ستبدأ تركيا خلال المرحلة المقبلة التعامل بالعملة الوطنية (الليرة) بدلا من الدولار مع البلدان الرائدة في تصدير الطاقة، وأكد وزير الطاقة التركي برات البيراق أن الحكومة اتخذت خطوات مهمة في هذا الجانب في الآونة الأخيرة” أثناء كلمة له أمس الخميس أمام البرلمان التركي في جلسة لمناقشة موازنة وزارة الطاقة التركية لعام 2017.
قراءة هذا الإجراء من قبل تركيا أو غيرها تندرج تحت دعم العملة المحلية، إذ تعزز هذا الخيار لدى العديد من دول العالم بعد موجة صعود الدولار التي آذت العملات الرئيسية وبالأخص عملات الاقتصادات الناشئة.
والمهم ذكره هنا أن هذه العملية لا تعني تسعير الغاز أو أي سلعة أخرى بالليرة أو بعملة محلية أخرى، ولكن المقصود هو الإيفاء بالعمليات التجارية البينية بين البلدين بالعملات المحلية، فتركيا تستورد من روسيا الغاز الطبيعي وبنفس الوقت تستورد روسيا من تركيا الخضار والفواكه، فبدل أن تتم عملية الحساب بالدولار ستوفي تركيا قيمة وارداتها لروسيا بالروبل بدل الدولار وبالمقابل توفي روسيا قيمة وارداتها بالليرة وفق آلية معينة ومضبوطة مصرفيًا بين البلدين. بينما يبقى التسعير عالميًا للغاز والنفط وغيرها من المنتجات الرئيسية عالميًا بالدولار المهيمن على هذه المعادلة منذ فترة طويلة.
ويجدر التنويه أن الدول التي ألغت الدولار في تبادلاتها التجارية مع بلدان أخرى، لن تستيطع إهمال الدولار أكثر من هذا الحد لحاجتها الماسة له في تأمين منتجات وخدمات أخرى سواءًا من الولايات المتحدة أو من دول أخرى.
تركيا ستستورد الغاز من روسيا بالليرة
وخلال كلمة وزير الطاقة التركية قال أن تركيا بدأت بالعمل في استخدام الليرة التركية في استيراد الغاز من روسيا حيث تعمل كافة المؤسسات المعنية في هذه الخطوة. إذ تحتل تركيا المرتبة الثانية بعد ألمانيا في حجم استيراد الغاز الطبيعي الروسي، وتستورد تركيا ما نسبته 90% من حاجتها للطاقة من الخارج وهو يمثل عبء كبير على ميزانيتها المالية وحاجتها للعملة الصعبة للوفاء بقيمة السلع المستوردة.
وكان مكتب رئيس الوزراء بن علي يلدريم ذكر يوم الإثنين الماضي أن كلا من تركيا وروسيا بصدد البدء في اتخاذ أولى خطوات التعامل بالليرة والروبل في المعاملات التجارية بين البلدين، حيث جاء هذا الإعلان في ظل زيارة قام بها رئيس الوزراء التركي إلى روسيا لعدة أيام تخللها اجتماعات مكثفة على كافة المستويات السياسية والاقتصادية.
بورصة اسطنبول دعمت الليرة التركية بتحويل حساباتها الدولارية إلى ليرة
وفي هذا الجانب فإن 35 مليار دولار قيمة التبادل التجاري بين تركيا وروسيا خلال الأعوام الأخيرة والذي يطمح زعماء البلدين إلى زيادته إلى 100 مليار دولار بحلول العام 2023، سيتحول إلى الليرة التركية والروبل الروسي ونبذ الدولار الأمريكي خارج المعادلة بين البلدين.
بكين وأنقرة إلى التعامل بالليرة واليوان
وفي نفس السياق أعلنت بكين أنها ستبدأ إجراءات التعامل بشكل مباشر مع تركيا بالعملتين، الليرة التركية واليوان الصيني اعتباراً من الاثنين المقبل 12 ديسمبر/كانون الأول. فحسب البيان المنشور على منصة تداول العملات الأجنبية في الصين أمس الجمعة، فإن إجراءات التعامل بشكل مباشر بين عملتي تركيا والصين في أسواق العملات الأجنبية بين البنوك سيبدأ في 12 الشهر الجاري بمصادقة البنك المركزي الصيني.
وسيتمكن الأعضاء المتعاملون في سوق العملات الأجنبية بين البنوك والمؤسسات من التعامل بشكل مباشر في تعاملاتهم بالليرة التركية واليوان الصيني. وفوض البنك المركزي الصيني منصة تداول العملات الأجنبية في الصين “سي إف إي تي سي” مسؤولية الدعم العملياتي والتكنولوجي لتسيير الإجراءات المباشرة للتعامل بين الليرة التركية واليوان في السوق بين البنوك. وستقوم المنصة في كل يوم بنشر نظام سعر الصرف بين الليرة التركية واليوان، حيث سيسمح بتقلب سعر الصرف بين العملتين بنسبة 5% بالزيادة والنقصان.
وتهدف خطوة التعامل بعملتي البلدين بشكل مباشر لتشجيع التجارة والاستثمار بين تركيا والصين، ولتلبية احتياجات المؤسسات الاقتصادية لتخفيض تكاليف تبادل العملات ولتسهيل استخدام العملتين في التجارة والاستثمارات عبر الحدود.
أثناء زيارة بن علي يلدريم إلى روسيا
وغالبًا سيتم الإعلان قريبًا عن نفس الإجراء مع إيران ليتم اعتماد كل من الليرة والترومان الإيراني في التبادل التجاري بينهما حيث يطمح كلا البلدين لرفع التبادل التجاري بينهما إلى 30 مليار دولار في السنوات المقبلة، كما أن أكثر من 80% من المبادلات التجارية بين البلدين تتعلق بالطاقة.
هل تستفيد الليرة من هذا الإجراء؟
تندرج هذه الخطوات في إطار سعي تركيا إلى دعم عملتها التي خسرت نحو 20% من قيمتها منذ بداية العام الجاري، بسبب صعود الدولار الأميركي وتداعيات محاولة الانقلاب الفاشلة التي شهدتها البلاد في منتصف يوليو/تموز الماضي، وأمور أخرى.
فالمعلوم أن الليرة التركية خلال الأسابيع الماضية تعرضت لضغوط كبيرة جراء صعود الدولار وانخفضت قيمتها منذ فوز ترامب في 9 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي من سعر 3.20 تقريبًا لتصل إلى أعلى سعر لها عند 3.60.
فاستنفرت الدولة حكومة ورئيسًا لحماية الليرة من الهبوط ودعا أردوغان الشعب والمستثمرين والمدخرين ومؤسسات الدولة لضخ الدولار في الأسواق واستبدال الحسابات الدولارية بالليرة، والعمل على اعتماد الليرة في التعاملات التجارية بدلا من الدولار مع كل من الصين وإيران وروسيا، ومن المتوقع أن تمتد هذه الحركة في جميع التعاملات الخارجية التركية مع العالم الخارجي.
وقد طرأ تحسن نسبي لليرة بعد استجابة لدعوات الرئيس والحكومة حيث انخفض سعر صرف الليرة إلى 3.48 واستقر عند هذا السعر بعد إغلاق أسواق البورصة أمس الجمعة.
من حيث المبدأ يفيد هذا الإجراء في دعم قيمة الليرة، ولكن إسقاطها على الواقع التركي المركب والمعقد سياسيًا واقتصاديًا قد يظهر له ارتكاسات عديدة لا تنهي الفائدة المرجوة من هذا الإجراء بل تقلله على أقل تقدير.
إذ يرى محللون أن الظروف السياسية المتمثلة بتحويل نظام الحكم في البلاد إلى رئاسي في المرحلة المقبلة والجبهات التي تخوضها تركيا في العراق وسوريا ومواجهة حزب العمال الكردستاني والخلاف مع الاتحاد الأوروبي بشأن عضوية تركيا، كلها أمور تؤثر على قيمة الليرة.
وفي الكفة الأخرى، ارتفاع الدولار وسعر الفائدة الأمريكية، وارتفاع حصة تركيا من المواد الأولية المستوردة من الخارج وفي مقدمتها المشتقات النفطية بالدولار، ومن ثم تحدي تحريك سعر الفائدة المحلي ومجاراتها لسعر الفائدة الأمريكية، وخوف كبار المستثمرين والمدخرين سواءًا الأتراك أو الأجانب في تركيا وانسحاب الدولار للاستثمار في الولايات المتحدة.
الحكومة التركية تقدم مشروع قانون للبرلمان لتحويل نظام الحكم إلى رئاسي
كل هذه العوامل المتمازجة مع بعضها البعض تهيء لفائدة نسبية من حركة استبدال الدولار بالليرة في المعاملات والتبادل التجاري مع كل من روسيا وإيران والصين ولاستقرار نسبي لسعر صرف الليرة أمام الدولار القوي في المرحلة الحالية وبقاء سعر صرف الليرة أمام الدولار تحت مستوى 3.60 ليرة حتى نهاية العام كما يشير لذلك أغلب المحللين، وهو أمر بالغ الأهمية وإنجاز اقتصادي محسوب في هذه المرحلة الصعبة على الأقل.