وتبدو الأطراف السياسية في اليمن بحاجة ماسة للاعتراف بالمطالب الوطنية واحترامها؛ قبل البحث في طرق تنفيذها والبدء الفعلي بذلك؛ خلصت الأطراف السياسية أن الدولة اليمنية ستذهب نحو شكل للدولة جديد بعد نقاشات وحوارات منذ 18مارس/آذار 2013م؛ هذا الشكل يتمثل بنظام للدولة فيدرالي يقوم على أساس الأقاليم؛ لم تحدد عددها ويبدو خيار أكثر من إقليمين هو الخيار المطروح من الأكثرية السياسية.
ومن الواضح أن الخيارات البديلة تبدو مستعصية فخيار الدولة المركزية مرفوض؛ فالنظام السابق لليمن قد أعطى صورة ابتزازية انتهازية كارثية عن هذا النموذج من شكل الدولة ويتضح أن الشارع لا يرغب بالفعل في مثل هذا النظام الذي يحول الدولة إلى ملكية عائلية تمارس الدكتاتورية الجمهورية في أبهى صورها وتوغل في دماء اليمنيين وما إن يخرج من أزمة حتى يدخل البلد في أزمة أخرى؛ فمنذ 22 مايو/آيار 1990 والبلد تمر بأزمات كبرى متلاحقة لم تشهد الدولة فيها أي استقرار؛ فبعد التوقيع حدث جدل المرحلة الانتقالية بين (90-1993م)؛ ثم حرب صيف 1994م وثلاث سنوات كانت لمحاولة معالجة أثار الحرب وفي الحقيقة كانت هذه المحاولات إيغال في تكريس العقل السلطوي التشطيري الذي سبب الأزمات لليمن حتى اليوم؛ فيما اندلعت سياسة إنفراد الحزب الواحد بعد انتخابات ابريل/نيسان 1997م؛ وتلى ذلك بداية مشروع التوريث عام 2001م؛ وبعدها الحروب الست في صعدة على جماعة الحوثي المتمردة؛ وظهر احتقان الأزمات السياسية في انتخابات الرئاسة 2006 ؛ وعادت الحروب من جديد والانقلاب على الاتفاقات السياسية منذ 2007 وحتى 2010م. ونتيجة سياسة الأزمات اندلعت الثورة الشعبية وأسقطت ذلك النظام الاستبدادي الذي يحاول اليوم وقف عجلة التغيير والضرب على أوتار حساسة كالوحدة الوطنية من أجل عودة نظامه الشمولي القروسطي.
وفي الواقع ليست الدول الفدرالية هي لدول قررت أن تتوحد فهناك العديد من الدول التي فشلت في إدارة شؤونها في الدولة المركزية ولجأت إلى خيار النظام الفيدرالي؛ لوقف سياسة الأزمات المتلاحقة لتلك الدول(ماليزيا-البرازيل- بلجيكا-سويسرا- أسبانيا)؛ ومن الخاطئ أيضاً القول أنها لا تكون إلا لدولة مترامية الأطراف وكبيرة المساحة فدولة سويسرا مساحتها 41كم2 وسكانها 8 ملايين نسمة مقسمة إلى 26 كنتون واستطاعت إدارة شؤونها بعد أن كانت عبارة عن مجموعات متناحرة؛ والفيدرالية ليست فقط للعرقيات والقوميات والطوائف والأديان بل هي حل إداري دستوري قانوني للأزمات الكبرى التي تعصف بالبلدان الراغبة بالاستقرار.
لا بد من الإشارة إلى أن 40% من سكان العالم يعيشون في دول فيدرالية (أي ما يزيد عن 30 دولة..)، وهذا العدد يتزايد يوما عن يوم مع تحول دول جديدة إلى النظام الفيدرالي.
أقل الحلول سوءاً
في اليمن الأزمات-آنفة الذكر- أفشلت الدولة المركزية وأصبحت دعوات الانفصال ترتفع والمناداة بالقضايا المناطقية ( قضية تهامة-قضية صعدة-قضية مأرب –الجوف ……) مألوفاً في الدولة التي خرجت من تركة بالغة القسوة من النظام السابق؛ لذلك فالدولة الفيدرالية تبدو أكثر الخيارات إرضاءً للشعب؛ وهي معيار الحل الرئيس لكل تلك الأزمات المتوارثة افتعلها نظامين في الشمال والجنوب.
فشكل الدولة الفيدرالي يمثل أقل الحلول سوءا، أفضل البدائل الموجودة، فهي الخيار الثاني للجميع بالنسبة للدول التي تعاني الأزمات؛ ونقطة تتوسط كل الآراء؛ وتحافظ على البلد موحداً؛ ومخاطر التشطير أقل بكثير مقابل استمرار شكل الدولة البسيطة.
واليمن ليست غريبة عن النظام الفيدرالي بل هو نظام قديم لليمن يعود أساسه إلى عهد الخلافة الراشدة فقد قسمت اليمن ثلاثة أقاليم- أطلق عليها في السابق مخاليف- وهن (مخلاف الجند ومخلاف صنعاء ومخلاف حضرموت) وعين لكل مخلاف والي خاص؛ وعينت الحكومة المركزية لتكون في صنعاء وعين عليها والي خاص؛ وكانت لديها حدود رغم أنها ليست بذلك القدر المهم-كما هو اليوم- وأعطت الحكومة المركزية الصلاحيات للأقاليم في الأمور المالية والقضاء وتسيير أمور الإقليم بمعنى تشكيل حكومي لكل مخلاف يقوم به الوالي.
وبعد الوحدة اليمنية عام 1990م ظهرت فكرة البدء في الأقاليم مع أزمة الانتخابات البرلمانية ابريل/نيسان م1993 وهو ما تطرقت له وثيقة العهد والاتفاق التي وقعتها الأطراف المتصارعة في الأردن قبيل اندلاع حرب صيف 94م. وذكرت في 2009م في رؤية الإنقاذ الوطني التي دعت إليها أحزاب اللقاء المشترك؛ بعد أن وضعت ثلاثة حلول من بينها الفيدرالية واحتوت الوثيقة على أن بقاء النظام المركزي يؤثر على الدولة وسيجرها إلى مربع التشطير؛ نتيجة الأزمات المتلاحقة التي أضرت بالوفاق الوطني.
الحكم المركزي
لن نتطرق للرؤية كيف نشأة الفيدرالية ولماذا نشأت مايهمنا هل هذا النظام مناسب لليمن كنظام حكم وما مميزاته وهل يؤسس لمفهوم التشطير؟!!
اليمن عانت كثيراً من النظام المركزي -كما أسلفنا- وتحولت الأزمات في مناطق معينة لعرقلة التنمية في بقية مناطق الجمهورية لأن سلطة المركز كانت مشغولة بالصراع السياسي والصراع على السلطة وبدأت مشاريع التوريث فتحول المجتمع في خدمة الدولة وتمويل حروبها؛ في ظل توقف التنمية وتراجع الإقتصاد الوطني؛ فأصبح تغيير النظام الإداري للدولة ضرورة ملحة؛ ولعل النظام الفيدرالي هو الأنسب للدولة التي تعاني من الأزمات المتلاحقة لسببين:
الأول: إن حصلت الأزمة في إقليم معين بين مكوناته لا تتأثر بقية الدولة في مجال التنمية الإقتصادية ويتم التعامل مع الأزمة بشكل منفرد ويمنع توسعها.
الثاني: تجعل من الفرقاء السياسيين المتصارعين في الستر والعلن إمكانية الوصول للسلطة في الأقاليم بعد أن كان محصوراً على حكومة واحدة في المركز؛ وبذلك تخف حدة الصراع وتنتج ديمقراطية تشاركيه.
فالنظام الفيدرالي تعايش الوحدة في التنوع على أرض واحدة جنبا إلى جنب، ودون أزمات كبرى، أي يهدف إلى تحقيق وحدة البلاد على أساس الخيارات الحرة للمواطنين!!.
ويطرح سؤال آخر ما الفارق بين الدولة البسيطة والمركبة(النظام الفيدرالي)؟
يُطلق على الدولة الفيدرالية إسم (الدولة المركبة) وأما الدولة أحادية الحكومة فيطلق عليها إسم (الدولة البسيطة) ولكن كل من الدولة البسيطة (الأحادية) والدولة المركبة (الفيدرالية) متعددة الحكومات عبارة عن دولة وطنية واحدة بأمة وطنية واحدة وشخصية دولية واحدة وجنسية واحدة لكن الإختلاف فقط هو في النظام الداخلي الذي يحكم هذه الوحدة الوطنية!.
أنظمة الفيدرالية
ويطرح سؤال في غاية الأهمية: أي نظام للفيدرالية هو الأنسب؟!!!
الفيدرالية نتاج تاريخي، وتتمثل في عدة تطبيقات متنوعة يتم تأسيسها من الأوضاع القائمة في البلدان التي تتبناها. وبالتالي لا يوجد نموذج جاهز محدد المعالم للنظام الفيدرالي، بل هناك نماذج تنسجم مع الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية السائدة في هذه البلدان، أي أنه يمكن لكل بلد أن يبدع نموذجه الخاص به من الفيدرالية.
فعلى سبيل المثال بلجيكا 1993م أبتكرت نظام خاص عندما تحولت من نظام الدولة البسيطة إلى الفيدرالية هو حكومة “الجماعة” اللغوية communauté، فبالإضافة إلى تقسيم بلجيكا إلى ثلاث حكومات إقليمية هي: الفلاندر في الشمال والوالون في الجنوب، وبروكسيل العاصمة، ومن أجل توفير خدمات (كالتربية والخدمات الاجتماعية والثقافة والصحة) إلى سكان المنطقتين وبروكسيل المزدوجة اللغة، عملت بلجيكا على ابتكار حكومات “الجماعة” فنشأت حكومة الجماعة الفرنكوفونية وحكومة الجماعة الفلامنكية وحكومة الجماعة الألمانية في منطقة الوالون الشرقية. وبالتالي تتكون بلجيكا من ست ولايات فيدرالية: ثلاث إقليمية وثلاث للجماعات اللغوية.
يأتي سؤال في اليمن لا يوجد لدينا لغات ولا إثنيات فالغرض من الفيدرالية هو التقسيم؟!!!.
الإجابة: ربما أن توحد التناسق الشعبي مدعاة توحد حتى مع وجود الأقاليم أكثر من كونه دعاوى تشطير؛ فنظام الأقاليم سيكون إداري وليس جهوي، إثني، لغوي، فستكون مهمة حكومات الأقاليم هي الإقتراب أكثر من الشعب والعمل على التنمية وزيادة الديمقراطية؛ ولم يحدث أن شعوب تعيش بذات الدين واللغة والتراث ويستطيع أي فصيل سياسي الإنفصال بجزء من الدولة.
الانفصال
قد يرد أحدهم بالقول وما الضامن من عدم قيام فصيل سياسي أو جماعة سياسية بالانفصال بعد أن تأخذ الحكم بطريقة ديمقراطية في الإقليم؟!!
الإجابة: هنا يأتي دور الدستور الفيدرالي الذي يحدد بصورة أكثر وضوحاً وصرامة لثنيّ كل المخاوف؛ فالدستور الفيدرالي هو الذي يحدد كيفية الانفصال وتقرير والمصير لأي عرقية أو قومية في الدساتير الفيدرالية؛ وفي العادة يحتوي الدستور الفيدرالي على شروط يستحيل تنفيذها للانفصال؛ فبعض الدساتير تحدد الاستفتاء العام المباشر لكل الشعب حول إقليم معين ويحدث تقرير المصير بعد أربع سنوات من تقديمه ويجب أن تكون نسبه الموافقة على الحق بتقرير المصير أكثر من 90% من مجموع شعب الدولة لا الإقليم بحد ذاته.
الدستور مهم لأنه الضمانة الوحيدة لشكل النظام الفيدرالي ،و هو بالنسبة للأقاليم المؤتلفة في الكيان الفدرالي بنفس أهمية الدستور بالنسبة لمواطني الدولة الموحدة. لا يمكن تغيير الدستور الفيدرالي عادة بالضد من رغبة سكان أحد الأقاليم المشاركة في الدولة الفيدرالية. ويجري تغيير الدستور عادة من قبل البرلمان الاتحادي بالأكثرية المطلقة. ويجب أن تترشح موافقة الأقاليم من خلال رغبات الأكثرية من السكان (الاستفتاء في كل من سويسرا و أستراليا ) أو من خلال التصويت في البرلمان الاتحادي ( الولايات المتحدة ، المكسيك و فنزويلا )
وقد يسأل يمكن أن تأسس جماعات مسلحة في الإقليم للقيام بعملية سيطرة على حكومة الإقليم وإعلان الانفصال؟!!!
الإجابة: الأقاليم مجتمع صغير عدد من الملايين وأعضاء الحكومة هم من نفس الإقليم وفي حال حدث هذا الموضوع سيجد مقاومة شعبيه أولاً؛ ثم مقاومة من الدولة المركزية التي تملك جيش الدولة الذي يوقف أي محاولة تمرد؛ وهنا يأتي أهمية توازي قوة الجيش وهيكلته مع المرحلة الانتقالية القادمة ليستوعب المهام الجديدة.
الأمر الأكثر أهمية أن قوات الأقاليم هي عبارة عن الشرطة فقط ومعداتها بين الخفيفة والمتوسطة؛ ومع قيام الدولة الفيدرالية يجب سحب كل الأسلحة الثقيلة والمتوسطة من الجماعات المسلحة التي تسيطر على مناطق داخل الدولة. فالمركز هو المسئول عن الوزارات المتعلقة بالسيادة والدفاع عنها ويحددها الدستور الفيدرالي؛ وتوجد محكمة فيدرالية لحل النزاعات بين الأقاليم وبين المركز والأقاليم من ناحية أخرى.
هل للأقاليم علاقة بالسيادة؟!!
الإجابة: قطعاً لا ،، فالأقاليم عبارة عن تقسيم إداري دستوري قانوني داخل الدولة؛ والسيادة يحددها الدستور الفيدرالي وهي مسؤولية المركز؛ ولا يحق لأي من الأقاليم إقامة علاقة خارجية مع أي دولة ما لم تمر تلك العلاقة عبر المركز وبعلمه؛ وتسجل الدولة بمسمى واحد في الأمم المتحدة والمنظمات الدولية و المحافل الدولية وعلم واحد وعمله واحدة.
مميزات الفيدرالية
اسبق الباحث ورد على عيوب ملقاة على تحول اليمن من الدولة البسيطة إلى المركبة؛ وبقي أن نطرح تساؤلاً مهماً؛ ما مميزات الفيدرالية في هذه الحالة؟!!.
تنبع مميزات الفيدرالية من تأسيس مؤسسات الدولة ومع بطئ الانتقال من البسيطة إلى المركبة وضرورة تواجد أموال ضخمة لبناء مؤسسات الدولة في الأقاليم الجديدة؛ يجب تأسيس دولة قوية لتحقيق هذه المميزات:
1. كونها تشكل إطارا مناسباً لنظام سياسي ديمقراطي لما توفره من مستوى إقليمي للحكم يأتي بعد المستوى الاتحادي.
2. النظام الفدرالي يسمح لكل النشطاء السياسيين على المستوى المحلي والإقليمي، من تحقيق مصالحهم، وحاجاتهم المختلفة، من خلال الدستور.
3. تحقيق السلام الشامل فلا شك إن الفدرالية تلعب دوراً هاماً في استدامة السلام الشامل إذ أثبتت الدراسات السياسية إن الوحدات الاتحادية أقل نزعة لشن الحروب على الحكومات المركزية ، فما يطرأ من مظالم على الصعيد المحلي يُلقى تبعاته على المسؤولين المحليين وليس على الحكومة المركزية مما يستدعي التعامل معها على مستوى المحليات. وقديماً أكد الكاتب البريطاني جون ستيوارت ميل ضرورة توفر ثلاثة شروط للفدرالية: (1) توفر قدر كافٍ من التعاطف المتبادل فيما يتعلق بالعرق واللغة والدين وعلى رأس ذلك المؤسسات السياسية كعوامل داعمة لشعور الأفراد بوحدة المصالح السياسية ، (2) عدم تمتع أية وحدة إدارية أو جغرافية بقوة زائدة تحملها للاستقلال الكامل عن الإتحاد أو للانفصال عنه ، (3) توفر قدر ما من المساواة بين الوحدات الجغرافية المختلفة لمنع تسلط إحداها ، أو أكثر ، على الأخريات.
4. هذا النظام يحقق المبدأ السياسي القائل: “التنوع من خلال الوحدة”. بمعنى السعي من أجل إيجاد حكومة مركزية، قوية، ومتماسكة، مع السماح بالتنوع، وشيء من اللامركزية في الدولة. وبمعنى آخر هذا النظام يساعد على تحقيق الوحدة بين أبناء الدولة، دون التشاكل (أو التماثل).
5. تعزيز المنافسة والابتكار على المستوى المحلي وتشجيع النشاط الإنتاجي من خلال منع أعمال النهب والسلب التي يمكن للحكومة المركزية أن تمارسها.
6. تعزيز الأمن الوطني في الدولة التي تتعدد أطيافها الاجتماعية وتواجه ضغوطاً من القوى المتطرفة.
7. تمثيل الجماعات الأقلية بشكل أفضل، لأن الديمقراطية التنافسية المستندة إلى حكم الأكثرية الانتخابية قد تغلق الطريق أمام هذه الجماعات بشكل دائم فلا يكون لها دور في الحكومة المركزية، في حين تعزز وجودها ودورها في ظل الحكم الفدرالي.
ضمانات حفظ الدولة
ما الضمانات التي تحقق النظام وتنفذ مميزاته ؟!!
1. وجود دستور مكتوب يتضمن الآتي:
أ. حماية حقوق الأفراد والحكومات المحلية من خلال تضمين هذه الحقوق في الدستور بوصفها جزءاً من الصفقة الفدرالية، وأن يمتلك المركز القوة للتدخل في الوحدات الفردية (حكومات الأقاليم) لحماية الحقوق الدستورية وكل ما يتعلق بها من إجراءات، وذلك بمنح المحاكم الفدرالية والسلطات القضائية تفويضاً بإلغاء القوانين والأفعال أو المعاقبة عليها, ويتوجب على الدستور – أيضاً – أن يمنح المحكمة الدستورية الفدرالية تفويضاً بترجمة وتفسير الأحكام الخاصة بها ودعمها وحل الخلافات بين الحكومات قضائياً، وحماية الحقوق الدستورية للأفراد والجماعات.
ب. حق الوحدات المكونة للاتحاد في الاشتراك بتعديل الدستور الفدرالي وأن يكون لها الحق في تغيير الدستور الخاص بها من جانب واحد (وبما لا يتعارض مع الدستور الفدرالي)؛ وفي الحالة اليمنية يبدو أن يكون لكل أقليم دستور خاص غريباً فالقيم المستقاة من الدستور ستكون واحده لأن الجميع متوحد فيها ولايوجد لدينا أياً من القوميات والعرقيات والأديان.
ج. وجود تمثيل متساوي وقوي للوحدات الصغرى في المؤسسة الفدرالية والحكومة اللامركزية.
د. منح الحكومات المحلية بعض الاستقلالية في إدارة شؤونها الاقتصادية.
ه. توزيع القوة أو السلطة بين الحكومة الاتحادية والحكومات المحلية مع حماية الحكومات المحلية من تطفل الحكومة الاتحادية.
2. وجود مؤسسات مجتمع مدني نابضة بالحياة ،وقد أحسن (دايموند) في التأكيد على هذه المؤسسات لما تشكله من قوة ضاغطة باتجاهين:الأول باتجاه الحكومة الاتحادية لمنعها من الانحراف عن المسار السياسي الصحيح وحثها على مزيد من اللامركزية، والآخر باتجاه الحكومات المحلية لمنعها من استغلال سلطاتها بشكل يتنافى مع الدستور الاتحادي ومع حقوق وحريات مواطنيها، فضلاً عن الدور الفاعل لهذه المؤسسات في رفع مستوى الوعي العام للأفراد والجماعات.
من جانبه أكد (جورج اندرسون) على أهمية هذه الضمانات وأضاف إليها ضمانات أخرى تتمثل بـ:
1.الضمانات الثقافية التي تتضمن:
أ. احترام سيادة القانون.
ب. احترام حقوق الأقليات.
ج. احترام عنصر الهوية المشتركة.
2.وجود توازن بين الوحدات المكونة للاتحاد لمنع الاستقواء في علاقاتها بعضها بالبعض الآخر.
ويمكن أن نضيف إلى ما تقدم الضمانات الآتية:
1. وجود نخبة سياسية مؤمنة بالفدرالية وتعمل على ترسيخها دستوريا وشعبياً.
2. وجود عدة وحدات فرعية للاتحاد الفدرالي وأن لا يكون مقتصراً على وحدتين فقط.
إن الضمانات أعلاه تشكل أساس نجاح تطبيق الفدرالية، وبدونها يغدو فشل النظام الفدرالي أمر محتوما لا مفر منه.
يجب أن يتنبه السياسيون إلي أمور عديدة منها:
· يتضح من الواقع أن الدولة مهترئة والجماعات المسلحة تسعى للمصالح والمكاسب قبل البدء الفعلي بعملية مرحلة انتقالية لتطبيق النظام الفيدرالي هذه الجماعات تصدم بمدى حجم الوعي لدى النخبة السياسية وإنجاز الحوار الوطني والبدء بصياغة الدستور هو الأهم لوقف تمدد هذه الجماعات.
· يجب أن نحول عراكنا السياسي –وليس العسكري- إلى فوائد وطنية يسعى الجميع من خلالها لبناء الدولة؛ ووقف التأثير الإقليمي والمخابراتي على اليمن.
· سحب الأسلحة الثقيلة من الجماعات المسلحة وحل أزمة الحروب الراهنة قبل البدء الفعلي بعملية الفيدرالية ما لم فسيصبح مكون دولة داخل دولة هو الغالب والنموذج اللبناني ما زال حاضراً والانقلاب على الحكومات المتعاقبة من قبل جماعة مسلحة لبنانية واضحاً.
· المشكلة ليست في الأقاليم كخيار إداري بل في صياغة الدستور الذي سيحكم علاقة الأقاليم بالمركز والتركيز عليه هو الأهم.
· لا داعِ لدساتير في الأقاليم لأننا التقسيم ليس قومياً ولا فئوياً ولا لغوياً؛ وتكتفي الدولة بدستور واحد يحدد العلاقة بين الأقاليم وبعضها وبين الإقليم والمركز.
وإذا كانت تجارب بعض الدوّل الفيدرالية قد انتهت إلى فشل بنائها الاتحادي-رغم ندرتها-, فان ذلك لم يحصل بسبب الفيدرالية ذاتها, بقدر ما هو نتيجة منطقية لإخفاق المزاوجة بين عنصري الدولة الأساسيين وهما شكل الدولة (تقسيم مساحتها ونوعية العلاقة بين أجزائها), وشكل الحكم فيها (أسلوب إدارة السلطة)، إذ لا يمكن أن نذهب إلى الفيدرالية ومازال العقل التشطيري يتحكم بالسلطة ويعبث بها.