ترجمة وتحرير نون بوست
في كانون الثاني/ يناير من هذه السنة، أعلن محمد بن سلمان، ولي ولي العهد السعودي والمهندس الفعلي لسياسة المملكة السعودية، أنه سيضع حدا “لفترة السبات” التي تمر بها السياسة الخارجية لبلاده، بالإضافة إلى التصدي للنفوذ الإيراني.
كانت المعارضة السورية التي يدعمها محمد بن سلمان تبدو أقوى من أن يستطيع النظام السوري وحلفاؤه دحرها. بينما تحدث بعض القادة العسكريين السعوديين عن اقترابهم من استعادة السيطرة على صنعاء من قبضة المتمردين الحوثيين الذين استولوا عليها منذ فترة طويلة. وبالإضافة إلى ذلك، فقد عملت السعودية على التصدي للتأثير الإيراني على عملية تحديد الرئيس اللبناني الجديد. وتحدث بعض المسؤولين عن دور السعودية، ومن وراءها أميرها الشاب في التخطيط لدفع إيران نحو الإفلاس من خلال إغراق سوق النفط بفائض الإنتاج المحلي للمملكة، خارج إطار الأوبك.
ولكن بعد مرور سنة واحدة، وجدت المملكة العربية السعودية نفسها في وضعية التقدم إلى الخلف على جميع الجبهات؛ إذ قامت بسحب سفيرها من العراق تفاديا للاتهامات التي وُجهت إليه من قبل السياسيين الشيعة الموالين لإيران. وتعرضت جماعات المعارضة السورية التي تمولها المملكة العربية السعودية إلى عمليات قصف عنيفة من قبل القوات الإيرانية والروسية والسورية؛ وبالتالي لم يبق أمام المعارضة في حلب إلا الانهيار.
في ظل تأزم الأوضاع في المنطقة، يحاول ولي ولي العهد السعودي تعزيز علاقاته مع الإمارات
في الحقيقة، لقد قدم السعوديون تنازلات عديدة، واضطروا إلى قبول الرئيس اللبناني الجديد الذي لا يخفي ميله لإيران. وخلال اجتماع أوبك، الذي انعقد في 30 تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، وافقت المملكة السعودية على تحمل النصيب الأكبر من عملية خفض الإنتاج في محاولة لاستعادة مستوى الأسعار، في حين تمكنت إيران من رفع إنتاجها إلى مستويات ما قبل العقوبات.
أما في اليمن، فيبدو أن الحوثيين؛ أعداء المملكة العربية السعودية، مصممون على عدم السماح لها بتحقيق أي انتصارٍ مشرّفٍ. ولهذا السبب شنّ الحوثيون غارات عديدة على المناطق الحدودية بين البلدين. كما أعلنوا الأسبوع الماضي عن إقامتهم لحكومة جديدة خاصة بهم، كبديل عن خيار المفاوضات التي تهدف للتوصل إلى حلّ وسط بين الأطراف المتناحرة.
وفي هذا الإطار، ذكر أحد المسؤولين الإيرانيين أن “اليمن ستكون بمثابة فيتنام المملكة العربية السعودية، فهي تستنزف الهيبة العسكرية والدبلوماسية للبلاد”. كما أشار إلى أنه ” إذا وافقت المملكة العربية السعودية على الخروج من بقية المناطق الإيرانية، فإن إيران ستسمح لها بالاحتفاظ بالبحرين، التي يربطها بها جسر صناعي، يسمى جسر الملك فهد“.
إن الوضع السيئ الذي تمر به المملكة العربية السعودية يمكن أن نفسره بالنجاحات التي حققها الدعم العسكري الإيراني للشيعة في العالم العربي، والذي يرتكز على عدة محاور من بينها قوات النظامية في سوريا، والقوات شبه العسكرية في العراق، والتنظيم السياسي الشيعي الذي يمثله حزب الله في لبنان. وفي هذا السياق، قال الجنرال، أحمد العسيري، مستشار ولي ولي العهد الذي يرأس وزارة دفاع السعودية، في إشارة إلى النفوذ الإيراني في المنطقة: “إنهم يطوقوننا بالميليشيات”.
يُعد وصول دونالد ترامب للبيت الأبيض دافعا آخر بالنسبة للمملكة العربية السعودية لضبط نفسها
وبالإضافة إلى ذلك، تواجه المملكة العربية السعودية مشكلة أخرى؛ فهي بصدد خسارة قواها الناعمة، بعد قطع تمويلاتها عن حلفائها السُنّة التقليديين، الذين صاروا يبحثون عن ممولين آخرين. كما أن سعد الحريري، الذي كان يترأس الكتلة السنية في لبنان، وافق على تقديم تنازلات مقابل حصوله على منصب رئيس الوزراء تحت رئاسة ميشال عون، المدعوم من طرف حزب الله. ويبدو أن الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي يسعى أيضا إلى الانفتاح على كل من روسيا وسوريا وإيران، بعد توقف إمدادات النفط السعودية لمصر.
وفي ظل تأزم الأوضاع في المنطقة، يحاول ولي ولي العهد السعودي تعزيز علاقاته مع الإمارات. ولذلك أدى الملك سلمان في مطلع شهر كانون الأول/ ديسمبر زيارة إلى أربع دول خليجية. وتوصل خلال القمة التي انعقدت يوم 7 كانون الأول/ ديسمبر في العاصمة البحرينية، المنامة إلى ضرورة وضع خطط محكمة لتحويل مجلس التعاون الخليجي إلى إتحاد بطريقة تمهد لتعاون دفاعي إستراتيجي بيد الدول الأعضاء. ولكن مشروع الاتحاد الخليجي لم يحظى بموافقة كل الأطراف.
وتعليقا على ذلك، قال بيكا واسر، الباحث بمركز “راند”، وهو مؤسسة خاصة تابعة لوزارة الدفاع الأمريكية، إن إفشال هذه المبادرة كان بسبب “الخوف الشديد من الهيمنة السعودية”، ولذلك فضّلت عمان، عدم المجازفة بالدخول تحت سقف الاتحاد الخليجي.
تحدى اتفاق أوبك كل التوقعات، إذ أشار إلى أن إيران والمملكة العربية السعودية في حاجة إلى تحديد الأوليات الاقتصادية قبل الدخول في مواجهات إقليمية. ومن الواضح أن إيران فشلت في تغطية نفقاتها المحلية، وهو ما فشلت فيه المملكة السعودية أيضا. إن سعر برميل النفط الواحد بالنسبة إيران يجب ألا يكون أدنى من 55 دولارا من أجل تغطية التكلفة الجملية للإنتاج. وفي المقابل، أشار صندوق النقد الدولي في أحد تقاريره إلى أن المملكة السعودية تحتاج إلى الحفاظ على سعر برميل النفط الواحد في حدود 80 دولارا.
وكشف أحد خبراء الاقتصاد السابقين في البنك الدولي ببيروت أن “الدول المنتجة للنفط لا تستطيع الحفاظ على الحروب المباشرة أو الحروب بالوكالة التي شرعت فيها عندما كان سعر برميل النفط 120 دولارا. لأنهم يدركون جيدا ضرورة إحداث تغيير جذري”.
كانت المعارضة السورية التي يدعمها محمد بن سلمان تبدو أقوى من أن يستطيع النظام السوري وحلفاؤه دحرها. بينما تحدث بعض القادة العسكريين السعوديين عن اقترابهم من استعادة السيطرة على صنعاء من قبضة المتمردين الحوثيين الذين استولوا عليها منذ فترة طويلة
وفي نفس السياق، قال أحد المسؤولين الإيرانيين إن “جعل الحدود أكثر استقرارا وانفتاحا يمكن أن يساعد إيران على فتح أسواق جديدة لصادراتها من المواد الأخرى، مثل الإسمنت والسيارات”.
ومن جهة أخرى، يُعد وصول دونالد ترامب للبيت الأبيض دافعا آخر بالنسبة للمملكة العربية السعودية لضبط نفسها. ويقول عدنان طباطبائي، رئيس مركز “كاربو” الذي يهتم بدراسة العلاقات بين إيران والسعودية، إن “كلا البلدين يلعب ورقة الانتظار، فكلاهما خائف من تسرع ترامب في اتخاذ أي قرار. ولذلك سارع أحد الأمراء السعوديين إلى حثّ الرئيس الأمريكي على عدم إلغاء الاتفاق الدولي الذي يكبّل البرنامج النووي الإيراني”.
وتجدر الإشارة إلى أن التوتر الذي تتسم به العلاقة بين البلدين لن ينتهي قريبا. بل على العكس تماما، يمكن القول بأن الوضع قد يصبح أكثر تعقيدا. وفي كانون الثاني/ يناير الماضي، قطعت المملكة العربية السعودية علاقتها الدبلوماسية مع إيران، بسبب الهجوم الذي استهدف سفارتها في طهران. كما أن العلاقات الثنائية تدهورت إثر إعدام السعودية لرجل دين شيعي بارز وثلاث شخصيات شيعية أخرى. وفي الآونة الأخيرة، حكمت المملكة العربية السعودية على أكثر من 15 شيعيا بالإعدام، بتهمة التجسس لصالح إيران.
المصدر: صحيفة الإيكونوميست