربة للرئيسة “تشوي سون-سيل” وهي ابنة زعيم طائفة دينية في كوريا الجنوبية، بالتأثير على الرئيسة والاستفادة منها والتدخل في إدارة شؤون البلاد وممارسة النفوذ في مجالي الرياضة والثقافة.
فهناك مزاعم أن صديقة الرئيسة دفعت رجال أعمال للتبرع بملايين الدولارات لمؤسسات تسيطر عليها، وكان لها دور في اختيار مساعدين للرئيسة، وحتى أنها كانت تختار للرئيسة ملابسها. وقد اعتقلت الشرطة صديقة الرئيسة، يوم الخميس بداية شهر ديسمبر الجاري، ووجهت لها اتهامات بالغش واستغلال السلطة.
وقدمت الرئيسة في بداية الشهر الماضي اعتذارًا في التليفزيون الرسمي للشعب، وكادت تبكي أثناء كلمتها التي ألقتها، وأقرت بالمسؤولية عن الفضيحة التي تورطت فيها صديقتها المقربة، كما أقرت بأنها سمحت لصديقتها تشوي بصياغة خطاباتها.
لكن اعتذار الرئيسة ودموعها لم تشفع لها أمام الشعب إذ نُظمت مسيرات حاشدة في العاصمة سول كل يوم سبت على مدى الأسابيع الستة الماضية للضغط عليها من أجل التنحي، أظهرت استطلاعات الرأي دعمًا شعبيًا كبيرًا لمساءلته، فبحسب المسح الذي أجرته مؤسسة جالوب كوريا أن 81% يؤيدون مساءلة باك، كما أظهر استطلاع للرأي نشر يوم الجمعة أن معدل تأييد الشعب لها عند 5% بعدما تراجع في وقت سابق لأدنى مستوى على الإطلاق عند 4%.
باك كادت تبكي في خطابها للشعب اعترفت فيه بخطأها
وسوف تقرر المحكمة الدستورية ما إذا كانت باك اتبعت الإجراءات السليمة وما إذا كانت هناك أسباب كافية للمساءلة، وسيتم الاستماع إلى دفوع الطرفين في جلسات علنية، وفي حال تركت المنصب في وقت مبكر ستفقد باك حصانتها الرئاسية وقد تحاكم بتهم منها إساءة استغلال السلطة والرشوة.
ويُنظر إلى المحكمة الدستورية المؤلفة من تسعة قضاة على أنها محافظة في تشكيلتها لكن بعضا من قضاتها السابقين قالوا إن القضية ضد باك قوية ومن المرجح قبولها، ففي العام 2004 أيد البرلمان مساءلة الرئيس “روه مون هيون” حيث عُلقت سلطاته لمدة 63 يومًا أثناء مراجعة المحكمة، ما دفعه إلى الانتحار عام 2009 بعد الاشتباه في تورطه في استغلال نفوذه ومنصبه.