منذ بداية الأزمة السورية، وتحديدا قبل ما يقرب من ست سنوات من الآن، وروسيا تدعم بقوة بقاء الرئيس السوري بشار الأسد في موقعه، بكافة السبل سواء السياسية أو الاستراتيجية أو حتى العسكرية، والتي طورتها خلال العامين الماضيين بشكل معلن، بالتدخل أولا لدعم النظام السوري بالأسلحة الأرضية والجوية، وثانيا بالدعم الاستشاري بخبراء عسكريين تابعين للجيش الروسي، وصولا للدعم العددي بقوات روسية وإيرانية وميليشيا منوعة، بينها حزب الله اللبناني، ومرتزقة من عدة دول أخرى.
” الأسد اتفق مع موسكو على تواجد روسي “مفتوح الأمد” في سوريا”
معاهدة الصداقة
المستهدف من التواجد الروسي بسوريا ليس بشار بذاته، أو حتى دعم الفئة العلوية – كما تعلن- في مقابل هجمة الجهاديين السنة الممولين من عدة دول إقليمية سنية، لكن المستهدف هو ضمان تواجدها العسكري في ميدان الصراعات الإقليمية؛ من أجل إعادة التوازن في صراعها مع الولايات المتحدة وحلف الناتو، خصوصا وأن معاهدة الصداقة التي وقعتها سوريا مع الاتحاد السوفيتي السابق عام 1980 مازالت سارية المفعول مع روسيا، باعتبارها وريثة الاتحاد السوفيتي المفكك، وفي إطار تلك المعاهدة يسمح للأسطول الروسي بالقدوم الدائم نحو شواطئ البحر الأبيض المتوسط السورية، عبر ميناء طرطوس، حيث أقيمت قاعدة لصيانة السفن والبوارج الروسية عند الحاجة.
“الأطلسي يحاصر روسيا منذ الحرب الباردة”
حصار أطلسي
التوجه الروسي بمنطقة الشرق الأوسط، يراه عدد من المحللين بمثابة محاولة لإصلاح ما سبق وتجاهله الاتحاد السوفيتي، منذ نهاية العشرينيات من القرن التاسع عشر، وحتى سقوطه في التسعينيات من القرن الماضي, حينما لم يلتفت لخطورة محاصرته بطوق من الدول بعضها أطلسية، وأخرى متحالفة معه، يمتد من ألمانيا وفرنسا غرباَ، إلى حدود الصين شرقاَ، وصولاَ إلى الشرق الأوسط ومنطقة الخليج, ثم دول شمال إفريقيا على البحر الأبيض المتوسط، ثم البحر الأحمر.
هذا الحصار البحري لحلف الأطلسي تمكن من خلاله على مدى سنوات عدة، من فرض عزلة بحرية دولية على الاتحاد السوفيتي لتقليص أو إضعاف دوره في الساحة الدولية، وتأثيره السياسي والدبلوماسي والعسكري والاقتصادي والتجاري ، حتى انهياره.
” ميناء طرطوس”
عودة روسية
وفي الألفية الجديدة، ومع رغبة القيصر الجديد فلاديمير بوتين في استعادة دور الاتحاد المنهار، من منطلق أن روسيا هي الوريث الشرعي للاتحاد، يؤكد بوتين دائما – منذ عودته للرئاسة بعد أربع سنوات قضاها في منصب رئيس الوزراء، وخلال 13 عاما قضاها في السلطة – على أهمية وجود جيش قوي خفيف الحركة ، لذلك شكلت قاعدة طرطوس السورية كل هذه الأهمية للدب الروسي، لإثبات وجوده بالمنطقة في مواجهة الولايات المتحدة وحلف الناتو من جهة، ومواجهة خطر استفحال الجماعات الجهادية بالشرق الأوسط من جهة ثانية، خوفا من تجربة شيشانية جديدة يتم تصديرها للحدود الروسية .
وتأتي أهمية قاعدة طرطوس السورية والتي كانت تستخدمها روسيا كمركز تخديم تقني، لسفنها بالمنطقة، لكن أهميتها الإستراتيجية تنبع من كونها تشكل تواجد دائم للأسطول الروسي في البحر الأبيض المتوسط , وما لهذا التواجد من تأثير وخلق حالة توازن في أهم منطقة حيوية في العالم، حيث تجوب في البحر الأبيض المتوسط قطع حربية من أسطول البحر الأسود الروسي, وللقاعدة موقع استراتيجي في المنطقة لقربها من مضيق البوسفور ومن ثم جبل طارق، وهذا الموقع يمكن روسيا من وصول قطعها البحرية إلى المحيط الأطلسي، في ظل المتغيرات الجيوسياسية الحاصلة في مناطق عديدة من العالم.
” الأسطول الأمريكي الخامس قاعدة عسكرية متطورة عائمة على مياه المتوسط “
تحركات أمريكية
في المقابل أدركت الولايات المتحدة المخطط الروسي، وحاولت مرارا التعامل معه عبر تأزيم موقف منطقة البلقان، والبحر الأسود، وأوكرانيا، والطوق الإسلامي للحدود الروسية، قبل أن تبدأ في مساعيها لتدعيم موقفها بمنطقة الشرق الأوسط؛ لمواجهة القاعدة الروسية بطرطوس، وعلى الرغم من تواجدها المكثف بالمنطقة من خلال الأسطول الأمريكي الخامس، الذي يتخذ من المياه الإقليمية المقابلة للبحرين قاعدة له، ويعتبر أكثر الأساطيل الأمريكية الإستراتيجية أهمية في منطقة الخليج العربي، ويضم حاملة طائرات أمريكية، وعددا من الغواصات الهجومية والمدمرات البحرية، وأكثر من سبعين مقاتلة، إضافة لقاذفات القنابل والمقاتلات التكتيكية وطائرات التزود بالوقود، ويختص بتأمين إمدادات النفط من الخليج إلى الأسواق العالمية، ومراقبة إيران عن قرب، والإشراف على عمليات في الخليج العربي، وبحر عمان والبحر الأحمر، وأجزاء من المحيط الهندي، ثم الأسطول السادس، في منطقة البحر الأبيض المتوسط, وتتوزع قواعده على عدة مناطق بدول الحوض المتوسطي، خاصة إيطاليا وإسبانيا، ويتكون من حوالي 40 قطعة بحرية تشرف عليها قوة بشرية قوامها نحو 21 ألف عسكري، ويشمل حاملة طائرات أو حاملتين – حسب التطورات السياسية أو العسكرية في المنطقة-، وثلاث غواصات نووية، إضافة إلى نحو 170 طائرة، وعدد من الطرادات والمدمرات والفرقاطات الحاملة للصورايخ الموجهة، التي يبلغ عددها حوالي عشرين فرقاطة، بالإضافة لتواجد سفينة أمريكية تتواجد في البحر المتوسط، وهي جزء من منظومة الدرع الصاروخي الموجه لروسيا والصين، على الرغم من كل هذا العتاد العسكري الأمريكي بالمنطقة، أيقنت الولايات المتحدة مؤخرا، وبعد إعلان روسيا في أكتوبر الماضي عن توقيعها اتفاق مع النظام السوري لتمديد وتطوير عمل قاعدة طرطوس لمدة 59 عاما قادمة، أهمية السواحل الشرقية للبحر المتوسط، كنقطة مواجهة للقاعدة الروسية، ومدخل عملياتي قريب من المنطقة.
“الجيش الأمريكي في ميناء حيفا رداً على تمركز الروس في سوريا”
قاعدة حيفا
التحرك الأمريكي كشفه موقع NRG الإسرائيلي، مشيرا إلى أنه وفقًا لبعض البنود الفرعية في قانون ميزانية الأمن الأمريكي، يتضح أن الجيش الأمريكي سيستخدم السواحل الخاصة بدولة الاحتلال الإسرائيلي بشكل أكبر تدريجيا في السنوات القريبة، ويستعد ماليًا من أجل ذلك أيضًا.
وأضاف الموقع الناطق بالعبرية، أن تلك البنود الفرعية تظهر تحت البند 1259J في قانون ميزانية الأمن الأمريكي لعام 2017، والذي عنوانه “المصادقة على الدعم الأمريكي لإسرائيل”، مضيفا، أنه ورد في القانون أن الحديث يدور عن دعم مالي لإسرائيل، دون أي إطار مالي، لقاء استضافة سفن الأسطول البحري الأمريكي في السواحل بدولة الاحتلال، وتظل صلاحية هذا البند سارية لمدة خمس سنوات، أي حتى عام 2021.
البيئة المائية!!
ويُشير البند 1259J أيضًا إلى أن الدعم المالي الأمريكي لإسرائيل، هو عبارة عن نشاط بحثي مُشترك حول “قدرات رصد الأوضاع المحيطة في البيئة المائية” [maritime domain awareness capabilities]، وبالطبع لا حاجة للتذكير في أية بيئة مائية موجودة سواحل مدينة حيفا ، فهي تبعد 200 كم فقط عن سواحل مدينة طرطوس السورية التي تتضمن قاعدة للأسطول البحري الروسي.
وجود سفن أمريكية بسواحل دولة الاحتلال ربما يكون أمرا غير مفاجئ، لكن تصنيف تكاليف ذلك ضمن قانون الميزانية دون تحديد ميزانية منظمة، يزيد من التساؤلات حول فحوى الرغبة الأمريكية تلك، وإمكانية حدوث مواجهة بين القوات الأمريكية بحيفا ونظيرتها الروسية بطرطوس.. ما يمهد لما يمكن وصفه بـ”حرب عالمية ثالثة”.