ما الذي تقرأهه كل يوم على صفحة الأخبار التي تظهر يوميًا على حساباتك الخاصة على مواقع الإنترنت وموقع التواصل الاجتماعي المختلفة؟، ربما إجابة هذا السؤال ستدفعك إلى تساؤل آخر، ألا وهو ما المهمة التي يهدف إليها زر “إعجاب” الموجود في أغلب الصفحات التي نقوم بتصفحها يوميًا تقريبًا؟
كلنا نرى تلك العبارات كثيرًا، مثل “مواضيع ذات صلة”، “هل أنت مهتم بتلك الصفحات”، “يوتيوب يوصيك بمشاهدة هذه الفيديوهات”،”يرى فيس بوك أنك ستهتم بهذه الصفحات”، حيث تهدف العبارات السابقة وغيرها إلى توجيهك إلى كل ما تهتم به، وتتفق في الرأي معه، لتسمع المزيد منه أو عنه، سواء كان رأي لكاتب معين، أو مقال منشور على جريدة تؤيدها في أجندتها، أو كل ما له صلة باهتماماتك، التي تدفعك بعض المواقع إلي تحديدها في شكل قائمة قبل أن يبدأ المستخدم في تصفح الموقع من الأساس، على الرغم من كونه شيء إيجابي أن يتصفح الإنسان ما يعجبه أو يؤيده، ولكن ماذا لو حدث هذا يوميًا؟، أو ماذا لو كان هذا ما يراه المتصفح فقط؟
لا تعني الانعزالية أن يظل المرء وحيدًا طوال الوقت، ربما تعني أن يخلق لنفسه فقاعة هو ومن حوله، من يؤيدونه في التفكير والسلوك وأحيانًا الشكل والطباع كذلك، فربما يفعل بعضنا ذلك في حياتنا اليومية بدون وعي منا، فمن منا يسمع لكل ما يخالفه في الرأي يوميًا؟ من يحب أن يتابع الرأي المضاد لما يدافع عنه، هل تسمع للرأي الآخر وقت الانتخابات على سبيل المثال؟ ربما كان هذا سبب صدمة الصحافة الكبرى وقت إعلان فوز دونالد ترامب الرئيس المقبل للولايات المتحدة الأمريكية!
نحن والصحافة نعيش في فقاعات منفصلة، وهذا ما يعيدنا مرة تلو الأخرى إلى أنفسنا وكل ما نؤيده أو نهتم به، وهو ما يمنعنا أيضًا من رؤية الصورة كاملة، حيث قام موقع “فايس” بتغطية ظاهرة الفقاعات المنفصلة” التي أدت في النهاية إلى فشل الإعلام و نجاح ترامب في الانتخابات الأخيرة للرئاسة الأمريكية.
كان اجتياح دونالد ترامب للانتخابات وفوزه على غريمته كلينتون بفارق كبير في أصوات المجمع الانتخابي، صدمة كبيرة على العديد من الأوساط وخاصة أوساط الصحفيين، حيث أن كل استطلاعات الرأي التي قاموا بها أظهرت تقدم كلينتون على ترامب بفارق كبير في الولايات الأهم.
ولكن ربما هناك سبب آخر لم يجعلهم يتوقعون حدوث ذلك؛ألا وهو أنهم يمضون وقتًا طويلًا على تويتر، مشكلين فقاعة من المعلومات مبنية بشكل أساسي على إحصاءات الانترنت وتفاعل المستخدمين عليه. ما لم يعلموه هو ان تلك الفقاعة لم تقترب حتى من أنصار ترامب، وأنهم كل تلك الفترة لم يكونوا يعلمون عنهم أي شيء تقريبًا. السبب الذي سلط معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا الضوء عليه في دراسة أخيرة.
على اليمين المساحة التي يحتلها مؤيدو ترامب على تويتر، أما مؤيدو كلينتون فيحتلون يسار المخطط، وتظهر مساحات صغيرة جدًا في المنتصف تمثل المساحة التي يتلاقى فيها الطرفين
توصل محللو المعهد الذين استخدموا مجموعات ضخمة من بيانات شركات التواصل الاجتماعي، إلى أن أنصار ترامب على تويتر شكلوا مجموعات معزولة عند حديثهم عن السياسة، وخاصة خلال فترة الانتخابات، كما أن أنصار ترامب كان لهم تواصل ضئيل للغاية أو شبه منقطع مع الرأي العام أو وسائل الاعلام الرئيسية، وبالتالي لم يتقاطعوا مع دوائر الصحفيين والاعلاميين، ولم يظهروا إلى السطح مثل داعمي كلينتون، الذين كانوا جزءًا من هوى عالمي معادٍ لترامب، وبالتالي تقاطعوا مع دوائر الصحافة والاعلام.
تلك البيانات لم تعط سببًا واضحًا عن سبب اصابة تويتر بهذا الكم من الاستقطاب في انتخابات 2016، ولكنها أعطت نظرة واضحة عن الطريقة التي قاموا بها بذلك. فاما أن الصحفيين كانوا أكثر تحيزًا للشبكات الداعمة لكلينتون ليروجوا لصورة ما يريدونها، الأمر الذي يفضح بالضرورة عن تحيزات سياسية لوسائل الاعلام الرئيسية، أو أن أنصار ترامب استطاعوا أن يفصلوا أنفسهم عن باقي مستخدمي الشبكة ليتجنبوا مجموعة من الحقائق المزعجة عن مرشحهم الذي يدعمونه.
“كل هذا يرسم صورة قاتمة للغاية عن الخطاب السياسي على الانترنت” يقول جون ويست، صحفي البيانات في مختبر معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا الاعلامي، وأحد أهم المشاركين في الدراسة.
فأصبح الأمر مقسمًا بناء على الايدولوجيا والمنفعة، مع فرص أقل لتدفق المعلومات من معسكر إلى الآخر، أي فرص أقل لانتقال المعلومات بين شرانق الانترنت الداعمة لترامب، وبين المؤسسات الاعلامية التي من المفترض أن تكون منيعة ضد التحيز السياسي.
يظهر مؤيدو ترامب على اليسار كمجموعة منعزلة في فقاعة خاصة بهم، لا يملكون حسابات أو اهتمامات مشتركة مع مؤيدي هيلاري أو غيرهم من أصحاب الرأي الآخر، على عكس مؤيدي كلينتون، تجدهم أقل انعزالية من الفريق الأول، وأكثر انفتاحًا على المجموعات الأخرى عن طريق المتابعات
ففي الولايات المتحدة الأمريكية، قام المغردون من أغسطس 2015 وحتى يوم الانتخابات، بكتابة أكثر من مليار تغريدة حول الانتخابات وفقًا لاحصاءات موقع تويتر. أعطى هذا الكم الهائل من التغريدات، مع حجم النقاش الذي حدث حول الأمر من المستخدمين ومن المرشحين أنفسهم، المحللين بالمعهد فرصة لينقبوا أكثر عن كيفية تعاطي الأمريكيين مع واحدة من السباقات الرئاسية الأكثر اثارة للجدل في التاريخ.
وقد كانت النتيجة مدهشة بالفعل، فقد أظهر تويتر أنه كان مصدرًا موضوعيًا يمكن الاعتماد عليه كمؤشر للنتيجة لمعرفة نسبة داعمي كلينتون ونسبة داعمي ترامب، وكان الأمر يتوقف فقط على وجهة نظر المستخدم أو الباحث أي أن الناس كانوا يميلون إلى عزل أنفسهم عن المستخدمين الذين يدعمون المرشح الآخر.
وعلى الرغم من أن تويتر لا يمكن أن يعبر عن حقيقة توجهات المجتمع الأمريكي، إلا أن الموقع الذي يستخدمه أكثر من 67 مليون أمريكي يمكن أن يعطي مؤشرات عن ميول الرأي العام الأمريكي، وبالتالي كانت النسب التي نشرها الاعلام عن اكتساح كلينتون للاحصائيات لا تعبر الا عن رأي معسكر واحد من المعسكرين، وأن الاعلام استطاع عزل نفسه عن المعسكر الآخر، مسببًا تلك الصدمة والذهول يوم اعلان النتيجة