ترجمة وتحرير نون بوست
على الرغم مما أدلى به دونالد ترامب في العديد من التصريحات حول ما يخطط للقيام به، خاصة فيما يتعلق بنزع سلاح المعارضة السورية، والعهود التي قطعها لفلاديمير بوتين وبشار الأسد، فإن الثورة سورية لم تمت.
وبغض النظر عن الاختلافات القائمة في الوقت الراهن بين فصائل المعارضة المسلحة، وعما تقوم به المعارضة خارج سوريا، وعن الأطراف التي ستدعمها الإدارة الأمريكية الجديدة؛ فإن الثورة السورية لم تمت. وبغض النظر أيضا عن عدد “أصدقاء سوريا” الذين يستمرون في الوشاية بالمعارضة السورية، فإن الثورة السورية لم تمت.
ورغم التصريحات النارية التي تؤكد أن الولايات المتحدة الأمريكية لا تملك خيارا آخر بخصوص الشأن السوري، سوى الخضوع لرغبات روسيا في سوريا، فإن الثورة السورية لم تمت. وبغض النظر عما إذا كان شرق حلب سيسقط في أيدي النظام أم سيصمد، فإن الثورة السورية لم تمت ولن تموت.
في ظل القصف المكثف على حلب في الأيام القليلة الماضية، الذي بدأ منذ 29 نوفمبر، تجمع ناشطو سوريا في مدينة إدلب، من أجل التعبير عن تضامنهم مع إخوانهم ولتذكير العالم، مرة أخرى، بأن موقفهم لن يتغير
كما أن الإعلان عن نهاية الثورة السورية واختزال مفهومها وكل التضحيات التي بذلها السوريون في سبيل وطنهم في أبعاد الصراع العسكري؛ يعيد إلى الأذهان السيناريوهات التي اختلقها الطغاة العرب الذين تعاملوا مع الربيع العربي، كأنه مسألة شخصية بهدف مواصلة استعباد شعوبهم.
اعتبر السوريون النزاع في سوريا ثورة منذ البداية
حدد السوريون مبادئ الثورة منذ اندلاع موجة الاحتجاجات الأولى المناهضة للنظام في درعا. وفي أيام الثورة الأولى، لم تكن الأسلحة والفصائل العسكرية، باستثناء الجيش الموالي لبشار الأسد، طرفا في التحركات التي قامت على الدفاع عن المطالب السلميّة التي كان المتظاهرون يطمحون للوصول إليها.
إن ترجمة كلمة “Revolution“، في تلك الآونة، إلى المصطلح الإنجليزي الذي يفيد معنى “الثورة” بكل ما للكلمة من معنى، يعتبر نقلة نوعية في الوعي الشعبي الذي أثّرت فيه عقود من إجراءات أمن الدولة المجحفة التي أرساها حافظ الأسد ودعمها بعده بشار.
وتجدر الإشارة إلى أن السوريين لم يطالبوا فقط “بإسقاط النظام” بل كانوا مستعدين أيضا للموت في سبيل الحرية بدل العيش في الذلّ والهوان. وعندما اشتعلت شرارة الثورة الأولى، وظف الناشطون من مختلف أنحاء البلاد منابر وسائل التواصل الاجتماعي في اختيار الموضوعات الأسبوعية التي ستتمحور حولها احتجاجاتهم كل يوم جمعة.
وكان من الواضح أن الشعارات المرفوعة في مطلع سنة 2011، تعبّر عن طموحات السوريين وأهدافهم خلال الثورة. وتتمثل تطلعات الشعب السوري في “الكرامة”، يومي 18 آذار/ مارس و25 آذار/ مارس؛ و”الثبات”، يوم 15 نيسان/ أبريل؛ و”الغضب”، يوم 29 أبريل؛ أما في 13 أيار/ مايو، فكانت شعاراتهم تتمحور حول تحرير المرأة.
للأسف، لم يعتبر معظم الباحثين والصحفيين المتابعين للشأن السوري هذه المطالب نقاط محورية، خاصة بعد أن أصبحت الخريطة العسكرية في سوريا أكثر تعقيدا وتداخلا. ومع ذلك، فإن بعض المحللين السياسيين اختاروا تجاهل هذه المطالب التي لم تترجم سوى من خلال مبادرات المجتمع المدني في جميع أنحاء سوريا في تلك الظروف المأساوية، لكن السوريين لم يستطيعوا محو هذه التفاصيل من ذاكرتهم.
ساهم التاريخ السوري بشكل كبير في مساعدة الثوريين في رسم ملامح الحرية التي يتوقون إليها
وفي وقت سابق من هذا العام، تعرضت المعارضة في مدينة داريا، التي تقع في ضواحي دمشق والمعروفة أيضا باسم محافظة ريف دمشق، إلى الإجلاء الإجباري من قبل النظام السوري.
وقبل عملية الإجلاء، اكتسبت مدينة داريا شهرة واسعة في الأوساط الثورية، ليس فقط بفضل مقاومتها الشديدة لحزب الله والنظام السوري، ولكن أيضا بفضل المكتبة الهائلة التي بنيت تحت الأرض من قبل سكانها المعروفين بكنية “المقاتلين الإسلاميين”.
وأثناء بداية عمليات إجلاء المدينة، جابت أرجاء المدينة حافلة إجلاء السكان التي كتب عليها بخط شعري باللغة العربية “إن محاولاتكم دون جدوى لأن الثوري لا يموت”. وقد كان هذا السطر بالنسبة للعديد من المراقبين، سواء من داخل سوريا أو خارجها، بمثابة تذكير من سكان داريا أن روح المقاومة ستستمر وستعيش في قلب الأوفياء لها حتى في أسوأ أيام الثورة.
وجدير بالذكر أن التاريخ السوري قد ساهم بشكل كبير في مساعدة الثوريين في رسم ملامح الحرية التي يتوقون إليها. وخير مثال على ذلك، نذكر الانتفاضة التي قادها سكان حماة سنة 1982، والتي أسفرت عن مقتل عشرات الآلاف من المدنيين عقابا لهم على جرأتهم، على يد قوات حافظ الأسد. وكذلك خلال انتفاضة 1982، يعتبر التمرد الذي قاده الثوريون ضد الاستعمار الفرنسي في البلاد منذ سنة 1919، مصدر إلهام للمعارضين الثوريين.
الثورة ما زالت قائمة رغم تنامي عدد أعدائها
امتدت الثورة السورية وتطورت مطالبها مع مرور الوقت، إذ لم يكن السوريون يطالبون فقط بالدفاع عن الثورة ضد بطش الأسد واعتداءاته، لكن كانوا يطالبون أيضا بحمايتها من قوات حزب الله اللبناني والميليشيات “قوات القدس” الإيرانية، والقوات الروسية الجوية، وحزب الاتحاد الديمقراطي، وجماعات أخرى مثل تنظيم الدولة وجبهة الشام (المعروفة سابقا باسم جبهة النصرة التابعة لتنظيم القاعدة).
توجه الثوار بتاريخ الثامن من تشرين الثاني/ نوفمبر سنة 2013، إلى إيران بشعار “لا للاحتلال الإيراني لسوريا”. كما ندد الثوار في 28 من شباط/ فبراير سنة 2014، ومرة أخرى في الثامن من آب/ أغسطس في نفس السنة، بالهجمات التي شنها حزب الله ضد الثورة السورية.
أما في 21 من تشرين الثاني/ نوفمبر سنة 2014، فقد رفعت المعارضة السورية شعار “تنظيم الدولة يسعى إلى تشويه صورة الإسلام”. وفي الخامس من حزيران/ يونيو سنة 2015، رفعت شعار “تنظيم الدولة يخون حلب”، أما في التاسع من تشرين الأول/ أكتوبر، فقد رفعت المعارضة شعار “التدخل الروسي لن يوقف الثورة الشعبية”.
في الواقع، إن صمود الاحتجاجات السلمية واستمرار مواجهاتها ضد مختلف الجهات المعادية لها والمناهضة للثورة يعكس التغيير الاجتماعي الجذري الذي طرأ على الشعب السوري.
وفي ظل القصف المكثف على حلب في الأيام القليلة الماضية، الذي بدأ منذ 29 تشرين الثاني/ نوفمبر، تجمع ناشطون سوريون في مدينة إدلب، من أجل التعبير عن تضامنهم مع إخوانهم ولتذكير العالم، مرة أخرى، بأن موقفهم لن يتغير وأن مطالبهم من أجل الحرية والسلام ما زالت شرعية وقائمة الذات.
من لديه الحق ليضع حدّا للثورة؟
هل يمكن لأي شخص أن يقول إن الثورة السورية ثورة مثالية بكل ما للكلمة من معنى؟ قطعا لا، لأن عيوب هذه الثورة منطقية باعتبارها صادرة عن بشر غير معصومين من الخطأ، وهي تعتبر ردة فعل طبيعية على الظروف التي لا تستطيع المعارضة السيطرة عليها. لكن هذه النقائص لا تعطي لمتابعي الشأن السوري الحق في إصدار الأحكام الاعتباطية والإعلان عن موت الثورة السورية.
حدد السوريون مبادئ الثورة منذ اندلاع موجة الاحتجاجات الأولى المناهضة للنظام في درعا
وفي الأسوأ الأحوال، حتى لو أدت معركة حلب، كما يتوقع الكثيرون، في نهاية المطاف إلى سقوط محافظة إدلب بين يدي النظام والقوات الروسية، فإن ذلك لا يعني أن الثورة ستبوء بالفشل أو تنتهي. وأيضا، لا يمكن للمرء أن يتوقع أن الحرية والاستقلال، اللتان يتوق إليهما المواطنون السوريون القاطنون بتلك المناطق، ستضمحل وتختفي، لأن التغيير الاجتماعي الذي كان في شكل المجالس المحلية ومنظمات المجتمع المدني والتعبئة الشعبية، لن يُمحى بمجرد تدخلات عسكرية.
وعموما، فإن الثورة السورية قد غيرت شيئا ما في أرواح السوريين الذين دفعوا ثمنا باهظا لأجل الثورة وعزموا على تحقيق أهدافهم حتى لو كلفهم ذلك أرواحهم. ولا يمكن إنكار أن البعض تلاعب بقضية السوريين طيلة ست سنوات، ولعل اللحظة الحاسمة قد أزفت أخيرا لأولئك المحللين ليعلنوا عن تقديرهم واحترامهم للشعب السوري، ولإعادة الاعتبار مرة أخرى إلى القضية السورية وترك مصيرها لأصحابها الشرعيين.
المصدر: الجزيرة الإنجليزية